رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مبارك الخيارين

* باحث في الشؤون الاقتصادية

مساحة إعلانية

مقالات

444

مبارك الخيارين

الموارد البشرية.. نظرة متعمقة

17 فبراير 2025 , 02:00ص

بداية كل تطور ونهايته هو الإنسان، حيث تأتي الموارد المادية كمساعدة لمدى قدرة الانسان التفكيرية وإبداعه القابلة للتنفيذ، ولذلك كان المفكرون والمبدعون هم القيمة المضافة لدولهم في تطويرها، والتي تحرص على اكتسابهم من خلال عملية التنمية الخاصة بالانسان وقدراته، وذلك بجانب عملية النمو الخاص بموارد الدولة، فالنمو يختلف عن التنمية، حيث يعرف النمو انه مقدار ما تملكه الدولة من الموارد المادية والطبيعية، ولكن التنمية هي مقدار ما تعكسه تلك الموارد على شعبها من تعليم وصحة وحياة كريمة تجعلهم مساهمين في نمو بلدهم. وبالنظر لمبدأ هرم ماسلو، نجد ان الشركات العالمية أدركت الجزء الاعلى للهرم وهو الجانب الابداعي للانسان، ومدى رغبته في تحقيق انجازاته ورغباته الذاتية، والتي تأتي وتتفجر بعد استيفاء الجزء التقديري لهرم ماسلو وهو تقديره واحترامه ومنحه الثقة والتفويض، ونذكر مثلا شركة ابل حيث اطلق ستيف جوبز على ادارة الموارد البشرية مسمى ( إدارة الناس ) لانه كان يؤمن بانه يتعامل مع بشر مبدعين وليس موارد مسخرين. من جانب آخر فقد أنشأت جوجل «العادات الثماني لمديري جوجل ذوي الكفاءة العالية» والتي تضمنت كل ما يلزم لاطلاق ابداع الموظفين وقدراتهم من خلال مديريهم، لرفع الانتاجية وربط مفهوم الإدارة لدى مديري جوجل باكتشاف قدرات موظفيهم ومنحها الحرية الكاملة للتجلي والظهور. ومن الجانب العملي لكي نرى كيف تطور مفهوم الموظف في عمله عبر التاريخ، فقد ظهرت في البدايات الوظيفية مفاهيم تخص الموظفين مثل إدارة شؤون الموظفين، التي كانت تختص بالرواتب والعلاوات والجزاءات، بعد ذلك وفي طريق الاهتمام أكثر بالعنصر الانساني ظهر مفهوم إدارة الموارد البشرية، والذي يركز على تطوير الموظفين وتدريبهم ورفع كفاءتهم، إلى أن وصلنا لمرحلة مفهوم الرأسمال البشري human capital، وهو من ابتكار الأستاذ الجامعي بيكر في جامعة شيكاغو، الذي ألف كتابا بعنوان الرأسمال البشري عام 1964، ليأتي بعدها الاقتصادي والفيلسوف الهندي امارتيا صن، والذي اصدر كتابا بعنوان (التنمية حرية) عام ٩٩، دعا فيها لتغيير مفهوم الرأسمال البشري الى رأسمال القدرة البشرية، والتي تركز على تنمية قدرات الانسان من خلال اتاحة الفرص والمشاركة الحقيقية بدلا من اعتباره إحدى ادوات الانتاج التي تخضع لمنطقة الربح والخسارة. واذا نطرنا لمكونات العمل، فإننا نرى ضعف منظومة الموارد البشرية في الجهات الحكومية، مقارنة بإدارات الشؤون المالية التي تحافظ وتتابع الاموال والمشتريات والنفقات من بداية توفيرها الى صرفها، وتشدد على الادارات الاخرى كفاءة الانفاق وحسن التصرف بالاموال، بينما نرى ادارات الموارد البشرية تتعامل مع الموظف كبوابة تسجل الداخل والخارج، ولا تسأل عن رأسمالها البشري في الادارات الاخرى ماذا صُنع به!! حيث تنسى وتتناسى متابعة رأسمالها من الموظفين وطريقة تطويرهم وكيفية الاستفادة منهم، مما يجعلهم نهبا لمزاجية مديريهم وجهلهم، الذي يؤدي بدوره لتسرب الكفاءات ؟ ودفن المواهب، وقتل روح المبادرة وإنهاك المميزين فيهم بأعمال روتينية وبسيطة مقارنة بإمكانياتهم. من جانب آخر وللاشارة لأهمية الموارد البشرية، فعندما ننظر في خصائص الرأسمال البشري Human Capital، فإنه لا ينتهي كالموارد المالية والمصانع والاسهم بل (يتقادم) بمعنى ان المعرفة والمهارة التي اكتسبها الانسان تبقى صالحة لفترة طويلة ولكنه لا يفقدها فجأة فيصير بدون مهارة او معرفة الا في حالات نادرة كالمرض الذي قد يعطل الاستفادة منهما. ثانيا ان العنصر البشري يكتسب ويولد المعرفة بدون حدود من خلال معالجته لها، والتي تبنى على اساس المشاهدة والملاحظة والخبرة والقراءة، بعكس الموارد المادية المقيدة في التوسع والاستهلاك. وإذا نظرنا الى ناتج الموارد البشرية نجدها في الجودة والتطوير بينما نجد ناتج الموارد المادية الفخامة والرفاهية والحجم والتي قد تفتقر للجودة، فالموارد المادية قد تبني احدث المستشفيات بينما جودتها منخفضة بسبب اطباء غير اكفاء، وقد تبني اعظم المباني المدرسية ولكن جودة التعليم ضعيفة بسبب المعلمين غير الأكفاء، لذلك فالتركيز على تطوير مهارات الموارد البشرية يعطينا الجودة، بينما التركيز على الموارد المادية يعطينا رفاهية، لذلك من أولى بالتركيز ؟؟!! للموارد البشرية دور كبير في إنقاذ اوطانهم اكثر من دور الموارد المادية، ففي عهد هتلر وروزفلت فقد أعادوا بناء دولهم بناء على الكساد (النفسي) وليس الكساد (الاقتصادي) وذلك بربط حلم الشعب بحلم القيادة، فانطلق الشعب يعمل اغلبه بدون تكلفة يأمل بتحصيلها بعد اعادة اقتصادهم بشكل قوي، لنجد هنا أن الموارد البشرية عملت على خلق الموارد الاخرى، لذلك وجب ان يطلق عليها رأس مال بشري. ولمعرفة مفهوم إدارة الموارد البشرية او تنمية الموارد البشرية، نجد أن إدارة الموارد البشرية تهدف إلى تحسين كفاءة جميع الموظفين، بينما تهتم تنمية الموارد البشرية في زيادة المعرفة والمهارات والكفاءة العامة للأشخاص العاملين في المنظمة، وبمعنى اخر وبلغة رياضية، فإن ادارة الموارد تستهدف (التكتيك) بينما تنمية الموارد تستهدف (التكنيك). يتمثل مفهوم تنمية الموارد البشرية من خلال اقسام شؤون الموظفين والتي ترصد الانضباط الوظيفي وتضع انواع التدريب وتوثق مسيرة الموظف مهنيا في ملفه الوظيفي، بينما يمثل مفهوم ادارة الموارد البشرية الادارة كلها من حيث تحفيز هذا المورد ومتابعة أدائه ومراجعته مع الإدارات وعدم تسليمه له ليتحكموا به، لذلك اعتبرها الأب الروحي لجميع الموظفين.

مساحة إعلانية