رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مصطفى الغزاوي

مصطفى الغزاوي

مساحة إعلانية

مقالات

1011

مصطفى الغزاوي

غيوم سوداء وأمطار حمضية

14 ديسمبر 2010 , 12:00ص

تتجمع في سماء الأرض العربية غيوم يزداد لونها سوادا، تنذر بسيول حمضية ستحرق الحرث والزرع، بعض الغيم أنزل زخات حمضية، ومازالت الغيوم حبلى، ولم تصحو السماء، بينما لونها يشتد سوادا.

احتلت وقائع سوداء مشهد الانتخابات المصرية، لا يُنقِص من سوئها تصريحات هنا أو هناك، ولكن ذلك ما عشناه، ورأيناه، وأدركناه من دون نقل أو روايات منقحة أو مزودة بإضافات التشويق، الوقائع جميعها تؤكد أن جيل أكتوبر قد اندثر، وأهال عليه التراب جيل الوارثون من دون حق ولا شرعية، وأن المسألة ليست اصطياد سمكة "القرش الإخوانية" كما يدعون، فهي لا تعدو سمكة أنتجها المزارعون في أحواض خاصة، لم تتغذ غذاء طبيعيا، وصار لحمها مترهلا، لسكونها وخلودها إلى الهدوء فليس هناك ما يدفعها إلى الحركة من سعي إلى الرزق أو تعامل مع الخطر، ولم يضعوا في أحواضها كما يقول المثل الألماني "سمكة قرموط" كثيرة الحركة والصدام، مما يدفع سمك الأحواض للحركة فيتكون جسمه وينمو وتزداد حيويته، سمكة وديعة جرى اصطيادها بالمتفجرات بدلا من شباك الصيد، وأطاحت أصداء الانفجار، بمكونات الحياة الحزبية، وتداعت التوابع بانقلابات داخل الأحزاب تستهدف أشخاص قياداتها، حيث يسكن الفساد في الرأس كما هي الأسماك، ولا تعرض دون النزع من الكراسي والإحلال شيئا آخر.

مصر لا تنقسم إلى عرقيات وقبائل، وحدها النيل، وأضفى النشاط الزراعي على أهلها نوعا من الصبر والهدوء، يخاله الغريب عنهم أنه الغفلة وقد نالت منهم، أو أنه الموت، ولكنها سمة أهل الري الدائم، والزراعة الناعمة، ومصر عبر التاريخ نسيج واحد، لا يداهمها الاقتتال والفتنة إلا مصنوعاً، ومستهدفا، وحتى القتل والثأر في مجتمع الصعيد له أصوله وقوانينه، وكان أيضا مجتمع الجريمة والمطاريد في الجبال مجتمعا له قوانين تحكمه ويخيل إليك أنه مجتمع له حكماؤه.

كشفت الانتخابات الأخيرة أن الإرهاب صار منهج الدولة، وانتقلت البلطجة من الحراسات الشخصية في إطار الوجاهة، إلى تكوين الميليشيات من أدنى الأشخاص سلوكا داخل المجتمع، وانتقل الأداء الأمني للدولة من حماية المجتمع والأمن العام للمواطنين، إلى استخدام البلطجة لتنفيذ أهداف التحالف الحاكم، وباستدعاء المجرمين المحكومين من سجنهم لأداء مهام بين الناخبين والعودة بعدها مع بعض المقابل.

والتباين الحاد بين الوقائع والتفسيرات الرسمية، ينذر بأن القادم من أحداث سيشهد تجاوزات أكثر حدة، خاصة عندما يلجأ الكل إلى الميليشيات كوسيلة أكثر نجاحا من الاتصال السياسي، وليتطور الفكر البلطجي بتغيير السلاح من سلاح بدائي إلى آخر متطور، والموردون على الحدود جاهزون، فكل سلاح في غير موضعه في مصر هو سلاح لصالح إسرائيل.

أسقطت البلطجة المرشحين الذين لا يريدهم التحالف الحاكم، أسقطت المعارضة، ولكنها في الوقت ذاته أسقطت الجمهورية الثانية والتي امتدت من 1971 إلى يومنا هذا، وصارت مصر في حاجة إلى شرعية جديدة يكون الشعب قادرا على دفع ثمنها.

تتابعت الوقائع في الأحزاب الثلاثة التجمع والناصري والوفد وجماعة الإخوان، وكلها تنبئ بأن القادم تنفيس عن غضب ولا يتجاوز هذا، وخرجت دعوة لتشكيل مجلس نيابي موازٍ، بلا شرح لكيف ولا ممن ولا لماذا؟، "وعادت ريمة إلى عادتها القديمة" وخرج الخاسرون في الانتخابات بنداء لوقفه ضد التزوير، الكل فاقد لخطة أو رؤية، الكل يلهث وراء كاميرات الإعلام، دون الوعي بأنها لا تغير من الواقع شيئا، وأنه لا تغيير من دون رؤية إستراتيجية.

الحقيقة أن تحالف السلطة والثروة لم يكشف عن وجهه وبفجور فحسب بل في الوقت ذاته عرى الأحزاب والإخوان، وكشف أنهم ظواهر صوتية، لا جذور لها، ولم يدع التحالف الحاكم وسيلة قبل الانتخابات أو أثناءها أو بعدها إلا واستخدمها لتحقيق أهدافه، لأنه ليس هناك من يملك قوة يمكنها أن تردعه، فيخشاه.

الخطر يتصاعد ويقترب من مصر، ومصر مشغولة في غيوم الردة السوداء، سرقوا نتائج أكتوبر 73، وسرقوا ناتج عرق الشعب على مدى عشرات السنين، ويسعون إلى وأد الإرادة، ولم يعد أمام الشعب إلا أن يشق لنفسه طريقا واضعا في اعتباره أن الدولة تملك سلاح البلطجة وفقدت واجب الالتزام الدستوري تجاه الشعب وأمنه ومستقبله، وغير هذا هو خداع للنفس.

الأحزاب الثلاثة والجماعة شاركوا في مسرحية الانتخابات الأخيرة، شاركوا عن طبيعة تجمعهم مع التحالف الحاكم، فالجماعة لم تعرض مشروعا وطنيا، ولكنها تحمل مشروعها الخاص الذي لا يعدو مجرد التواجد، وكذلك هي الأحزاب التي تصورت أنها بعد أن يؤكل الثور الأبيض سترث عرش الطاووس الذي عاش عليه الثور الأبيض ثمانين عاما، نصفها في أحضان الجمهورية الثانية.

في الحزب الناصري تكرس الانقسام الحادث بين جبهتين، الأولى أطلقت على نفسها "جبهة الإصلاح والتغيير" والأخرى جبهة الأمين العام الحالي، وصار لما يسمى جبهة الإصلاح والتغيير متحدثا رسميا، وأعلنت أنها تملك تفويضا من رئيس الحزب لنائبه، وأنها تملك توقيعات 224 عضوا من المؤتمر العام وهي نسبه 45% من أعضائه، وأطلقت على الطرف الآخر لقب "عميد الفاشلين"، الذي اتهمهم بدوره أنهم مزورون.

كلاهما إذا شاء صدق من صديق لهما، لا يصلح أن يبقى، كلاهما وبمكوناته السياسية والجماهيرية، خارج أي وجود شعبي أو قيمة سياسية، ووجب أن يخلي مكانه، فالفشل ليس في انتخابات مجلس الشعب، ولكن الفشل في ثمانية عشر عاما مضت من عمر الحزب، تآكل خلالها دور ورثة من حركة التأسيس التي قادها المرحوم فريد عبد الكريم، كانت تتجاوز بحيويتها الأحزاب القائمة، ليصبح على أيديهم شريكا في جريمة الحكم في مصر، وتآكلت رؤية إستراتيجية وتصور سياسي كان يمثل ركيزة لحركة المقاومة في مواجهة حركة الانقلاب والردة في مصر، وكما ورث الصامتون حركة التأسيس ووأدوها، يسعى 224 عضوا لوراثة الحزب الناصري في مشهد لا يقل عبثية عن مشاهد البلطجة في الانتخابات.

تكاد الصورة في حزب التجمع تتكرر، صراع بين رئيس الحزب، وممثلي 20 محافظة، وأيضا الصراع يشتد أواره بعد أن تآكل الوجود الجماهيري للحزب، واستمرأت قياداته، الشكوى من حصار السلطة للأحزاب، ولم يتبق لها من الفكر اليساري إلا العداء لجماعة الإخوان.

وتبقى الخديعتان القادمتان من مجتمع ما قبل الثورة، حزب الوفد وجماعة الإخوان، لا يحمل أي منهما مشروعا وطنيا، وإن كانت الرطانة بما يسمى الليبرالية والديمقراطية، أو الالتحاف بالدين، هي حيثيات الوجود، وكلاهما شريكان مع التحالف الحاكم في جريمة البلطجة الانتخابية بعد أن استدرج كل منهما الآخر إلى المشاركة في الانتخابات، ونجح التحالف الحاكم في الإيقاع بهما.

شارك الوفد التحالف الحاكم في معركة وأد الإعلام المعارض، وصارت تجربة الدستور هي رأس الذئب الطائر التي أودت بالإعلام إلى غياهب "الكلام الأخرس" من باب التنفيس لأي احتقان يمكن أن يتولد.

وتكاد الجماعة تؤدي دور الترابي وجماعته في السودان، وكأنها ستؤدي بنا إلى التقسيم، وضياع الجنوب، وهي بذاتها لا تحمل مشروعا اجتماعيا وسياسيا واضح المعالم. ويخطئ البرادعي وهو يتوجه بحركته إلى الجماعة كي يمنحها قبلة الحياة، فهي في حاجة إلى تقييم للذات ومراجعة واجبه، وإلا فهو يهدر دروس الأيام الماضية، ويجمع المتناقضات، ولن يجني إلا محصلة العجز.

نجحت جماهير الشعب المصري في ثورة 1919، لأنها كانت حركة للأمة، وهي خاصية جرى ضربها بالتكتلات التالية تحت مسميات حزبية، ولم يبق الوفد مجرد حزب، ولكنه بقي شاهدا على خاصية الأمة التي يتسم بها الشعب، حتى بعد أن أصبح حزبا لكبار الملاك، وليس حزب الجلاليب الزرقاء، وهكذا صار الاحتياج إلى قيادة تستطيع استدعاء الأمة، وسط طبول وصخب "معارضة السلالم الرخامية". طرحنا من قبل بديل التنادي بين قامات قادرة على الحوار وجمع الأمة، وكل الرجاء إلى أصحاب دعوات ما بعد الانتخابات أن يلتقطوا أنفاسهم، ويصمتوا لبعض الوقت، ولعل الشعب يبدأ العصيان، بالخروج من الأحزاب والجماعات، فهي أضغاث أحلام ليس لها وجود حي.

في حوار مع صديق بالسودان حول أزمة الجنوب والدور المصري قال لي: "الإشكالية أن مصر في صراع على مدار الساعة، والكيد الإسرائيلي من الداخل والخارج، والكانتونات اللاوطنية في داخل مصر تصعب المسألة، والرأسماليون الجشعون في مصر يكادون هم والحكومة المختلة أن يطيحوا بالنظام"، ولم يكد ينتهي الحوار بيننا إلا ونقلت وكالات الأنباء تصريحات لمسعود البرزاني عن حق تقرير المصير للأكراد في العراق، إسرائيل تجد لنفسها وجوداً في جنوب السودان، وفي شمال العراق، بينما مصر تحاول درء الحرب الأهلية عن نفسها، وتجاهد أن تسترد الإرادة الوطنية.

اقرأ المزيد

alsharq قرار يستحق الدراسة مسبقاً

حينما صدر القرار الوزاري في عام 2023 بإعفاء أبناء الأئمة والمؤذنين من رسوم الكتب والمواصلات في المدارس الحكومية... اقرأ المزيد

189

| 30 ديسمبر 2025

alsharq أصالة الجمال الحق !

ما أثمن أن يصل الإنسان إلى لحظة صفاء، تلك اللحظة النادرة التي تهدأ فيها ضوضاء الداخل، ويخفّ فيها... اقرأ المزيد

144

| 30 ديسمبر 2025

alsharq الدوحة.. هوية تُبنى بهدوء وتُخاطب العالم بثقة

في زمنٍ تتسابق فيه المدن على ناطحات السحاب، وتتنافس الدول على مظاهر القوة الخشنة، اختارت الدوحة طريقًا مختلفًا:... اقرأ المزيد

69

| 30 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية