رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

يوسف الشرشني

باحث قانوني

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

348

يوسف الشرشني

هل حان وقت تنظيم العملات الرقمية؟

06 أغسطس 2025 , 12:01ص

حين بدأت العملات الرقمية بالظهور قبل عقدين، اعتبرها البعض فقاعة مؤقتة، بينما رأى فيها آخرون نواة لتحول مالي عالمي. واليوم، تفرض هذه العملات حضورًا متزايدًا في المشهد الاقتصادي والتقني، وتستأثر بجزء كبير من النقاشات الجادة في الأوساط المالية والتشريعية حول العالم.

تعتمد العملات الرقمية على تقنية «البلوكتشين»، التي تتيح تسجيل المعاملات بطريقة لا مركزية، دون الحاجة إلى وساطة تقليدية، وهو ما يمنحها طابعًا مبتكرًا من حيث الكفاءة، مع ما يرافق ذلك من تحديات تقنية وقانونية تتفاوت من دولة إلى أخرى.

في دولة قطر، أولت الجهات المعنية هذا الموضوع اهتمامًا مبكرًا، حيث أصدر مصرف قطر المركزي في عام 2018 تعميمًا يمنع المؤسسات المالية من التعامل بالعملات الافتراضية، انطلاقًا من دوره في حماية الاستقرار المالي، والتصدي للمخاطر المحتملة المرتبطة بتقلب الأسعار وغسل الأموال. ويستند هذا التعميم إلى الصلاحيات المقررة للمصرف بموجب القانون رقم (13) لسنة 2012 بإصدار قانون مصرف قطر المركزي وتنظيم المؤسسات المالية.

وفي خطوة استراتيجية لرقمنة القطاع المالي، أعلن مصرف قطر المركزي في يونيو 2024 عن إطلاق مشروع «العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC)»، وذلك بعد الانتهاء من تطوير البنية التحتية التقنية اللازمة. وتهدف المرحلة التجريبية الأولى إلى تسوية المدفوعات ذات القيمة العالية بين البنوك باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والدفاتر الموزعة، على أن تمتد حتى أكتوبر 2024. وستكون العملة مقوّمة بالريال القطري بنسبة 1:1، وتخضع للرقابة الكاملة، مع إمكانية التوسع مستقبلاً لتشمل المعاملات الفردية. تعكس هذه الخطوة رغبة المصرف في مواكبة التحولات العالمية ضمن إطار منضبط ومحكوم.

وتُظهر تجارب دول أخرى اهتمامًا متزايدًا بتنظيم هذا القطاع، كما في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصدرت القانون رقم (4) لسنة 2022 بشأن تنظيم الأصول الافتراضية في إمارة دبي، وأنشأت بموجبه «هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA)» كجهة مستقلة تُعنى بترخيص ومراقبة مقدمي خدمات الأصول الرقمية، ووضع الأطر التنظيمية لحماية المستثمرين وضمان الامتثال. ويهدف هذا النموذج إلى خلق بيئة مالية رقمية متوازنة تجمع بين الانفتاح على الابتكار والالتزام بالمعايير الرقابية.

وفي ضوء هذا الحراك المتسارع، يبرز تساؤل مشروع حول مدى الحاجة إلى إطار تشريعي وتنظيمي وطني في قطر، يواكب هذا التحول العالمي، ويوازن بين متطلبات الرقابة والانفتاح المحسوب على الابتكار. فغياب تنظيم واضح قد يترك فراغًا قانونيًا يمكن أن يُستغل في ممارسات غير آمنة أو غير خاضعة للرقابة في المستقبل.

ومن هذا المنطلق، يمكن النظر في تبنّي نموذج قطري خاص، يتماشى مع الرؤية الوطنية للدولة، ويحقق التوازن بين حماية النظام المالي وتعزيز بيئة الابتكار واستقطاب الاستثمارات الرقمية. وقد يشمل ذلك إنشاء جهة مختصة تُعنى بمتابعة الأصول الرقمية، وتنسيق الجهود بين الجهات المعنية، وضمان الامتثال للمعايير الدولية، فضلًا عن تشريع قانون يُنظم الأصول الرقمية وآليات التداول بها، بما يضمن حماية الاقتصاد الوطني دون الإخلال بالأمن المالي للدولة.

 التحول الذي يشهده العالم الرقمي يستدعي مواكبة تشريعية مرنة، ومقاربة وطنية واقعية، تُدرك المخاطر دون أن تُغلق الباب أمام الفرص. إن إصدار قانون قطري حديث يُنظّم الأصول الرقمية سيكون خطوة استراتيجية، تضع قطر في موقع الريادة إقليميًا، وتحقق حماية للمستهلك، وتحفيزًا للابتكار، وسيادةً قانونية في فضاء رقمي يتوسع بلا حدود.

 

مساحة إعلانية