رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

522

مها الغيث

رحلة خارج المكان والزمان

05 فبراير 2025 , 02:00ص

في هذا الكتاب العجائبي وصف لرحلة روحية خارج حدود المكان والزمان، أو عبر ما يُفسّر علمياً بظاهرة الاقتراب من الموت، لا يروي تفاصيلها الخارقة لقوانين الطبيعة، معلم روحي، أو متابع شغوف لسينما الخيال العلمي، إنما هي تجربة جرّاح أعصاب أمريكي خاضها في سبعة أيام وهو مستسلم في غيبوبة، لم يكن له أن يفيق منها كما تعلّم ومارس!

توصف تجربة د. إيبن ألكسندر بـ (الأكثر دهشة) ضمن ما تم رصده طبياً بين حالات المرضى الذين تم إحياؤهم بعد موتهم سريرياً، والآلاف ممن مرّوا بتجربة الاقتراب من الموت، والتي اعتبرها العلماء (مستحيلة)، وقد كان د. ألكسندر -للمفارقة- أحد هؤلاء العلماء! لقد كان د. ألكسندر جراح أعصاب متميّزاً في الوقت الذي كان يحمل فيه اعتقاداً راسخاً بخيالية تجارب الاقتراب من الموت، على الرغم من الصورة الحقيقية التي تبدو عليها في الظاهر، إذ لم تكن في رأيه سوى تخيلات تنتجها العقول وهي تخضع لظروف ضغط شديدة. وهنا تكمن المفارقة في تعرّضه شخصياً لتجربة مماثلة، بعد إصابة دماغه إصابة بالغة أودت به في غيبوبة استمرت لمدة أسبوع كامل، قال عنها: «عقلي.. روحي.. أياً كان ما قد تختار تسميته بالجزء المركزي والإنساني مني، قد ذهب»، حتى أفاق منها بأعجوبة، وتحول من النقيض إلى النقيض، وكتب تجربته.

يصف د. ألكسندر رحلته في خمس وثلاثين محطة من خلال كتابه (Proof of Heaven: A Neurosurgeon›s Journey into the Afterlife - By: Dr. Eben Alexander) والذي جاء في ترجمته العربية بعنوان (الدليل على وجود الجنة أو برهان الملكوت)، وهو يعتبر أن تجربته في الاقتراب من الموت فريدة من نوعها مقارنة بتجارب الآخرين! ففي حين انتقل أولئك إلى الحياة الأخروية وهم بكامل وعيهم عمّن هم وماذا كانوا عليه في حياتهم السابقة، وأقرباؤهم الذين التقوا بهم هناك، فقد غادر د. ألكسندر إلى هناك وهو فاقد لذلك الوعي! لذا، يستخلص د. ألكسندر الحكمة من تجربته تلك بالعودة إلى ما كان يعاني منه في حياته وقد دفنه في اللاوعي! فقد كان ابناً متبنى لعائلة محبة بعد أن تخلى عنه والداه البيولوجيان وهو رضيع لأسباب العوز، التخلي والرفض الذي واجهه مرة أخرى حين حاول الاتصال بهما فيما بعد، ما ترك لديه جرحا غائرا عن افتقاده لشعور الأهمية والرعاية والحب، حيث جاءت هذه الرحلة لتؤكد له على ثلاث حقائق يجب عليه تذكرها دائماً: أنه محبوب إلى الأبد، أن لا عليه أن يخاف شيئاً أبداً، أنه ما من شيء يتعرض له في الحياة ويكون خطأً! يقول د. ألكسندر في المقدمة: «هذه الآثار هائلة تفوق الوصف. لقد أظهرت لي تجربتي أن موت الجسد والدماغ ليسا نهاية الوعي، وأن التجربة الإنسانية تستمر إلى ما بعد القبر. والأهم من ذلك، أنها تستمر تحت أنظار الله الذي يحب ويهتم بكل واحد منا، والذي يهتم بالوجهة التي يتجّه نحوها الكون نفسه وكل الكائنات الموجودة فيه، في نهاية المطاف». يقول هذا وهو يسترجع اللحظات الأخيرة في غرفة الطوارئ ومحاولة إنقاذه، وقبل ولوجه في تلك الغيبوبة، حيث وبعد ساعتين متتاليتين من «العويل والأنين الحيواني» حسب وصفه، يصبح هادئاً، وفجأة، يصرخ بثلاث كلمات كانت واضحة تماماً، وسمعها كل من كان حاضراً من أطباء وممرضات، وزوجته التي كانت تقف على بعد خطوات قليلة من الجانب الآخر للستار، وهي: «ليساعدني الله».

وفي المحطة التي وصفها بـ «اللحن المحبوك والبوابة»، يصف حديثه مع من رافقه هناك بأنه تم دون تبادل أي كلمات، حيث مرت الرسالة عبره مثل الريح، والتي أدرك بها على الفور أنها كانت حقيقية بنفس الطريقة التي عرف بها أن العالم من حولنا كان حقيقياً، فلم يكن ضرباً من الخيال، عابراً أو غير جوهري. يقول د ألكسندر: «كانت الرسالة مكونة من ثلاثة أجزاء، وإذا اضطررت إلى ترجمتها إلى لغة دنيوية، فسأقول إنها من هذا القبيل: (أنت محبوب وعزيز وغالٍ إلى الأبد، ليس لديك شيء لتخافه، لا يوجد شيء يمكنك القيام به خطأ)». تغمره الرسالة بالارتياح بعد أن غرست جوهرها المفاهيمي مباشرة في داخله.. «ولكن في النهاية، سوف تعود»، ليتساءل عندئذٍ: «العودة إلى أين؟».

أخيراً أقول: يبدو أن هذه الحياة الدنيا في إيقاعها الروتيني، تحمل الكثير من الحقائق التي ليس للإنسان -وهو أثناء سعيه فيها- إدراكها في وقت واحد! إذ أن ذلك الوعي المفرط بالعوالم غير المنظورة المحيطة به من شأنها أن تُبطئ من وتيرة تقدمه، وهو وقد عرف الكثير عن العالم الروحي في هذه المرحلة من حياته اللامتناهية، يصبح سعيه في حياته الحالية بمثابة تحدٍ أكبر مما هو عليه بالفعل! لا يعني هذا صرفه عن الوعي بتلك العوالم، بل إن الأمر يتطلب شحذ الهمة لتحقيق ما هو موكّل به على هذه الأرض الآن، أو كما يعتقد د. ألكسندر بأن «الكون ليس شيئاً إن لم يكن هادفاً».

مساحة إعلانية