رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يتساءل المواطن البسيط في الدول الخليجية خصوصاً أو العربية والإسلامية عموماً: هل يعقل أن يفهم الإنسان البسيط الذي لم يدرس السياسة ولم يشتغل بها ولم يعرف دهاليزها وأسرارها.. هل يعقل أن يفهم في الحكم والسياسة أكثر من الحكّام والحكومات التي تدير هذه الدول العربية والإسلامية؟! بل وتزداد الحيرة عندما يفهم ما يجري على أرض الواقع كل أمّي لم يتعلم القراءة والكتابة فيعي تماماً ما يجري من أحداث سياسية ودولية ويفهم ما المقصود من وراء تلك التحركات الدولية والمؤامرات الغربية والهجمات العالمية ضد الإسلام والمسلمين.. بينما يجهل أو يتجاهل ذلك كلّه.. الحكّام والحكومات في دول العالم الإسلامي!
إن العلم بالشيء يقودك إلى اتخاذ ردة فعل مناسبة مع ذلك العلم الذي وصلك بعد جهل وأرشدك بعد ضلال، فمن عَلِمَ أن عدوّه قد أعدّ العدة للغدر به ومهاجمته في عقر داره في أي لحظة حتماً سيقوم بتحصين بيته والدفاع عن نفسه – على أقل تقدير – من خلال اتخاذ كافة الوسائل التي تحول دون هجوم العدو وتمنعه من تنفيذ مخططاته! ولا نقول هنا المباغتة والهجوم – كأفضل وسيلة للدفاع – وإنما سنكتفي بالدفاع فقط! هذا ما يقوله العقل ويفهمه أبسط البسطاء من الفلّاحين والصيادين والباعة المتجولين بل وروّاد المقاهي من فئة المتقاعدين أو الذين لم يقرأوا ويتعلموا في المدارس – مع إجلالي وتقديري العظيم لهم إذ أن أكرم الناس عند الله أتقاهم لا أكثرهم علماً أو تعليماً – المهم أن أبسط الناس بل وعمومهم من الذين لا يفهمون ولا ينتمون إلى وزارات الخارجية والسفارات ولم يتعلّقوا بحبل السلك الدبلوماسي (الشائك) يفهمون أن من يفعل خلاف ذلك يكون إما غبياً أو مجنوناً لا ثالث لهما.
أصبح المواطن البسيط في عالمنا العربي والإسلامي يفكر بصوت عالٍ ويتساءل مندهشاً مستغرباً مع من حوله: لماذا لا يفعل الحكّام شيئاً وهم يكتشفون يوماً بعد آخر أن إيران مثلاً التي زعمت (نفاقاً) أنها (جمهورية إسلامية) وإذا بها تحارب الإسلام وأهله وتحتل ديار الإسلام بلداً تلو آخر بل وتنكّل في المسلمين كما يفعل الصهاينة والصليبيين بل وأكثر قتلاً وتنكيلاً منهم وتنشر جواسيسها وأذيالها للتجسس عليهم وترسل قوّاتها وجنودها لاحتلال المزيد من الأراضي الإسلامية كما فعلت في العراق وسوريا ولبنان وحاولت في البحرين والآن وقد تمكّنت من اليمن على يد الحوثيين! أيعقل أن لا يفهم الحكّام والحكومات تلك التحركات والمخاطر والمخططات الصفوية الشيعية للإطاحة بهم وبدولهم واحدة تلو الأخرى؟! إن كانت الإجابة: لا، إنهم يعون ويدركون ذلك تماماً! فحينها تكون الإجابة هي طامة أخرى وتتساءل: إذاً لماذا لا يردعونها ويوقفونها عند حدّها؟! ولماذا يخضعون لها ويذعنون ويطأطئون الرؤوس أمامها؟! ولماذا يضحكون في وجوه رؤسائها ووزرائها وملاليها وعمائمها! ولماذا يتبادلون معها الزيارات الثقافية ويعقدون معها الصفقات التجارية ولماذا يتركونها تتوسع في مراكزها الثقافية وحسينياتها ومآتمها بل ويشاركونها في احتفالاتها ومآتمها ويخافون من الترضّي عن صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما مراعاة لمشاعرها! بل ولا يدافعون عن أم المؤمنين وحبيبة رسول الله عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها خشية الوقوع في جدال معها! بل ولماذا لم يساندوا رجلاً شجاعاً ظهر فيهم مثل الرئيس المصري محمد مرسي – فك الله أسره من سجن السيسي الخائن لدينه ووطنه – لماذا لم يساندوه عندما ترضّى عن أبي بكر وعمر في عقر دارها؟! لماذا غدروا به ولم يدعموه - كما دعموا السيسي - ولم يختبئوا وراءه إن كانوا عاجزين عن مواجهتها وجهاً لوجه؟! ألم يكن جديراً بهم أن يساندوه وأن ينصروه وأن يجعلوه في مواجهتها لوحده إن كانوا يخشون الدفاع والاعتزاز بدينهم أمامها؟! أما أن يحدث عكس ذلك ويغدروا به وينقلبوا عليه ويساندوا الانقلابيين ضده بل ويتهاونوا مع إيران لهذه الدرجة من الذل والمهانة ويتركونها تغدو وتروح في أرض الجزيرة العربية وفي مياه الخليج العربي والبحر الأحمر كيفما تشاء وتنشر قوّاتها وجنودها بل وتدعم الحوثيين والنظام السوري المجرم وحكومة الطائفي المالكي الحاقد وتدعم جيش حزب اللات في لبنان وتعيث في الأرض فساداً ولا يقف في وجهها ولا يتحرك ضد تحركاتها أحد! فهذا شيء لا يفهمه أحد ولا يستطيع أن يفسره أحد إلا بالغباء أو الجنون! ناهيك أننا لم نطالب بتحرير واستعادة أرض الأحواز العربية الإسلامية منهم! فتلك قضية أخرى! فهم قد ضيّعوا (الحالي) فكيف نطالبهم باسترداد (السابق).. فهم لما سواه أضيع وأكثر جبناً وخوفاً.
لذلك يتساءل المسلمون: أيعقل أن الحكّام والحكومات لا يفهمون ذلك كلّه؟! ويفهمه الإنسان البسيط الذي يقرأ التاريخ أو يسمع عنه ويستشرف المستقبل الخطير الذي سنؤول إليه إذا مالم يتحرك الحكام والحكومات لإيقاف تلك المخططات والمؤامرات. فأي سياسة تلك التي يقومون بها وهم يتخبطون ذات اليمين وذات الشمال كالذي يتخبطه الشيطان من المسّ وهم يترنّحون من ضربات إيران لهم الواحدة بعد الأخرى! ثم يكملون معهما المزيد من التنسيق والتعاون وكأنهم في حالة غرام ووئام تام! ناهيك أن الإيرانيين أجادوا (التقية ) كوسيلة للضحك على ذقون الحكام والاستخفاف بحكوماتهم! يدعمهم في ذلك دينهم الضال المحرّف الذي يجيز لهم كل المحرمات والفواحش كما يفعل اليهود في اتخاذ مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة).
ومازال عموم المسلمين يتساءلون: إلى أين سيقودنا هؤلاء الحكّام.
أيعقل أن يأمن الناس على حياتهم وهم يتركون شأن قيادة سفينتهم لقادة لا يفهمون في الملاحة شيئاً بل ولا يجيدون قراءة الخرائط بل والأدهى أنهم لا يشاهدون ما يحدث أمام أعينهم؟! حتى وإن كانوا على وشك الدخول في عاصفة هوجاء أو الاصطدام بجبل صخري هائل!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
6135
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4494
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3348
| 29 سبتمبر 2025