رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محسن الهاجري

محسن الهاجري

مساحة إعلانية

مقالات

2250

محسن الهاجري

دعاء الظالمين

05 أكتوبر 2012 , 12:00ص

قدّمت الثورات العربية المباركة دروساً مجانية كثيرة للشعوب وللحكاّم على حد سواء في البلاد العربية والإسلامية ممن كانوا يشاهدون ما يحدث على أرض الواقع في تونس ثم مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا، كان من بينها أن الشعوب العربية والإسلامية تعلّمت - من المفترض - إلى حدّ ما دروساً في أسباب النصر وكذلك الحكّام تعلموا - من المفترض كذلك - دروساً في أسباب الهزيمة وفقدان محبة الشعوب ومن ثمّ فقدان الحكم والكراسي التي يتشبثون بها جيداً من أول مرّة تذوّقوا فيها طعم السلطة.

وكثيراً ما نتساءل ونحن نرى تأخّر النصر من بلد إلى آخر أو بمعنى آخر.. تأخر سقوط الطغاة شيئاً فشيئاً كما حدث مع القذافي الذي دمّر البلاد وقتل الآلاف من شعبه حتى حان موعد نهايته المشؤومة، تلك التي لا يحسده حاكم عليها على الإطلاق، وكذلك الحال في تأخّر سقوط الطاغية الأكبر والمجرم القاتل بشار الأسد الذي مازال يقتل المزيد من أبناء شعبه بشكل يومي بالعشرات أحياناً وبالمئات أحياناً في مدة قاربت السنتين من السنين العجاف التي ذاقت فيها سوريا مرارة القتل والظلم والعدوان من هذا الطاغية الذي أذاقهم صنوف العذاب بمعاونة "حقيرة وحاقدة" من إيران وذيولها وأتباعها في العراق ولبنان ممن مدّوا يدهم الملطخة بدماء أهل السنة في إيران والعراق ولبنان ليمارسوا جريمة جماعية كبرى هذه المرّة على أرض الشام.

نعم لقد تأخّر النصر كثيراً كما تأخّر في سقوط القذافي بل وأكثر من ذلك كثيراً فهذا الطاغية يأبى السقوط لأن أطرافاً خبيثة حاقدة على الإسلام والمسلمين تريده أن يبقى أطول فترة ممكنة في الحكم لضمان أمن إسرائيل ولزيادة رقعة السرطان الخبيث الذي ينتشر في جسد الأمة الإسلامية انطلاقاً من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان، ونعلم تماماً أن لله حكمة بالغة لا نستوعبها بعقولنا الصغيرة القاصرة العاجزة عن فهم كل شيء إلا بأمر ربنا العليم الحكيم سبحانه، ونعلم أن في تأخر النصر اختبارا وتمحيصا للأمة ليميز الله الخبيث من الطيب، فلولا هذا التأخير لما اكتشفنا حقد إيران ولا انكشفت لنا حقيقتها بشكل جليّ وواضح بمشاركة جنودها في قتل شعب سوريا وهو الأمر الذي كان واضحاً لدى الكثيرين حتى من قبل أحداث سوريا فإيران كما يقولون " لا تهرول عبثاً " فمنذ سنوات وهي تسعى مع أعداء الأمة لتحقيق إمبراطوريتها "الفارسية" على أنقاض دولة الإسلام، تماماً كما يريد الصهاينة فعل الشيء نفسه بدءاً من هدم الأقصى ثم الانتشار والتغلغل في جسد الأمة الإسلامية في كل بقعة أرض منه.

كثيراً ما نتوقّع أن تأخير النصر يعود إلى أسباب خارجة عن إرادتنا وبعيدة عن أيدينا، فتلك الأسباب والتي نعزوها بفهمنا القاصر إلى التهرّب من المساءلة الشخصية والنقد الذاتي لأنفسنا، فمثلاً كثيراً ما نعزو تأخّر نصر الشعوب - رغم دُعائنا في صلواتنا وبذلنا أموالنا وجهدنا من أجل نصرة شعب سوريا - إلى أنه اختبار للأمة وأن الله يريد أن يرى نصرتنا لإخواننا على سبيل المثال، وقد يحدث أن نقوم بتلك النصرة وحثّ الناس على الجهاد بالمال والنفس ونحوه ولكن يتباطأ النصر أكثر فأكثر حتى يصل البعض إلى حالة من اليأس أو القنوط من رحمة الله تعالى والعياذ بالله، ولكننا لا نلتفت في الغالب إلى أنفسنا فنلومها بالتقصير المفرط في جنب الله تعالى بكثرة المعاصي والذنوب أو البعد عن الله في غالب أمور حياتنا.

فتجد أن البعض يظلم زوجته وأبناءه وموظفيه في العمل بكل قسوة قلب وفحش لسان وبطش يد وغلظة معاملة وجفاء مشاعر وفظاظة ألفاظ وسوء أدب وظلم كبير يرتكبه في حق من حوله ثم تجده في نهاية الأسبوع يتضرع إلى الله ويدعو رافعاً كفّيه بل ويقول بحرقة "آمين" وقت دعاء خطيب الجمعة وحين قوله "اللهم عليك بالظالمين" ولا يدري بأنه واحد منهم!!، بل وتجد البعض يظلم من حوله ويبطش بهم ويغتصب حقوقهم ويسرق أموالهم وينهب ممتلكاتهم ثم تجده يرفع كفّيه ويدعو "اللهم عليك بالطغاة المجرمين" ولا يدري بأنه عبارة عن "مشروع طاغية مبتدئ".

ومنّا من لا يزال يأكل الربا أضعافاً مضاعفة وهو يغفل عن تلك الكبيرة التي يرتكبها والمعصية التي يقترفها، ويتحجج البعض بأعذار واهية ضعيفة وهم يُسألون "لماذا لا تضع حسابك وراتبك في بنك إسلامي؟" فتجد المبررات الفارغة والأعذار الواهية، هؤلاء ماذا سيجيبون ربّهم عندما يسألهم عن أموالهم من أين اكتسبوها وفيم أنفقوها؟! بل إن البعض يزيد على هؤلاء الذين يضعون أموالهم في بنوك ربوية فيفوقهم في الإثم والمعاصي بقيامه بالمتاجرة في المحرّمات والمنكرات والشبهات، فيسعى لزيادة ثروته ومضاعفة أمواله بكل وسيلة وطريقة محرّمة كانت أم لا، حتى وإن كانت ستؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل عن طريق الغش أو التحايل والاحتيال عليهم، فهؤلاء يضاعفون من ثرواتهم في الدنيا مؤقتاً ولكنهم يضاعفون في الوقت نفسه حسابهم وعقابهم عند الله ويُعجّلون انتقام الله منهم في الدنيا قبل الآخرة.

فكل تلك المظالم التي نرتكبها بشكل جماعي أو فردي هنا وهناك قد تكون سبباً رئيسياً في تأخير النصر لهذا الأمة على أعدائها من الطغاة من حكّامها أو على أعدائها من خارجها، أحد الصحابة كان يلوم نفسه أولاً إذا ما عثرت دابته أو ساءت أخلاق زوجته أو تعثّرت تجارته أو أي أمر دنيوي آخر فإنه يجد نفسه هو المتسبب في كل ذلك لمعصية قد يكون ارتكبها، فذلك معيار جيّد نقيس به كل ما يقع علينا من محن وكوارث فإننا يجب أن نلتفت إلى أنفسنا بالنقد والتأنيب وأن نكتشف عيوبنا ومكامن الخلل فينا حتى نعرف كيف سنخطو الخطوة القادمة بعد ذلك.

لقد كانت فرصة فريدة عندما كشف لنا هذا التأخير في النصر أن أعداء الأمة الحقيقيين في الداخل "كإيران وأتباعها" أخطر من أعداء الخارج وقد كانت فرصة عظيمة كذلك عندما كشف لنا الكثير من علماء السلطة الذين اشتراهم الطغاة بثمن بخس وباعوا دينهم من أجل دنياهم، كل ذلك ما كان سيتحقق لولا تأخّر النصر وقت المحن والشدائد، فحرى بنا أن نلتفت إلى أنفسنا دوماً لنكتشف أن معاصينا وخطايانا مثلما قد تمنع المطر من السماء ومثلما قد تضيّق علينا في أرزاقنا فإنه بسببها قد لا يستجيب الله لدعواتنا حينما ندعو لإخواننا في سوريا وكل مكان بأن ينصرهم الله على عدوّهم.. لأننا لم ننتصر على شهوات أنفسنا وعلى شياطيننا، فالله لا يستجيب دعاء الظالمين وإنما يستجيب دعاء المظلومين والصالحين من عباده.. والله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.

مساحة إعلانية