رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

291

مها الغيث

(حرائر سوريا ونظام الأسد)

04 يوليو 2025 , 05:57ص

في عصر ما قبل سقراط، قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس قولاً ما معناه: «لا يعبر الإنسان نفس النهر مرتين أبداً»، أما (ناجيات) هذا الكتاب السبع، فقد تقدمهن في صفحته الأولى قول: «ربما ستنجو.. لكنك لن تعود كما كنت»، وقد يكفي عنوان الكتاب الفرعي للتدليل على صدق المعنى في القولين، والذي جاء بـ: (شهادات حقيقية لناجيات سوريات من معتقلات نظام الأسد)!

يتضمن هذا الكتاب شهادات حية لسبع معتقلات سوريات نجين من سجون الأسد وبطش جلاديه، بعد أن عشن في أقبيته الظلامية تجربة وحشية إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011، تجسّد معاني القهر والظلم والألم واغتصاب الروح قبل الجسد! إنها حكاياتهن التي تم توثيقها من خلال مقابلات مسجلّة أجراها معهن فريق مختص، وقام فيما بعد بتفريغها وإعادة صياغتها في قالب قصصي موحد، وافقن على نشرها كما هي بعد أن عُرضت عليهن! ولأغراض الحفاظ على سرية هوياتهن وسلامتهن وسلامة ذويهن، فقد طال بعض التفاصيل شيء من التغيير، مع الحفاظ على صحة المعلومات الأساسية، كأماكن الاعتقال وفتراتها وأساليب التعذيب وأسماء المحققين ومناطقهم وانتماءاتهم، حتى تبقى صفحات هذا الكتاب بمثابة شهادة حقيقية على تجارب الاعتقال وجرائم نظام الأسد!

على إثرها، تنتقل تلك الحرائر إلى تركيا، ويؤسسن عام 2019 (منظمة ناجيات سوريات)، تضم إليهن مجموعة أخرى تعرضن لتجربة اعتقال أو اختفاء قسري على خلفية رأي أو نشاط سياسي، وكذلك المناصرات لهن! ولأنهن يؤمن بالقيم التي قامت عليها الثورة السورية من عدالة وحرية وديمقراطية، فإن منظمتهن تسعى إلى «كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات»، وإلى المساهمة في طي قضية الاعتقال في سوريا ومنعها من التكرار، كما تعمل على تمكين النساء الناجيات حقوقياً وسياسياً واقتصادياً، وإلى رفع الوعي المطلوب في عملية التوثيق، كما في هذا الكتاب. تقول الناجية الأولى في قصتها (إنسان مع وقف التنفيذ) والتي تمنت لو استسلمت لليأس منذ ليلتها الأولى في السجن، وقد افتقدت معنى الدفء من حينها بعد حادثة الاغتصاب التي تعرّضت لها، عندما اختارها المحقق وهي مسنة دوناً عن بقية السجينات الأصغر سناً، ولم تسعفها فيما بعد معاطف كل السجينات اللاتي هرعن لتدفئة جسدها المرتجف: «أما كل ذلك الكلام عن ضرورة التمسك بالأمل للنجاة فهراء محض.. اليأس هناك هو ما ينجي، فهو الذي يعينك على اللامبالاة الضرورية لتمضي الأيام كما هي! لا غد منتظر يطيل دقائقها، ولا آمال عريضة تثقل خيبات الأيام على النفوس».

تقول الناجية الثانية في قصتها (يا حرية) والتي عثرت على مسمار في ظلمة زنزانتها المنفردة، وقد اعتبرته بمثابة هدية تُنهي به عذابها، فتُدفن ومعها كل ما شهدت عليه: «استجمعت كل ما لديَّ من رباطة جأش لأختار أفضل طريقة أستخدمه بها بأقل قدر من الألم! فكرت وفكرت.. أطبقت يدي على المسمار بقوة لا أعلم منبعها تاركة نصله مكشوفاً، ثم غرزته بالجدار.. وخططت به «يا حرية»».

تقول الناجية الرابعة في قصتها (أنا مو بنان) والتي حلمت بالعودة يقيناً مرتدية بيجامتها التي لا تزال جدتها ترتبها في منزلها كل أسبوع ترقباً لمقدمها: «سأعود لا شك، وستزول تلك المنظومة الهشة التي يحاول النظام بها تشكيل المجتمع بشكل طائفي.. سأعود وسيكون السوري سورياً قبل كل شيء، ولن يكون هناك من يولدون ضباطاً وعناصر أمن، ومن يولدون مغتربين.. سأعود ‎لأشهد رفع علم الثورة في جبلة واللاذقية وطرطوس وسوريا كلها! سأعود.. وسيزول النظام.. وستبقى سوريا».

تقول الناجية السادسة في قصتها (قارئة الفنجان) والتي بدورها تناوب خمسة ضباط على اغتصابها وعلى شتم الذات الإلهية معاً، لا سيما ذلك الذي لم يخف أصله العراقي في لهجته الشامية، حين ردت على بذاءة شتائمه الطائفية بفخر الانتساب والاتصاف بـ «بنات عائشة»، والذي توعدها بأن يجعلها تكره النظر لوجهها في المرآة: «‎كنت أبكي نفسي ومصيري بأنين مكتوم، فقد أدركت أني في فرع أمني يرتدي سجانوه لباس الأطباء والممرضين، الذين تعاملوا معي بلؤم شديد على الرغم من معرفتهم بما حدث لي، وبدا أنهم يعتقدون أن أمراً كهذا عقوبة عادية وطبيعية بحقنا نحن أبناء الثورة، بل إن ممرضة هناك قالتها لي صراحة بأنها تتمنى لو يسمح لها فتقتلني بدل أن تقوم بعلاجي».

تقول الناجية السابعة في قصتها (حرة) والتي كانت تناضل بصوتها في سبيل الحق وعلى منصة وفوق جموع المتظاهرين، وقد اقتيدت وطفلها لفرع الأمن العسكري بجريرة زوجها الذي كان ملتحقاً بصفوف جماعة الإخوان المسلمين: «ناديت على السجان أخبره بحاجة ابني، وسمح لي بإخراجه إلى الحمامات، وعند عودتنا انتبهت له معتقلات من زنزانة أخرى كان بابها مفتوحاً، فهرعن إليه يقبلنه ويحتضنه، وعرفت أنهن إنما يقبلن فيه أبناءهن الذين خلّفنهم، بل يقبّلن فيه الحياة نفسها».

في كلمة: هنا تجسّد الشيطان على هيئة جلّاد سلّطه نظام الأسد البائد على حرائر سوريا وحدهن.. حيث وحشية الانتهاك الآدمي في أحط مستويات الفحش، لا تخطر على قلب إبليس!

اقرأ المزيد

alsharq لماذا تكتب؟..

من أكثر الأسئلة التي توجه لي في حواراتي الثقافية، أو توجه إلى غيري من الكتاب، هو لماذا تكتب؟.... اقرأ المزيد

204

| 30 أكتوبر 2025

alsharq الإزعاج الصوتي.. تعدٍ على الهدوء والهوية

في السنوات الأخيرة، أصبحت الأغاني تصدح في كل مكان نذهب إليه تقريبًا؛ في المطاعم والمقاهي والفنادق والأندية الرياضية،... اقرأ المزيد

459

| 30 أكتوبر 2025

alsharq وجوه صامتة

• ما معنى أن يعم الهدوء كل الأرجاء والوجوه؟ وما معنى ان تصادف إنسانا يلتزم الصمت في معظم... اقرأ المزيد

282

| 30 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية