رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"ليلة الكرامة" التركية أبهرت العالم
الحشود المليونية نزلت للميادين تلبية لنداء الرئيس وحفاظاً على مسيرة الديمقراطية
لم نعرف أردوغان إلا مدافعاً عن قضايا العرب والمسلمين ومحتضناً للاجئين وملاذاً للمضطهدين
بشار واجه الشعب بالدبابات.. فيما أردوغان واجه الدبابات بالشعب
لم تكن تركيا أو حزب العدالة والتنمية أو أردوغان وحده في ميدان معركة الديمقراطية مساء أمس ، بل إن شرفاء كثر من العالم كانوا في الميدان حاضرين وإن كانوا عن بعد.
لماذا كل هذا التعاطف، بل التأييد المطلق مع الرئيس رجب طيب أردوغان في " ليلة الكرامة " التركية، ليس من شعبه الذي زحف بالملايين إلى الميادين، بل من الشعوب العربية والإسلامية؟.
لم نعرف عن تركيا و"أردوغانها " منذ تولي حزبه حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002، إلا انحيازه إلى القضايا العربية والإسلامية بصور شتى، وما لحظة " ون منت " في منتدى دافوس 2009، حيث انتفض أردوغان مزمجراً في وجه رئيس الكيان الإسرائيلي بيريز مدافعا عن غزة، ومعريا زيف وكذب الصهاينة، وكاشفا جرائمهم في عدوانهم على غزة، إلا واحدا من مواقف رجولية عديدة.
لم نعرف عن أردوغان إلا احتضانه لملايين اللاجئين من أشقائنا السوريين وغيرهم من العرب الذين اتخذوا من تركيا ملاذا آمنا لهم، بعد أن طاردتهم أنظمة بلدانهم.
لم نعرف عن أردوغان إلا أنه أعاد للمساجد دورها، وللمآذن تكبيراتها، وللحجاب قدسيته، وللإنسان التركي كرامته، وللدولة هويتها...
لم نعرف عن أردوغان إلا أنه نقل تركيا من دولة " هامشية "، تلهث خلف الدول، وتقف عاجزة تتسول الاتحاد الأوروبي، ومدينة لصندوق النقد الدولي بـ 26 مليار دولار، إلى دولة تحتل المرتبة 16 في الاقتصاد العالمي بعد أن كانت تحتل المرتبة 111، ولم يعد عليها دولار لصندوق النقد الدولي، بل أقدمت على تقديم قرض لصندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار، وباتت تعتمد على نفسها في كل صناعاتها، بما فيها العسكرية، وأصبح دخل الفرد فيها نحو 13 ألف دولار بعد أن كان لا يتجاوز 2700 دولار خلال 10 سنوات فقط.
لم نعرف عن أردوغان إلا محتضنا أبناء الثورات العربية، الذين طاردتهم أنظمتهم القمعية، بعد نجاح الثورات المضادة، فكانت تركيا هي الملاذ الآمن لهم من المطاردات...
في سنوات عشر استطاع حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس أردوغان أن يحدث نقلة نوعية قل نظيرها على مستوى العالم.. في التعليم.. الصحة.. الاقتصاد.. البنية التحتية.. القوة العسكرية.. يكفي أن نعلم أنه خلال هذه السنوات حدث الآتي:
الناتج القومي لتركيا عام 2013 حوالي تريليون ومائة مليار دولار.
أردوغان قفز ببلاده قفزة مذهلة من المركز الاقتصادي 111 إلى 16 بمعدل عشر درجات سنوياً، مما يعني دخوله إلى نادي مجموعة العشرين الأقوياء الكبار في العالم.
تركيا صنعت وللمرة الأولى في عهد حكومة مدنية أول دبابة مصفحة، وأول ناقلة جوية، وأول طائرة بدون طيار، وأول غواصة، وأول قمر صناعي عسكري حديث متعدد المهام، وتتطلع في العام المقبل لصناعة أول حاملة طائرات.
أردوغان في عشر سنوات بنى 125 جامعة جديدة، و189 مدرسة و510 مستشفيات و169 ألف فصل دراسي حديث ليكون عدد الطلاب بالفصل لا يتجاوز 21 طالبا، وأصبح التأمين الصحي متوافرا لكل فرد من أفراد الشعب التركي.
في تركيا تعمل الدولة جاهدة لتفريغ 300 ألف عالم — للبحث العلمي للوصول إلى عام 2023..!؟
في تركيا ارتفعت الرواتب والأجور بنسبة 300%، وأصبحت ميزانية التعليم والصحة أكبر من ميزانية الدفاع، وأعطي المعلم راتبا يوازي راتب الطبيب.
تركيا كانت صادراتها قبل مجيء حزب العدالة 23 مليارا، أصبحت 153 مليارا لتصل إلى 190 دولة في العالم.. وتحتل السيارات المركز الأول، تليها الإلكترونيات، حيث إن كل ثلاثة أجهزة إلكترونية تباع في أوروبا هناك جهاز صناعة تركية.
هذا هو الرئيس أردوغان الذي انتفض الشعب التركي عن بكرة أبيه عندما سمع خطابه الـ "12" ثانية، والذي دعا من خلاله الشعب للنزول إلى الميادين والمطارات، ليس لحماية أردوغان، إنما لحماية مسيرة الديمقراطية، وعدم عودة العسكر للهيمنة على الحياة السياسية، وهي التجربة المريرة التي عاشها الشعب التركي خلال 4 مرات سابقة.
لم تمض لحظات حتى كانت الميادين قد امتلأت بالحشود الهادرة تلبية لنداء الرئيس، فوقفت الجماهير أمام دبابات الانقلابيين، حاملين علم تركيا، لم نشاهد صورة أردوغان يحملها ولو شخص واحد، فالوطن هو الذي يعيش الخطر.
كلمات محدودة قالها أردوغان بكل ثقة دون حراسة: أنا سأكون معكم بعد قليل في الميادين، وسنحاكم الانقلابيين.
الشعب التركي لمس حجم التقدم والتطور الذي شهده في عهد حزب العدالة، وبالتالي عرف قيمة نعيم الحرية والديمقراطية والكرامة التي عاشها في ظل هذا الحزب بقيادة أردوغان، الذي سعى إلى بناء المواطن التركي، وإعلاء قيمته، واحترام إرادته، وتوظيف قدراته من أجل خدمة الوطن، وتسخير إمكانات الوطن من أجل المواطن.
واقعة كنت طرفا فيها. في عام 2013 وتحديدا في شهر مايو، كنت في زيارة إلى تركيا ضمن وفد إعلامي محدود بمناسبة مرور 10 سنوات على تولي حزب العدالة الحكم في تركيا، فكان ضمن الجدول زيارة تلفزيون خبر، وفي قاعة صغيرة جلست مع فتاة تركية معدة ومنتجة برامج، لا ترتدي الحجاب، ولباسها قصير، وتدخن، وكانت الانتخابات البلدية آنذاك قريبة، فسألتها عن خيارها القادم في الانتخابات، وكل الذي في ذهني مسبقا أنها ستصوت لأحد الأحزاب العلمانية، لكنها ودون تردد أجابت: سوف أصوت لحزب العدالة، توقفت قليلا مبتسما، وقلت لها: عذرا على السؤال، لكن هيئتك من خلال لباسك وتحررك تقول إنك بعيدة عن حزب ذي توجه إسلامي، ولديه أيديولوجية معينة، قاطعتني قائلة: أنا لا علاقة لي بفكر الحزب أو انتماءاته، أنا أنظر إلى ما قدم لي هذا الحزب، وبدأت بالحديث عن إنجازات حزب العدالة، فكان مما قالت وأتذكره: لم تكن الأسرة التركية تستطيع أن تملك سيارة مستعملة، بينما اليوم كل بيت في تركيا لديه أكثر من سيارة ومن الوكالة. دخلنا لم يكن يتجاوز 2700 دولار في 2002، اليوم 2013 دخلنا يصل إلى 13 ألف دولار. التعليم مجاني، الجامعات في كل مدينة وقرية، التأمين الصحي لجميع أفراد الشعب.
حقيقة أذهلتني هذه الفتاة غير المحجبة، بتفكيرها المنطقي والواعي والمتقدم، استرجعت هذا الموقف وأنا أشاهد مساء أمس الأول غالبية من في الشارع من غير المحجبات، ولفت نظري كيف أقدمت فتاة غير محجبة على مساعدة أخرى محجبة عندما سقطت على الأرض.
هذا الحشود المليونية التي وضعت أرواحها على أكفها في كل مدن تركيا، وهي خارجة للميادين تلبية لنداء من رئيس يحاول أفراد من العسكر الانقلاب عليه، لم تخرج إلا لأنها عايشت الحياة الكريمة التي وفرها هذا الرئيس، وكيف كان أمينا على هذا الوطن، فانتشله من مراتب متأخرة إلى مقدمة الأمم، وأصبح لتركيا اليوم حضور عالمي، يحسب له ألف حساب.
وكذلك المختلفون مع الرئيس أردوغان، أو الأحزاب المعارضة، كان الجميع على قلب رجل واحد، لم تفرقهم السياسية، بل إن حماس ودفاع من هم مختلفون مع أردوغان، كان أكثر منه حدة، كما ظهر ذلك في تصريحات الرئيس السابق عبدالله غل، الذي عرف عنه في السابق هدوؤه، إلا إنه في "ليلة الكرامة" انتفض، وقال هذه تركيا، ليست دولة في أفريقيا، والأمر نفسه مع رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، هؤلاء لم يختلفوا على الوطن في ساعة الشدة، ووقت المحنة، وضعوا اختلافاتهم جانبا، ونزلوا للميدان صفا واحدا، وكانوا كالجسد الواحد، إنهم كبار في المواقف، فرسان في الخصومة، شرفاء في العمل، ألا يا ليت قومنا العرب يتعلمون من ذلك.
كان الإجماع الوطني هو العلم التركي، الذي التف حوله كل الأتراك، مؤيديهم ومعارضيهم، لم يحملوا صورا لأردوغان، إنما حملوا العلم التركي، ولم يرقص الشعب بعد فشل الانقلاب، إنما اتخذوا الساحات والميادين مصلى في صلاة الفجر جماعة، بعكس ما حدث في دول عربية عندما تحولت الميادين وقاعات الانتخابات إلى رقص وغناء مبتذل.
في خطابه بمطار أتاتورك باسطنبول وجه رسائل غاية في الأهمية بعد أن حط بطائرته، من بين ما قال: إن السلاح الذي نشتريه، والطائرات التي نمتلك هي لحماية الوطن، وليس لقتل المواطنين، ووجه خطابه للجيش قائلا: أنتم جيش محمد لا ينبغي لكم رفع السلاح في وجه المواطنين.
"جيش محمد" تحمل رسائل عدة، أقربها محمد الفاتح، الذي فتح القسطنطينية "اسطنبول حاليا"، وفيها الاعتزاز بميراث الشعب التركي وأجداده، وأنهم أحفاد أولئك القوم الفاتحين، ليعطيهم العزة والفخر.
السلاح الذي تشتريه الدول بعرق الشعب، واقتطاع رزقه، لا ينبغي أن يوجه في نهاية الأمر إلى صدور الشعب، فمن يعي هذا الأمر، فها هو بشار يبيد الشعب بسلاح اشتراه من مال الشعب.
فرق بين أردوغان تركيا وبشار سوريا
بشار واجه الشعب بالدبابات..
فيما أردوغان واجه الدبابات بالشعب..
انتصر الشعب التركي الطامح للحرية والديمقراطية، والرافض لعودة العسكر إلى الحياة السياسية، بعد تجارب مريرة، حتى وإن تطلب الأمر بذل الدماء، فللحرية الحمراء باب، بكل يد مضرجة يدق، كما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي.
لم يذهب الأتراك بعد فشل الانقلاب في نهاية "ليلة الكرامة" إلى بيوتهم، بل ظلوا في الميادين العامة حتى هذه اللحظة للحفاظ على مكتسبات مسيرتهم، وللتأكيد على دعم شرعية حكومتهم، وليؤكدوا للعالم أنهم ملتفون حول رئيسهم، فلا مجال للمساومة على الوطن.
الشعب التركي ضرب أروع الأمثلة خلال المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة، وتركيا ما بعد 15 يوليو 2016 لن تكون كما كانت قبله، وأردوغان الذي حصل حزبه في آخر انتخابات على نحو 52% هو اليوم تجاوز ذلك بكثير، ولن يجرؤ أي طرف على الدخول في مغامرة مجنونة كما حدث مساء 15 يوليو، فالشعب التركي اليوم وصل إلى مرحلة النضج الديمقراطي، ولن يقبل بالعودة من جديد إلى "عسكرة" مؤسساته المدنية.
شكرا شعب تركيا قدمت للعرب درسا جديدا!.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8715
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6912
| 06 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها الوطنية، يقف الأرشيف القطري أمام تحدٍّ كبيرٍ بين نار الإهمال الورقي وجدار الحوسبة المغلقة. فبين رفوف مملوءة بالوثائق القديمة، وخوادم رقمية لا يعرف طريقها الباحثون، تضيع أحيانًا ملامح تاريخنا الذي يستحق أن يُروى كما يجب وتتعثر محاولات الذكاء الاصطناعي في استيعاب هويتنا وتاريخنا بالشكل الصحيح. فلا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها دون أن تحفظ ماضيها. لكن جزءًا كبيراً من الأرشيف القطري ما زال يعيش في الظل، متناثرًا بين المؤسسات، بلا تصنيف موحّد أو نظام حديث للبحث والاسترجاع. الكثير من الوثائق التاريخية المهمة محفوظة في أدراج المؤسسات، أو ضمن أنظمة إلكترونية لا يستطيع الباحث الوصول إليها بسهولة. هذا الواقع يجعل من الصعب تحويل الأرشيف إلى مصدر مفتوح للمعرفة الوطنية، ويهدد باندثار تفاصيل دقيقة من تاريخ قطر الحديث. في المقابل، تمتلك الدولة الإمكانيات والكوادر التي تؤهلها لإطلاق مشروع وطني شامل للأرشفة الذكية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في فهرسة الوثائق، وتحليل الصور القديمة، وربط الأحداث بالأزمنة والأماكن. فبهذه الخطوة يمكن تحويل الأرشيف إلى ذاكرة رقمية حيّة، متاحة للباحثين والجمهور والطلبة بسهولة وموثوقية. فبعض الوثائق تُحفظ بلا فهرسة دقيقة، وأخرى تُخزَّن في أنظمة مغلقة تمنع الوصول إليها إلا بإجراءاتٍ معقدة. والنتيجة: ذاكرة وطنية غنية، لكنها مقيّدة. الذكاء الاصطناعي... فرصة الإنقاذ، فالذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإحياء الأرشيف الوطني. فالتقنيات الحديثة اليوم قادرة على قراءة الوثائق القديمة، وتحليل النصوص، والتعرّف على الصور والمخطوطات، وربط الأحداث ببعضها زمنياً وجغرافياً. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل ملايين الصفحات التاريخية إلى ذاكرة رقمية ذكية، متاحة للباحثين والطلاب والإعلاميين بضغطة زر. غير أن المشكلة لا تتوقف عند الأرشيف، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية التقنية، إلا أن الإنترنت لا يزال يفتقر إلى محتوى قطري كافٍ ومنظم في مجالات التاريخ والثقافة والمجتمع. وحين يحاول الذكاء الاصطناعي تحليل الواقع القطري، يجد أمامه فراغًا معرفيًا كبيرًا، لأن المعلومة ببساطة غير متاحة أو غير قابلة للقراءة الآلية. الذكاء الاصطناعي لا يخلق المعرفة من العدم، بل يتعلم منها. وعندما تكون المعلومات المحلية غائبة، تكون الصورة التي يقدمها عن قطر مشوشة وغير مكتملة، ما يقلل من فرص إبراز الهوية القطرية رقمياً أمام العالم. فراغ رقمي في عالم متخم بالمعلومات.....حين يكتب الباحث أو الصحفي أو حتى الذكاء الاصطناعي عن موضوع يتعلق بتاريخ قطر، أو بأحد رموزها الثقافية أو أحداثها القديمة، يجد أمامه فراغًا معلوماتيًا واسعًا. مثالنا الواقعي كان عند سؤالنا لإحدى منصات الذكاء الاصطناعي عن رأيه بكأس العالم قطر2022 كان رأيه سلبياً نظراً لاعتماده بشكل كبير على المعلومات والحملات الغربية المحرضة وذلك لافتقار المنصات الوطنية والعربية للمعلومات الدقيقة والصحيحة فكثير من الأرشيفات محفوظة داخل المؤسسات ولا تُتاح للعامة، والمواقع الحكومية تفتقر أحيانًا إلى أرشفة رقمية مفتوحة أو واجهات بحث متطورة، فيما تبقى المواد المحلية مشتتة بين ملفات PDF مغلقة أو صور لا يمكن تحليلها والنتيجة: كمٌّ هائل من المعرفة غير قابل للقراءة الآلية، وبالتالي خارج نطاق استفادة الذكاء الاصطناعي منها. المسؤولية الوطنية والمجتمعية تتطلب اليوم ليس فقط مشروعاً تقنياً، بل مشروعاً وطنياً شاملًا للأرشفة الذكية، تشارك فيه الوزارات والجامعات والمراكز البحثية والإعلامية. كما يجب إطلاق حملات توعوية ومجتمعية تزرع في الأجيال الجديدة فكرة أن الأرشيف ليس مجرد أوراق قديمة، بل هو هوية وطنية وسرد إنساني لا يُقدّر بثمن. فالحفاظ على الأرشيف هو حفاظ على الذاكرة، والذاكرة هي التي تصنع الوعي بالماضي والرؤية للمستقبل، يجب أن تتعاون الوزارات، والجامعات، والمراكز الثقافية والإعلامية والصحف الرسمية والمكتبات الوطنية في نشر محتواها وأرشيفها رقمياً، بلغتين على الأقل، مع الالتزام بمعايير التوثيق والشفافية. كما يمكن إطلاق حملات مجتمعية لتشجيع المواطنين على المساهمة في حفظ التاريخ المحلي، من صور ومذكرات ووثائق، ضمن منصات رقمية وطنية. قد يكون الطريق طويلاً، لكن البداية تبدأ بقرار: أن نفتح الأبواب أمام المعرفة، وأن نثق بأن التاريخ حين يُفتح للعقول، يزدهر أكثر. الأرشيف القطري لا يستحق أن يُدفن في الأنظمة المغلقة، بل أن يُعاد تقديمه للعالم كصفحات مضيئة من قصة قطر... فحين نفتح الأرشيف ونغذي الإنترنت بالمحتوى المحلي الموثق، نصنع جسرًا بين الماضي والمستقبل، ونمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على رواية قصة قطر كما يجب أن تُروى. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد وثائق، بل هويةٌ حيّة تُكتب كل يوم... وتُروى للأجيال القادمة.
2322
| 07 أكتوبر 2025