رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. حمد بن عبد العزيز الكواري

مساحة إعلانية

مقالات

585

د. حمد بن عبد العزيز الكواري

المقامة الكَوّارية عن الصمدة القطرية في مكتبة قطر الوطنية

02 نوفمبر 2025 , 01:52ص

الحمدُ للذي أنطقَ اللسان، وجعل للكلمةِ سُلطانا 

وللبيانِ جَنانًا لا يطويهِ الزمانُ ولا المكان. 

  وبعدُ : 

أيُّها الجمعُ الكريمُ  

  فقد كانت مكتبتُنا منذ أيامٍ معدودات،     على موعدٍ مع مجلسٍ ماتعٍ من مجالس «قطر تقرأ» و»مركز القيادات»، 

حيث دار الحديثُ عن مقامات الحريري،     فأحيا الحاضرُ صليلَ الماضي، 

واستيقظتْ البلاغةُ من سِباتٍ طويلٍ سامي. 

ويومها صُغتُ «المقامة الكَوّارية الأولى» 

مجاراةً لفنٍّ عربيٍّ نبيل، وتأكيدًا أنّ هذه الأرض تُنبتُ الفصاحةَ كما تُنبتُ النخيل، 

وتَسقي البيانَ بماءِ الثقافةِ الأصيل. 

  واليوم…     نعودُ للمقاماتِ عودةَ الغيثِ للروابي بعد طولِ ظمأ، 

ولقاءَ الروحِ بالمعنى بعد طولِ عناء. 

فأحيّيكم جميعًا تحيّةَ الحرفِ للحرف، 

والمدادِ للصفحاتِ النضر. 

  وأخصّ بالترحيب الأخ العزيز 

محمد بن أحمد بن طوار الكواري، 

  وهأنذا أضعُ بين أيديكم: 

المقامة الكَوّارية الثانية 

تيمّنًا بالوصل، وتثبيتًا للفضل، 

في زمنٍ تعودُ فيه لغتُنا شامخةً بهيّة، 

تسترجعُ مكانتها السامقة في مدائن المعرفة الإنسانية 

  حُكِيَ - والحديثُ ذو شجونٍ وشؤون - 

أنَّه في يومٍ من أيّام الدوحةِ الغرّاء،     حيث تلتقي العقولُ والكتب بالضياءِ 

وتظلّلنا مكتبةٌ جعلت من العلمِ منارًا،     ومن الذاكرةِ إرثًا يتجدّدُ نهارًا بعد نهار، 

  خطرَ لي أن أكتبَ مقامةً عن الصَّمْدَة، 

كلمةٍ حيّةٍ في ذاكرةِ قطر، 

ولفظةٍ خرجت من رحمِ الصحراءِ     تحملُ في طيّاتها معاني الكرم، الأمن، والضيافة. 

  فقلتُ مخاطبًا نفسي: 

يا أبا تميم… 

إنَّ للمقاماتِ رجالًا،     وللبيانِ فرسانًا، 

وما لهذا المقامِ إلا أبو زيد السروجي 

سيّد الحيلةِ والبديهةِ واللسان الفصيح الملتهبِ طلاقة. 

فناديته بصوتٍ سافرٍ عبرَ الزمن، 

فقامَ من بين طيّاتِ التاريخِ كأنّه حيٌّ لم يمت، 

عمامةٌ على الرأس،     ولسانٌ فيه فصاحةٌ لا تكلّ ولا تَسأم. 

فقال - وقد رفع حاجبيه دهشةً واستنكارًا - 

ما شأنُك تدعوني من رقادٍ طويل؟ وما حاجتُك بي في هذا السبيل؟ 

  فقلتُ - مستزيدًا من تأنّقه - 

أريدُ مقامةً في الصَّمْدَة، 

محطّةِ العابرين،  ومأمنِ الضالّين، 

ومجلسِ المسافرين حين يضيقُ الطريقُ ويشتدُّ الهجير. 

  قال - وقد تفتّحت ذاكرته - 

الصَّمْدَة؟ تلك التي كانت ملاذًا من شدائدِ السفر؟ وراحةً من وعثاءِ السَّير؟ 

  قلتُ:  هيَ هي… 

لكنّها اليوم في قطر تحوّلت من خيمةٍ على أطرافِ الرمال 

إلى رمزٍ حضاريٍّ بين النجومِ والأطلال، 

تُعانقُ المطاراتِ والجامعاتِ والندوات، 

وتُشيعُ في العالمِ رسالة الضيافة والثقافات. 

  فقال السروجي:  إن كان هذا شأنُها، فلا بُدَّ من مقامةٍ تُخلّدُ أمرَها وتُسطّرُ خبرَها. 

قلتُ: هاتِ نكتبها سويًّا؛ 

أنتَ تسعفُني بالعبارة، وأنا أُسعفُك بالدلالة والإشارة. 

  فجلسنا على رُخامِ المكتبة، 

حيث الكتبُ شهود، 

والأقلامُ جنود، 

والصفحاتُ تنتظرُ مولدَ الكلامِ الولود. 

  فقال السروجي:     حدّثني عن أصل الكلمةِ في أرضكم يا قومَ الندى والهمم. 

  كانت الصَّمْدَةُ - يا أبا زيد - 

قلتُ:  خيمةَ الراحةِ على قارعةِ الظمأ، 

ومجلسَ القهوةِ والأنس والبهجة، 

يأوي إليها المسافرون من جهدِ الطريق، 

ويستعيدون فيها قوّةَ عزمٍ يواصلون به المسير. 

  فضحك وقال - مفتخرًا بسفرِه القديم -: 

وما أكثرَ ما طويتُ البيداءَ،         ،، ومشيتُ على الرمالِ الصفراء، 

فالسياحةُ عندنا كانت سفرًا لطلبِ رزقٍ أو علم، 

أو موعظةٍ تُهذّبُ الروحَ والقيم. 

فقلتُ: صدقتَ يا بطلَ المقامات، 

لكنّ للسفرِ في عصرنا وجهًا جديدًا وجَنابًا مجيدًا: 

  سافِرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائدٍ 

تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشةٍ وعِلمٌ وآدابٌ وصُحبةُ ماجدِ 

  ثم أضفت: أمّا اليوم… 

فقد تبدّلت الوسيلةُ وتغيّرت الغاية؛ صار الترحالُ في الأجواءِ، 

بعد أن كان على ظهورِ الإبلِ والخيولِ العَتاق، 

وصارت السياحةُ رسالةَ سلام، ولقاءً بين الأنام، 

وجسرًا من القلب إلى القلب قبل أن يكون من الأرض إلى الأرض. 

فقال السروجي وقد أشرق وجهُه إعجابًا: 

سبحانَ من بدّل رواحلَ الأمسِ طائراتِ اليوم، 

وجعل من مشقّةِ الطريقِ متعةَ الاكتشافِ والتفاهم والوئام. 

قلتُ: وقد اجتمعنا اليومَ في مكتبتِنا الوطنية - 

مهوى الأفئدة، وموئلُ المعرفة - 

لنحتفي بكتابٍ عنوانُه: 

«الصَّمْدَة: مستقبل السياحة في قطر» 

  كتابٌ يوثّقُ الشواهدَ والمَعالِم، وينطقُ بلسانِ النهضةِ والقِيَم، 

ويُخبرُ العالمَ أنَّ قطرَ جعلت السياحةَ دبلوماسيةً ثقافيةً راقية، 

تُخاطبُ الضميرَ الإنساني قبل الجَيبِ والمَغنم. 

  ففتح السروجيُّ صفحاتِه، 

وتأمّلَ أسرارَه، ثم قال: 

ما أروعَ ما أنجزتم! 

نقلتم الضيافةَ من زادِ الصحراءِ إلى فخامةِ الحاضرة، 

ومن صَفحة الرمالِ إلى صفحاتِ التاريخِ المدوَّنة. 

  قلتُ: وهنا جوهرُ الصَّمْدَة يا صاحِ… 

فالضيفُ عندنا لا يُستقبلُ ببابٍ من حديد، 

بل ببابِ قلبٍ مفتوحٍ لا يُغلقُ في وجهِ أحد. 

فقال: صدقتَ، فما السياحةُ إلا ضيافةُ الروح، 

وما الصَّمْدَةُ إلا عهدُ أمانٍ ووعدُ حنانٍ يُقدَّمُ قبل المكان. 

  فقلتُ وأنا أزيدُ من وصفِ النعمةِ والبُنى: يا أبا زيد… 

لقد صار المسافرُ في بلادنا يجدُ: فنادقَ تُنافسُ قصورَ الملوك ومتاحفَ تُنطِقُ الآثارَ والفنون 

وأحياءً ثقافيةً ك كتارا ومشيرب لا تنضبُ فيها الينابيع 

وجامعاتٍ تُعانقُ السماءَ بعلمٍ وفكرٍ رفيع 

ومكتبتَنا هذه… تاجًا على رأسِ الثقافة 

وحدائقَ فيحاءَ كانت حلمًا فأصبحت حاضرًا مدهشًا 

  فقال السروجيُّ - وهو ينظرُ بدهشةِ الطفل وفرحةِ المكتشف - 

يا لروعةِ الدوحة! ،، جمعتِ المتعةَ والفائدة، 

والضيافةَ والمعرفة،،، فغدتِ مقصدَ الأسرةِ والعالِمِ والمغامرِ في آن. 

  ثم التفتَ إليّ وقال:  أترى أنَّ هذه المقامةَ قد اكتملت؟ 

  فقلتُ:  لا يا صاحِ… 

فكلُّ صَمْدَةٍ بدايةُ مسير، 

وكلُّ ضيافةٍ بذرةُ تقدير، 

وما دامت قطرُ تُنيرُ، 

وتُبدعُ وتُوقّرُ الإنسان، 

فالمقامةُ مستمرةٌ على مَرِّ الزمان. 

فخطَّ السروجيُّ خاتمتَه وقال: 

هذه مقامةٌ كَوّاريةٌ مُشتركة، كتبَها قلمٌ من الماضي، 

وصوتٌ من الحاضر، 

ليثبتا للعالمِ أنَّ الصَّمْدَةَ القطرية 

ليست استراحةً على طريق، 

بل عهدُ وطنٍ يَمضي… 

بين الرمالِ والنجومِ بثقةِ الملوك.

اقرأ المزيد

alsharq صيف سويسري ضائع

«سأعود مُعافَى من الشعارات المخزونة في طيات لساني، أترك التعصب الذي يستولي عليَّ ويحيلني ببغاء تكرر المحفوظات. تطرفت... اقرأ المزيد

348

| 06 نوفمبر 2025

alsharq بين الصحافة التقليدية ووسائل التواصل المتجددة

كانت المقالات في الصحف من أكثر الأشياء المؤثرة في صناعة الرأي العام والتوجيه المجتمعي، وكان كاتب المقال صاحب... اقرأ المزيد

492

| 06 نوفمبر 2025

alsharq مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثون للأطراف بشأن تغيرات المناخ.. لحظة الحقيقة

تبدأ اليوم في منطقة الأمازون البرازيلية «قمة بيليم» التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين للأطراف بشأن تغير المناخ... اقرأ المزيد

213

| 06 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية