رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة بنت يوسف الغزال

  [email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

927

فاطمة بنت يوسف الغزال

التربية بالمواقف

11 سبتمبر 2024 , 02:00ص

يقول شارلي شابلن، أشهر كوميدي في تاريخ السينما: عندما كنت صغيراً، ذهبت برفقة أبي لمشاهدة عرض في السّيرك، وقفنا في صف طويل لقطع التذاكر، وكان أمامنا عائلة مكوّنة من ستة أولاد والأم والأب، وكان الفقر بادياً عليهم، ملابسهم قديمة لكنها نظيفة، وكان الأولاد فرحين جداً وهم يتحدثون عن السيرك، وبعد أن جاء دورهم، تقدم الأب إلى شباك التذاكر، وسأل عن سعر البطاقة، فلما أخبره عامل شبّاك التذاكر عن سعرها تلعثم الأب، وأخذ يهمس لزوجته، وعلامات الإحراج بادية على وجهه.

فرأيت أبي قد أخرج من جيبه عشرين دولاراً، ورماها على الأرض، ثم انحنى والتقطها، ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطت نقودك، نظر الرجل إلى أبي، وقال له والدموع في عينيه: شكراً يا سيدي، وبعد أن دخلوا، سحبني أبي من يدي، وتراجعنا من الطابور، لأنه لم يكن يملك غير العشرين دولارا التي أعطاها للرجل، ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور بأبي، كان ذلك الموقف أجمل عرض شاهدته في حياتي، وكان أجمل بكثير حتى من عرض السيرك الذي لم أشاهده.

  - المواقف أقوى من النصح بالكلام

الحكمة من هذه القصة هي أن التربية بالمواقف أفضل بكثير من مجرد كلمات، فجميعنا ينصح ولكن كي تربي صغيرك يجب أن تعلمه بالفعل والمواقف الإيجابية، هذه المواقف هي التي ترسخ في أذهان أبنائنا ولكل واحد منا موقف أو عدة مواقف يتذكرها دوماً من أحد والديه ولا ينساها مهما طال به العمر خاصة بعد أن يفارقا الدنيا، وتظل ترويها لأبنائك، فلذلك نحرص جميعا أن تكون نصائحنا باختلاق المواقف وتوصيل الرسالة والنصيحة التي نريد توصيلها لأبنائنا، وهذا من أقوى طرق ومناهج التربية الصحيحة، لذلك نرى أن كثيرا من المحاضرين والمعلمين يبدأ محاضرته بتجربة عملية كإجراء بعض التجارب أمام طلابه كمدخل لمحاضرته، وهذا يساعد كثيرا في ترسيخ المفاهيم المراد تعليمها وعدم نسيانها.

  - ولنا في نبينا أسوة حسنة

وكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الأخلاق والأدب وتعاليم الدين عن طريق المواقف والأحداث التي تمرعليهم أمامه، وأحيانا يوجه إليهم أسئلة وعندما يصعب إجابتها يجاوب هو عليها، وكثير من الأحاديث النبوية عبارة عن مواقف تربوية مرت على الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، كما حدث في غزوة بدر المليئة بالمواقف التربوية ولعل من أبرزها تأكيده صلى الله عليه وسلم لمبدأ الشورى، حيث استشار أصحابه في تلك الغزوة أربع مرات، حين الخروج لملاحقة العير، وعندما علم بخروج قريش للدفاع عن أموالها، واستشارهم عن أفضل المنازل في بدر، وكذلك في موضوع الأسرى، وموقف آخر جسد معاني العفو عند المقدرة عندما تم فتح مكة وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في كفار قريش أمام الكعبة وقد امتلأت قلوبهم رعبا وهلعا وهم يفكرون ماذا سيفعل معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بعد أن أذوه في بداية الدعوة، وقال قولته الشهيرة: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وكانت ملحمة تربوية ورسالة نبوية للأمة رسخت معاني العفو والصفح عند المقدرة، وهكذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يربي أصحابه، ويصحح ما يظهر من انحراف في القول أو السلوك أو الاعتقاد، حتى في أشد الظروف والمواجهة مع الأعداء، فالمخطئ والجاهل له حق على مجتمعه، يتمثل في نصحه وتقويم اعوجاجه برفق، وبأفضل الطرق وأقومها، فلو أن المسلمين ـ وخاصة الدعاة والمربين ـ اقتدوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبمواقفه التربوية مع أصحابه، وما فيها من حلم ورفق، ونصح وحكمة، لأثروا فيمن يعلمونهم تأثيراً يجعلهم يستجيبون لتنفيذ أمر الله، ولنا في رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة في تربيتنا لأبنائنا وانتهاج نهجه.

  - كسرة أخيرة

ليس هناك شيء نهائي بالنسبة للطفل، الوسائل التربوية الناجحة اليوم قد لا تكون غدا، لذا نحرص أن نكون صبورين وواثقين من أنفسنا، ونكون لطيفين مع أبنائنا ونهنئهم على تصرفاتهم الحسنة بشكل واضح دقيق ولا نكتفي بقول (أنت لطيف) بل نقوله له (جميل تصرفك الفلاني ونشكره على ذلك)، ونحسن الاستماع إليهم في ما يقولونه، ونخاطبهم برفق ونتجنب الأصوات العالية وقد يكون الهمس في أذنه ملفتا للانتباه أكثر من مخاطبته بصوت عال.

 

مساحة إعلانية