رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هو الشِّعرُ إذن الذي يُلاشي الجغرافيات، ويحطّ رحالَنا هنا وهناك بين أرجاء الأرض، لنشاهدَ المدنَ، ونأتنسَ بالبشر والأمكنة والعادات والتقاليد. الشعرُ جاء بي من القاهرة لأزور "الدوحة" لأول مرة، وأشاهد هذه المدينة الوادعة في حضن الخليج، وتلك التجربة الحضارية التي تقول: إذا الحواضرُ يومًا أرادت أن تكون، كانت، مادام وراءها شعبٌ يتوق للبناء ورفع اسم الأوطان عاليًا.
زيارةٌ خاطفة في معية الشعراء، وعلى شرف الشعر، في احتفالية وزارة الثقافة والفنون والثراث، والصالون الثقافي باليوم العالمي للشعر، وفي حضرة الربيع، بما أن الشعرَ ربيعُ الكلمة. ثلاثُ ليالٍ، زادت ليلةً، إذ فاتتني طائرةُ العودة إلى القاهرة. كانت الأبراج الشاهقة الأنيقة بمنطقة "الدفنة"، أول ما لفتني في طريقي من المطار إلى الفندق. ذكّرتني بأبراج منهاتن ونيويورك سيتي، فتوقفت أتأملها، وأسترجع ما درسته من قوانين البناء في قسم العمارة بكلية الهندسة، فاندهشتُ، إذ عرفتُ أنها مبنية على أرض كانت جزءًا من الخليج، تم ردمها، ومن هنا جاء اسمُ "الدفنة".
منحتني الأيام الثلاثة التجوالَ في سوق "واقف" ومعرفة الأطباق القطرية الشعبية مثل "المرقوقة"، "الهريس"، "العصيد"، "الثريد"، البرياني"، وتأمل الفنار الكلاسيكي الجميل، وكذلك رحلة بحرية بالخليج الهادئ نظّمتها لي مجموعة من قرائي المصريين بقطر. أما الطائرة التي تركتني، فوفّرت لي فرصة التجول في الحي الثقافي لمشاهدة مركز الفنون البصرية، والمتحف، والمسرح المكشوف على نهج الأجورا الإغريقية، والمكتبة، والمسجد الأنيق، وبرج الحمام الساحر الذي ذكّرني بأبراج الحمام التي تملأ أرجاء الريف المصري.
فاتني أن أزور أرض المعارض، كما فاتني التجوال داخل أروقة المتحف الإسلامي، وكذلك المدينة القديمة، أكثر ما يجتذبني في أي دولة أزورها.
لهذا رحبتُ بهذه الزاوية بجريدة "الشرق"، التي اخترتُ لها عنوان "ريشة مصرية"، لتكون مصافحتي الأسبوعية للمواطن القطري، والوافد المصري والعربي المقيمين بقطر، نتبادل خلالها فكرة وجودية ما، أطروحة ثقافية أو اجتماعية أو أدبية، بعيدًا عن الشأن السياسي الذي أرهقنا جميعًا، لتكون مثل واحة نستريح فيها من هموم أوطاننا.
"ريشةٌ مصرية"، العنوان الثابث الذي اخترته لزاويتي، لأي سبب اخترته؟ ربما هي "ريشةُ ماعت" ربّة العدل في الميثولوجيا الفرعونية. وربما هي "ريشة" يغمسها كاتبٌ في قارورة الحبر، فتخرجُ مُحمّلةً بالأفكار والروئ والحلم بإصلاح العالم. ربما هي "ريشة" طائر يجوب الأفقَ بحثًا عن الحقيقة البعيدة. وقد تكون "الريشةُ" فكرةً نائمةً في كتاب. تفتحه بنتٌ صغيرةٌ تحاول أن تعرف سرَّ الوجود؛ فتتلصص على أفكار الفلاسفة والمفكرين والعلماء الذين مرّوا فوق هذا الكوكب عبر ملايين السنين. تفتحُ أولَ كتاب وهي بعدُ صبيّةٌ نحيلة. وتمرُّ السنوات بها، لنطوي معها آلافَ الصفحات والكتب. وفي الأخير، تغلق آخرَ كتابٍ، وقد غدتِ الصَّبيةُ عجوزًا في الثمانين تعلن، مع طي الصفحة الأخيرة: "سرُّ الكون عَصِيٌّ، سِحرُه أنه لُغزٌ لا يُفضُّ أبدًا."
كلَّ أسبوع، سألتقي بكم هنا لأضعَ ريشتي فوق طاولاتكم. مرّةً، ستكون الريشةُ كتابًا جميلا قرأتُه وأودُّ أن أشارك قرائي متعتَه. ومرّةً ستكون الريشةُ قصيدةً من الأدب الغربي، أترجمُها للعربية. ومرّةً ستكون الريشةُ فكرةً احتلّت رأسي، لأشاغبَ بها رؤوسكم، كنوع من "العصف الذهنيّ". "ريشتي المصريةُ" وردةٌ أصافحُ بها وجوهَكم، ونصافحُ بها الحياةَ العذبةَ المُعذِّبة. تعذبنا وتتعذبُ بنا، لكنها لا تبخلُ علينا، بشيء من الفرح، بين الحين والآخر.
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على... اقرأ المزيد
1575
| 26 سبتمبر 2025
أن تقضي أكثر من سبعين عاماً في هذه الحياة ليس مجرد مرور للزمن، بل هي رحلة مليئة بالتجارب،... اقرأ المزيد
192
| 26 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة، تتراوح بين الصدمات النفسية، والانقسامات المجتمعية، وانهيار البنى الثقافية والاجتماعية.... اقرأ المزيد
474
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2175
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1569
| 26 سبتمبر 2025