رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. هلا السعيد

مساحة إعلانية

مقالات

168

د. هلا السعيد

طفلة تغني عن «جرح الحبيب».. فأين ذهبت الطفولة؟

04 أغسطس 2025 , 01:33ص

مر أمامي مشهد على السوشيال ميديا لم أستطع تجاوزه بسهولة. طفلة صغيرة، بالكاد تبلغ الثامنة من عمرها، تحضر حفلة لفنان شهير يغني عن “جرح الحبيب”، وعن الهجر، والألم، والخذلان. لكن اللافت لم يكن فقط حضورها، بل انفعالها… كانت تردد كلمات الأغنية وكأنها عاشتها، تبكي بحرقة، تغمض عينيها، تعيش كل حرف، وكأن قلبها يحمل وجع النساء الناضجات لا براءة الأطفال. توقفت طويلًا عند هذا المشهد، ليس من باب السخرية ولا التعجّب، بل من باب الحزن الصامت. تساءلت… من علّم هذه الطفلة أن تُتْقن لغة الوجع؟ من أدخلها إلى عوالم الكبار قبل أوانها؟ وأين فَرَح الطفولة ودهشتها وبراءتها التي كان يجب أن تملأ ملامحها بدلًا من هذا الألم المستعار؟ نحن لا نتحدث هنا عن طفلة تمثّل مشهدًا، بل عن طفلة تعيش لحظة صدقٍ مزيفٍ في إحساسٍ ليس لها. وهذا ما يوجع أكثر: أننا نرى أطفالنا يكبرون على وجع لم يختبروه، يتقمصون مشاعر لا تخصهم، يُربّون على “أغاني الوجع” بدل أغاني الضحك واللعب. عن الطفولة التي خسرناها قبل أن تبدأ الطفولة لم تعد كما نعرفها. لم تعد هي المساحة التي نحمي فيها الطفل من العالم، بل أصبحت نافذة نفتحها ليطل منها على مشاعر لم ينضج ليحتملها بعد. صرنا نُطرب أطفالنا على لحن الخذلان، ونُدرّبهم على ألفاظ الغرام، ونتركهم يرددون كلمات عن الهجر والحب وكأنهم فهموها، بينما ما زالوا يتلعثمون في جدول الضرب. أين الخطأ؟ ليس في الطفلة، بل في من يحيط بها: • من يراها تبكي ويتباهى بـ”حسّها الفني”، • من يصورها وينشر المقطع بفخر، • من يعتبر تفاعلها نضجًا لا خطرًا. دور الأسرة… حين تغيب البوصلة الطفل مرآة بيئته، ما يشاهده، ما يسمعه، ما يُشجع عليه، هو ما يشكّل وجدانه… لا ما يُكتب في الكتب أو يُقال في المحاضرات. حين تغيب الرقابة الواعية، ويحل محلها الاستعراض، يصبح الطفل مادة للترند لا مشروعًا لإنسان سوي. من المؤلم أن تكون الطفولة مجرد مرحلة نُعجّل في دفنها، أن نرى طفلة تُحاكي خيانة العاشق بدل أن تتعلّم الرسم، أن يُسمح لها أن تنغمس في مشاعر لا تليق بعمرها، بدل أن تُعلَّم كيف تحب الحياة وتثق بالعالم. الوجع المُبكر… أخطر من الوجع الحقيقي الطفل حين يحزن، يحزن بصدق، حتى لو لم يفهم السبب. والمشاعر التي نحفّزه عليها اليوم ستصبح لغته غدًا، فماذا لو أصبحت هذه الطفلة تعتقد أن الحب ألم، وأن الهجر قدر، وأن الحياة كلها “خذلان نغنّيه”؟ نحن لا نحمي أطفالنا إن سمحنا لهم أن “يتقدموا في المشاعر” قبل أن ينضجوا في الفكر. نحن لا نمنحهم الوعي، بل نسرق منهم البراءة، ونستبدلها بما لا يفهمونه ولا يليق بأعمارهم. في الختام… فلنُعِد الطفولة إلى أصحابها أعيدوا الطفولة إلى ضحكتها. دعوها تفرح، ترقص، تخطئ وتتعلم، دعوها تلوّن الشمس والغيوم ولا تفسّر معاني الخذلان والندم. غنّوا لهم أغاني الفرح… لا لوعة الفقد. احكوا لهم عن الخير… لا خيانة القلوب. علموهم كيف يحبون الحياة، لا كيف يحزنون مثل الكبار. الطفولة ليست مرحلة… بل أمانة. فلنحفظها.

مساحة إعلانية