رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

405

إبراهيم عبد المجيد

الجورنيكا.. لا أحد ينام في العالم

16 أكتوبر 2025 , 02:00ص

تغريني الأحداث وتطورها بشأن غزة أن أكتب فيها، لكني قلت هذه المرة أمشي وراء القلب لا العقل، رغم أن فيما حدث ما يغري العقل كثيرا، فثقتي كبيرة بما أتى به مؤتمر شرم الشيخ الذي حضرته كوكبة رائعة من الزعماء، بعضهم لعب دورا لن ينساه التاريخ مثل قطر ومصر وتركيا، وطبعا أمريكا وغيرها. كثير يمكن قوله عن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل الآن، أو أمريكا والدول العربية والإسلامية، أو خطة إعمار غزة وشكل الحكم فيها، لكني أعود أمشي وراء قلبي، فأتذكر اللوحة الجدارية العظيمة «الجورنيكا» لبابلو بيكاسو، الذي كان لي حظ مشاهدتها يوما في أحد المتاحف الإسبانية، والتي قرأت عنها أنها جاءت بعد أن قامت ألمانيا وإيطاليا في أبريل عام 1937 بقصف هذه المدينة الإسبانية في إقليم الباسك، مساندة للقوميين أمام الجمهوريين. ويأخذني قلبي إلى قصيدة لوركا «مدينة بلا نوم» التي يقول فيها:

لا أحد ينام في السماء 

لا أحد ينام في العالم

لا أحد 

 لا أحد 

لقد قيل عن هذه القصيدة إنها تعكس عند لوركا شعورا كبيرا بالوحدة، في عالم يفتقر إلى الراحة والسلام. لكني أذكر أيضا أنها جاءت بعد تدمير مدينة الجورنيكا. وسواء كانت ذاكرتي صحيحة أم لا، فلقد كانت هذه القصيدة هادية لعنوان روايتي «لا أحد ينام في الإسكندرية»، ولقد ذكرت ذلك في هوامشها. والرواية بدون إطالة، عن الإسكندرية تحت الحرب العالمية الثانية، والغارات الألمانية والإيطالية التي تقريبا دمرت المدينة، وجعلتها تكاد تخلو من سكانها. لقد هاجروا إلى المدن والقرى داخل مصر.

 يأخذني قلبي بعد أن شاهدت بشكل يومي صور الخراب في غزة، وجثث الشهداء من الرجال والنساء والأطفال، وقوافل العائدين من الجنوب إلى الشمال، أو العائدين من سجون إسرائيل، والقصص الرهيبة للأحياء والموتى، إلى الشعور كيف صارت غزة كما صارت الجورنيكا التي خلدها بيكاسو، وصار أهلها لا يعرفون النوم كما حدث مع أهل الجورنيكا أو الإسكندرية. يأخذني قلبي إلى السؤال، كم لوحة فنية سوف يتم رسمها عن الخراب في هذه الأحداث وعن الضحايا؟. كم من المذكرات سيكتبها الذين أفرجت عنهم إسرائيل من سجونها، ووصلوا إلى حوالي ألفين، في مقابل العشرين شخصا الذين أفرجت عنهم حماس؟. مذكرات حين تكتب ستكون معجما كاملا للاعتقال وسجون العدو. كم قصيدة شعر ستأتي عن أهل غزة وصمودهم رغم قلة نومهم، فتكون إضافات رائعة للشعر الفلسطيني الذي جسده شعراء مثل إبراهيم طوقان مرورا بمحمود درويش حتى موسي حوامدة وغيرهم؟. كم رواية ستأتي ولو حتى بدون عنوان مثل لا أحد ينام في غزة، أو لا أحد ينام في جباليا أو خان يونس أو الناصرة أو غيرها؟، تعبر عن هذا الوجع. روايات تضاف إلى رصيد الرواية الفلسطينية من غسان كنفاني إلى باسم خندقجي الذي أمضي في سجون إسرائيل واحدا وعشرين عاما، وفازت روايته بالبوكر العربية وهو في السجن، مرورا بيحيى يخلف وإبراهيم نصر الله وغيرهما. أعرف أن الفيديوهات تملأ العالم عما حدث في غزة، وأنها كانت وراء استيقاظ الأحرار مناصرة لغزة، مما غير في موقف بعض الحكومات الموالية لإسرائيل، لكن مع الزمن يمكن للعدو أن يجد طريقة لإزالة الفيديوهات من المواقع العالمية، بينما سيعجز عن إزالة اللوحات التي يمكن أن تملأ معارض العالم، ولا مذكرات السجون ولا الأشعار التي ستقال في ذلك والروايات، ناهيك عن الأفلام التي يمكن أن تأتي وتفوق عشرات المرات عدد الأفلام التي جاءت عن هتلر واليهود، وهكذا ستظل فلسطين تملأ فضاء العالم.

مساحة إعلانية