رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

399

د. أحمد المحمدي

الجمعة بين سورتي السجدة والإنسان

13 أبريل 2025 , 02:00ص

سألني بعد صلاة فجر الجمعة، وفي عينيه بريقُ من أراد أن يعلم:(لماذا نصلي يوم الجمعة في المساجد، فنسمع الأئمة يقرؤون سورتي السجدة والإنسان).

فقلت له:

هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: ﴿الم تَنزِيلُ ﴾ السجدة و﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ﴾.

فسأل، ولماذا هاتين السورتين تحديدًا؟ ما السر فيهما؟

فقلت:

إن هاتين السورتين لا يقرؤهما الأئمة في هذا الموضع عبثًا، ولا جاءت قراءتهما في فجر الجمعة من قبيل التكرار؛ بل هما في موضعهما آيتان من هدي النبوة، وحكمة الرسالة، وقصةٌ جامعة لحياة الإنسان من مبدئها إلى منتهاها.

ذلك أن السورتين – السجدة والإنسان – تسيران مع الإنسان في رحلته الكبرى:

من بدء خلقه من طين مهين، إلى نفخ الروح فيه، إلى امتحانه في دار العمل والابتلاء، إلى مصيره في دار الجزاء والمآب.

أولًا: بداية خلق الإنسان

انظر كيف تُصوِّر سورة السجدة مبدأ الخلق تصويرًا بيانيًّا بديعًا، قال تعالى:

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}.

فهذه مراحل الخلق الثلاث: من الطين، ثم النطفة، ثم نفخة الروح، ثم يُتبعها بذكر ما ميّزه الله به من أدوات الإدراك، فقال سبحانه:

{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}.

وهي إشارة إلى أن الخلق لم يكن تامًّا إلا حين وُهبت له وسائل الهداية؛ ليُعرف بها خالقه، ويهتدي بها إلى سبيله.

وفي سورة الإنسان، جاء هذا المعنى في جملة جامعة مانعة، تُظهر أن الخلق إنما هو سبيل اختبار وامتحان، قال تعالى:

{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}

فالسمع والبصر ليسا للتنعم فحسب، بل ليميز الإنسان بين طريق الحق وطريق الغواية.

ثانيًا: حياته واختياراته

ثم تمضي السورتان إلى عرض حال الإنسان في دنياه، بين شاكرٍ وكافر، بين من خضع لله، وبين من أعرض واستكبر.

في سورة السجدة، قال تعالى في وصف المؤمنين:

{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}.

ثم يأتي في المقابل وصف الكافرين، قال تعالى:

{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}.

وفي سورة الإنسان، يُبرز الله صورة العبد الأبرّ:

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.

فهذا عبد لا يُنفق انتظارًا لثناء، ولا يطعم ليُشاد به، بل يبتغي وجه ربه الأعلى، لا يسأل الناس شيئًا.

ثم يصف الكافر المقابل، في قوله:

{إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا}.

فهُم أسرى الدنيا، غافلون عن ثقل الحساب، عميان عن عظمة المآل.

ثالثًا: مصيره

فإذا جاء ذكر المصير، رأيت كيف فاضت رحمة الله في التذكير: ففي سورة السجدة، جاء الجزاء للمؤمنين مُجملاً، يوحي بالعظمة والخفاء في آنٍ:

{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فما خفيَ عن العيون، أبهى وأسعد وأدوم.

ثم في سورة الإنسان، يُفصّل هذا النعيم تفصيلًا، كأن الله يكشف بعض الغطاء:

{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 5–6]

وتمضي الآيات في ذكر لباسهم، ومُتكئهم، وشرابهم، وخدمهم، وسلام الله عليهم، حتى تكاد ترى الجنة رأي العين.

وأما الكافر، فعذابه في السجدة مفصّل: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} إلى أن قال: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا}.

ثم جاء في الإنسان باختصار أشبه بالإعراض عنهم: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} كأنهم لا يستحقون تفصيلًا، ولا شرحًا، بعد أن علموا فأعرضوا!.

وكأن ذكر البشارات في الركعة الثانية جاءت طويلةً رحيمة، بعد إنذار الركعة الأولى؛ رحمةً بالساجد المُنيب الذي قام لربه في فجر الجمعة، ليُبشَّر من ربه وهو بين يديه، بأن له جنةً ونعيماً.

اقرأ المزيد

alsharq اليوم الوطني.. تجديد الولاء وتعزيز الهوية الوطنية

يحل اليوم الوطني لدولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بوصفه مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال... اقرأ المزيد

87

| 14 ديسمبر 2025

alsharq التوازن السكاني.. ودوره في ارتفاع نسبة المواطنة

لم نضع أقدامنا في أي موقع خدماتي أو في المجمعات التجارية أو الأماكن السياحية الا ونجد أفواجًا بشرية... اقرأ المزيد

171

| 14 ديسمبر 2025

alsharq جائزة سمو الشيخ تميم .. نحو عالم أكثر نزاهة وعدلاً

تمثل جائزة «سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد» نموذجاً رائداً على المستوى... اقرأ المزيد

108

| 14 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية