رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بيني وبين فلسطين قصة حب، وحكاية عشق، تنبع من شعور قومي دفيق، وشغف دافق عتيق، وشوق متدفق عميق، لقدسها ومقدساتها، ذات الإرث الحضاري، والتراث العربي، والتاريخ الإسلامي العريق.
ويحركها ارتباطي الوثيق بأهلها في قطاع غزة والقدس ومدن الضفة والحواضر في يافا وحيفا وعكا، حيث يوجد الأخ، ويعيش الصديق، ويحيا الرفيق.
.. وهناك في أماكن الشتات وسائر المخيمات وكل المدن الفلسطينية المحتلة والبلدات التي تعاني من احتلال صهيوني صفيق.
ويرسخها إيماني العميق بحقوق شعبها العريق الذي تربطني مع مختلف توجهاته الرسمية ومكوناته الشعبية علاقات متشعبة، تتنوع في طبيعتها، وتتجذر في خصوصيتها، وتتعمق في تفاصيلها، مع هذا الشعب العربي الشقيق.
ومنذ أن كنت طفلاً في المدرسة، ترسخ في وجداني يقين عريق، بعدالة قضيتها، وكنت أغني أناشيدها مع أستاذي الفلسطيني «خالد نصر»، مدرس التربية الفنية، في مدرسة «الخليج العربي» الابتدائية، التي كانت تستقطب أبناء الأهالي في «أم غويلينة» ومحيطها، هناك عند مشارف «فريجنا» العتيق.
ومن يومها ذاك، وحتى يومنا هذا، ما زلت أحفظ كلمات الأناشيد المدرسية، التي تتغنى بحب فلسطين الحبيبة، وأرضها الحبيسة وشعبها العربي المحبوس في سجون الاحتلال، هناك خلف قضبان الاعتقال وقيود الأغلال.
ومع تواصل مأساة أولئك الأسرى من النساء والرجال، ومعاناة آلاف المعتقلين، وبينهم الكثير من الأطفال، وتسلسل قصص المقاومين الأبطال، وتوالي حكايات النازحين، الذين يسيرون على أقدامهم فوق الرمال، وضحايا العدوان الصهيوني الذين يبحثون عن مأوى خلف التلال.
أقولها ـ بثقة ـ وبلا جدال ومواربة، إن الفلسطينيين، على مدى تاريخهم الطويل مع النضال، لم تمر عليهم منذ عهد الإنجليزي بلفور، صاحب الوعد المشؤوم، كارثة سياسية، أخطر من المخطط الأمريكي ـ الصهيوني، الذي يتم ترويجه حالياً في واشنطن وتل أبيب، ويستهدف تهجيرهم قسرياً خارج وطنهم، تحت غطاء ما يسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط.
وخلال سنوات عمري المتسلسلة من زمن الطفولة مرورا بمرحلة الشباب ووصولي إلى دخول عالم «الشياب»، لم أشهد في حياتي مشروعاً فوضوياً مثل هذا، الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية واقتلاعها من جذورها، واجتثاثها من أرضها وتهجير أهلها من بيوتهم قسراً، وإبعادهم من ديارهم قهراً، ونقلهم من وطنهم ظلماً، في إطار أبشع عملية تطهير عرقي، وأخبث عملية تمييز عنصري في تاريخنا المعاصر، تحت مسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط.
فهذا المخطط الشيطاني يتضمن خليطاً ساماً من الأفكار الانتهازية والمخططات الابتزازية والأجندات الاستعمارية والأطروحات الاستعلائية والمؤامرات الاستبدادية ذات النتائج الكارثية.
وهو يستهدف في تفاصيله المعلنة، الاستحواذ على الواجهة البحرية في قطاع غزة، المطلة على المياه الفيروزية.
أما حيثياته الملعونة فهي تتمثل في السيطرة الكاملة والدائمة والمطلقة على القطاع الفلسطيني المقطع، واحتلاله أرضاً، وتملكه جواً، واستغلاله تراباً، والسيطرة عليه هواء.
وتهجير جميع مكوناته قسراً، وإبعادهم خارج وطنهم المحتل ظلماً، بشكل ينتهك حقوقهم ويعتدي على حدودهم ويتعدى على ممتلكاتهم ويستولي على أرضهم.
ومن المؤكد، بشكل أكيد، وبكل تأكيد، أن ما يسمى مشروع «ريفيرا» الشرق الأوسط، المرفوض عربياً، المستنكر دولياً، المستهجن جماهيرياً، المدان حقوقياً، الممقوت فلسطينياً، تسبب في إحداث «الشرخ الأوسع» في المساعي المبذولة لتحقيق السلام المشروخة أصلاً بفعل العدوان الصهيوني على الفلسطينيين.
وأدى هذا المخطط الاستعماري غير المشروع إلى زيادة تعقيدات الوضع السياسي المعقد أصلاً في الشرق الأوسط، بسبب ظروف المنطقة بالغة التعقيد، على كل جبهة وصعيد.
ونأتي إلى ذروة التصعيد المتمثل في سعي الرئيس الأمريكي لتغيير الواقع الجيوسياسي في عالمنا العربي، لصالح المشروع الصهيوني.
وقبل أن يزعم أمام من يؤيدونه من الأمريكيين أنه يسعى لاسترجاع هيبة بلاده، وقبل أن يروج المزاعم أنه سيجعل الولايات المتحدة عظيمة في عهده على حساب انتهاك حقوق المستضعفين، ينبغي عليه، أولاً ودائماً، أن يوظف «عبقريته» المزعومة في إيجاد الحلول الفورية والجذرية لأزمات بلاده الداخلية، وفي مقدمتها أزمة «البيض» الذي يشهد ارتفاعاً حاداً في أسعاره، مع ندرة وجودية فيه، لعدم توفره في متاجر «السوبر ماركت».
وهذا الأمر تسبب في حدوث الكثير من المواجهات، والعديد من الصدامات و«الهوشات»، بين المواطنين الباحثين عن البيض المفقود، وباتوا يتواجهون باللكمات، ويتصارعون بالكلمات، من أجل الحصول على قليل من «البيضات»!.
ولكل هذه المشاحنات لا يمكن لسيد «البيض الأبيض»، عفوا أقصد «البيت الأبيض»، أن يتحدث عن الأزمات في الخارج الأمريكي، قبل إيجاد الحلول لمعضلات الداخل الأمريكي، التي تنعكس سلبياً على حياة المواطن الأمريكي!
ومن الضروري أن يوفر الرئيس الأمريكي كراتين البيض في المتاجر للشعب الأمريكي، قبل التفكير في «ريفيرا» الشرق الأوسط، الذي يستهدف تهجير الشعب الفلسطيني.
ولأن هذا المشروع قد بني على الخداع والكثير من الأطماع، ويساهم في تغذية الصراع، ويؤدي إلى زيادة الصداع، ومضاعفة الأوجاع، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، فهو يشكل انتهاكاً صارخاً، لمواد العهد الدولي، الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وهذا «العهد القانوني»، يعتبر من أهم المعاهدات الدولية متعددة الأطراف، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في السادس عشر من ديسمبر عام 1966، ودخلت حيز التنفيذ، في 23 مارس عام 1976، وصدقت عليها 168 دولة.
ويتضمن هذا العهد القانوني أو التعهد الدولي، (54) مادة، تنص مادته الأولى على أن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وبمقتضى هذا الحق، فهي حرة في تحديد مسارها وموقفها ومستقبلها ونظامها السياسي، ولا يجوز حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاص.
والغريب، بل والعجيب المريب، أن واشنطن التي تزعم احترامها للخيار الديمقراطي، وتدعم نتائج الصندوق عندما يكون على هواها، نجدها تنتهك حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، عبر تنظيم استفتاء شعبي يحدد موقفهم من قيام دولتهم المستقلة.
والمفارقة العظمى والطامة الكبرى بحجم المكتب البيضاوي الذي تصنع في القرارات الأمريكية أن الولايات المتحدة وقعت على مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأمم المتحدة، وصدقت على هذه المواد الملزمة بالقبول، وتعهدت بالالتزام بتنفيذها.
وهذا يدفعني إلى تنبيه الإدارة الأمريكية الحالية إلى هذه الحقيقة، التي ربما لا تعلم عنها شيئاً، ولها سوابق في ذلك، تعكس الجهل بالملفات الدولية، وتجاهل قواعد وحدود الجغرافيا السياسية.
ولعل قيامها بالخلط ـ جهلاً ـ بين «غزة فلسطين»، و«غزة» الأخرى الواقعة في موزمبيق، يعكس هذه الحقيقة، بعد محاولتها تشويه الواقع الفلسطيني، بشأن قضية «الواقيات»، التي أرسلتها واشنطن إلى محافظة «غزة الموزمبيقية»، وادعت إرسالها إلى «غزة الفلسطينية».
ولا يحتاج الأمر إلى توضيح أن الشعب الفلسطيني المستهدف في حاضره والمتنازع على مستقبله يريد زيادة النسل، وليس تحديده.
وما من شك في أن أي إدارة سياسية لا تعترف بهذه الحقيقة ولا تعرف الفرق بين «غزة» الموجودة في فلسطين، و«غزة» الواقعة في موزمبيق، فإنها حتماً لا تملك الحق في تحديد مسارات خريطة الطريق المؤدي إلى مشروع «ريفيرا» الشرق الأوسط.
ومشكلة الرئيس الأمريكي أنه لا يعرف قيمة الأرض الذي ولد فيها الإنسان الفلسطيني، ونشأ على ترابها، وعاش في مساكنها، وكبر في شوارعها، وترعرع في أزقتها، وتفرع نسله العربي في بلداتها وقراها.
ولا يعرف أهمية الأرض في حياة الفلسطيني الذي يستمد من ترابها، ويتعايش مع تضاريسها، ويتنسم من مناخها، ويتعامل مع تلالها، و«بياراتها»، ويتصف بصفاتها، ويكتسب من مواصفاتها الشيء الكثير والمعنى الكبير، الذي يشكل سمات شخصيته الصلبة الصامدة، الصبورة، المقاومة لكل المتغيرات المحيطة به.
إنه سر الأرض الفلسطينية، العربية، المرتبطة بالإنسان الفلسطيني، بكل سهولها، وهضابها، وسمائها، ورمالها التي ضحى المقاوم الفلسطيني بحياته دفاعاً عنها، تعبيراً عن ارتباطه بها.
وتأكيداً على العطاء المعنوي والمادي والدموي والوطني السخي، من أجل أن يبقى متجذراً في فلسطين، مثل أشجار الزيتون، وعندما يستشهد، يدفن في أرضه التي يحبها وتحبه.
ولكل هذا، لا يمكن لأي قوة غاشمة، أن تبعده عنها، ولا يمكن لأي سلطة «غشيمة»، أن تقتلع جذوره منها، لسبب رمزي بسيط، ربما لا يفهمه الرئيس الأمريكي، ويتلخص في أن الفلسطيني هو صاحب الأرض، وهو سيدها، وهو ابنها الذي يصعب اقتلاعه منها وإبعاده عنها.
وينبغي أن يفهم رئيس الإدارة الأمريكية أن حق الفلسطيني في أرضه هو حقه في الحياة، وفي الحرية، والانتماء والهوية، والتاريخ والجغرافيا، والوطن والحضارة التي صنعها فوق تلك الأرض.
مع تأكيد حقه في امتلاك «البيارة»، التي زرعها، وحقه في الحفاظ على «الفخارة»، التي طبخت فيها والدته، وجبته المفضلة.
لكن حفيد المستوطن الألماني، «فريدريتش ترامب»، المهاجر من قرية «هالشتات» أو «كالشتات» الألمانية، إلى الولايات المتحدة، هرباً من التجنيد الإلزامي في الجيش الألماني.
هذا الحفيد، الطافح بالنرجسية المتورمة، والانتهازية المتضخمة، لا يعرف قيمة الأرض، بالنسبة للإنسان الفلسطيني، وماذا تعني لأهالي غزة؟
والسبب أن جده الهارب من الخدمة العسكرية، في وطنه الأصلي فرط في أرضه، الواقعة في البلدة الريفية الصغيرة، جنوب غرب ألمانيا، حيث موطن أجداده، ومعقل أسلافه من السلالة «الترامبية».
أما والده، المقبور «فريد ترامب»، فقد كان من أكثر المؤيدين للمواقف الصهيونية، ومن أبرز المناصرين للمؤسسات الإسرائيلية، ومن أشد الداعمين للقضايا اليهودية، وهذا دفعه للمساهمة في بناء مركز يهودي في حي «بروكلين» في نيويورك.
وكل هذا يفسر انحياز الرئيس الأمريكي لمواقف اليمين الصهيوني المتطرف، ودعمه لتوجهات التيار الإسرائيلي المتعجرف، الذي يخطط لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإبعادهم من ديارهم، لتوسيع الحركة الاستيطانية، وبناء المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، باعتبار على حد قوله أن مساحة الكيان «تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها».
والذي استطرد، دون حياء، وبنظرة كلها عجرفة واستعلاء: «إسرائيل دولة صغيرة جدا. مكتبي يشبه الشرق الأوسط، وهل ترى هذا القلم في يدى إنه جميل جدا بالمناسبة، إسرائيل تشبه رأس هذا القلم فقط، وهذا ليس جيدا، أليس كذلك؟».
ولهذا نجده يصر إصرارا مريبا، على طرح مخططه الاستعماري، بعنوانه الاستثماري، المسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط، لأنه يسعى لتحقيق المصالح الصهيونية، على حساب الخيار القانوني الصالح، المتمثل في مبدأ «حل الدولتين».
علماً بأن العرب، الذي سيجتمعون في القاهرة، في القمة العربية الطارئة، المقررة في السابع والعشرين من الشهر الجاري، لديهم القدرة المالية، وعندهم الإمكانيات الهندسية والعمرانية، والعقارية، والفنية والتقنية، التي يستطيعون من خلالها إعمار قطاع غزة، وإزالة آثار الدمار، وجعل القطاع المدمر قابلاً للحياة، دون تهجير قسري أو تطهير عرقي، لسكانه الفلسطينيين، بما يضمن حفاظهم على أرضهم، ويكفل حقوقهم ومقدراتهم، ويحفظ لهم «بياراتهم» وبرتقالهم وزيتونهم وزعترهم.
ولكل هذه المعطيات، أستطيع القول إن الفلسطيني المحروم من الحرية في وطنه المحتل، منذ أكثر من 70 عاماً، لا يريد «ريفيرا» على طريقة «كوت دازور» الفرنسية، ولا «ريفيرا» على طريقة «بورتوفينو» الإيطالية.
لكنه يريد وطناً حراً، ودولة مستقلة ذات سيادة معترفا بها دولياً عاصمتها القدس الشرقية.
أكرر: يريد دولة سالمة مسالمة ليس فيها عنصرية الصهاينة، ولا عدوانية بن غفير، ولا استفزازات سموتريتش، ولا أحقاد نتنياهو، ولا كراهية الحاخامات المتطرفين، ولا اعتداءات المستوطنين المسعورين.
وأقولها نابعة من قلبي، وأنطقها بلساني لتدوي، وأكتبها بقلمي الصغير، وأضعها على طاولة «المكتب البيضاوي» الكبير، ليقرأها سيد «البيت الأبيض» مؤكداً له أن ضمان حقوق الفلسطيني في أرضه، سيساهم في ترسيخ الأمن والسلام العادل والشامل وسيضمن تحقيق التعايش السلمي المستدام، بين شعوب المنطقة.
وسيبقى الفلسطيني، الذي يعرف كم عدد حبات الرمال في أرضه، متماسكاً في دياره، متمسكاً بترابه الوطني، مهما كانت الظروف، ومهما زادت الضغوط، ومهما علت التحديات، ومهما كثرت المخططات، ومهما حيكت المؤامرات، التي تستهدف حياته، وتنال من حريته.
وبكل مبادئ وقواعد الحرية الواعية، لا أجد ما أختم به مقالي، سوى أن أرفع صوتي عالياً، ناطقاً بالحق والحقيقة، وأجر الصوت من حنجرتي، مردداً أنشودة فلسطين، وشعبها الحزين:
يا صوتي ضلك طاير، زوبع بها الضماير
خبرهن عاللي صاير، بلكي بيوعى الضمير
خبرهن عاللي صاير، بلكي بيوعى الضمير.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4221
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1848
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1761
| 04 ديسمبر 2025