رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الشيخ د. سعود بن ناصر آل ثاني

مساحة إعلانية

مقالات

261

الشيخ د. سعود بن ناصر آل ثاني

كون المرء عالة!

17 أغسطس 2025 , 02:15ص

كيف للإنسان أن يكون عالة وقد أُنعِم عليه بالوجود؟ لقد خُلقنا على هذه الدنيا لسبب واحد بالرغم من اختلافاتنا لمفهوم الوجود واختلاف تحديد وجهتنا فيها. وكلنا نسأل عما نكون وماذا نُرِد من هذه الحياة. ومن الممكن أن نُغيّر أو أن نتغير بسبب العوامل والأحداث والأشخاص المؤثرين والمتأثرين بنا. وقد « نكون أو لا نكون « كما قال الكاتب المسرحي الشهير وليام شكسبير في مسرحيته الشهيرة «هاملت « لتأمله ما بين الموت والانتحار، أي التفضيل بين العيش لتحمل تحديات الحياة أو الاستسلام واختيار الموت! ولكن الأكيد أن تلك العوامل حتى من الناحية المادية لابد أن تتزاحم باحتكاك ما بين النواحي العضوية لجسمك أو الخارجية الملامسة لباقي المواد الأخرى في الكون كما يحدث مع نظرية تأثير الفراشة المحدثة للفوضى جراء تغير طفيف بالظروف المحيطة بشكل ديناميكي لتحدث نتائج كبيرة على المدى الطويل، فأي عمل مهما كان حجمه ونتيجته قد يؤثر في هذه الدنيا لا بل والحياة الآخرة. فالإنسان العالة جاءت الكلمة في معاجم اللغة على كل ما يعتمد على الغير والفقر وعدم الاستقلالية وإذ هي بشكلها السلبي، وقد تكون بمعناها الإيجابي إذا انتسبت إلى الأهل والعيال. ولكنها ارتبطت في أذهاننا على أنه الإنسان العاجز عن الأخذ بزمام أمره واعتماده على الأشخاص الآخرين ليقوموا بأموره وقد تتجاوز ذلك إلى أهله وعياله!

قد يكون الفرد عالة بسبب الظروف المعيشية التي تعجزه عن الإنفاق على غيره ولا يكون قادراً على اعالة نفسه أو عائلته. ولكن الأمر في كثير من الأحيان يكون فقراً في العقلية المالية والعاطفية. فالله رزقنا عقولاً نتفكر بها ونجد بها الحلول، وقلوباً نؤمن بها فنصبر ونتيقن برزقنا المكفول ما بين السطور في اللوح المحفوظ. فالعالة قد يكون سبباً لعدم تحمل المسؤولية بقرار اختياري من المرء ليكون غير متحمل للمسؤولية ويصبح معتمداً عاطفياً ومالياً على طرف آخر يستغله. 

ولكن لا بأس بأن يطلب الإنسان ويسأل من الناس. سَمِعَ الإمام أحمد رجلاً يقول: « اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك، فقال: هذا رجل تمنى الموت» فلا يمكن للمرء أن يستغني عن الناس وإن حاول وحاول وإن اعتزل الناس كلهم فالغني رب الناس، حتى في عجائب الحياة الفطرية من الحيوانات المختلفة في النوع والسلسلة الغذائية وهي قد اعتمدت على مفترسيها بالرعاية! فإن العيال يحتاجون الرعاية من والديهم، واليتامى يطلبون من يؤويهم. وهناك من يحتاجون الرعاية مثل الفئات الأخرى كأصحاب الاحتياجات الخاصة والأمراض العقلية كذلك، ولكن من تلك الفئات من يعول نفسه وعائلته أيضاً. فما حجة من أعلى منهم وهم عالة في مجتمعاتهم؟! فهذا الخلق الكثير من الناس في هذا العالم يطلب التعاون لصلاح الحياة، ولا يمكن ذلك باستفراد المرء بنفسه دون العمل مع غيره قال تعالى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ } المائدة ٢.

 فمن أرباب الأسر من يعتمد على زوجته في كل شيء وهو عالة، ومن الأبناء من كُلِّفَ بالعمل من رب السماء ويعيش على نفقة والديه وهو عالة. ومن الموظفين الذين يتجنبون العمل ويقضي وقته باللهو خارج وداخل العمل وهي من البطالة ويحتل مكان من يحتاج للعمل وهو عالة، ومن الأشخاص من يستحل بخبثه طيبة الآخرين وكرم وطنه ويستغل كل شاردة وواردة من مقدرات دولته للحصول على مبتغاه وهو عالة، ومن الناس من لا يبالي بقضايا وشؤون دينه ووطنه ويرى ما يحدث من حوله ولا يبالي بل ينتقص ويشمئز ممن يأخذ بزمام أمره وهو عالة. فخلاصة القول أنه لا يمكن للإنسان أن يكون عالة في هذه الحياة. فهو مجبورٌ من خالقه لأنه جزء من العبادة والأمانة التي على عاتق الإنسان في هذه الحياة. قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }. الذاريات ٥٦.

مساحة إعلانية