رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

2852

القرضاوي: القوانين وحدها لا تصنع إنسانًا صالحًا، ولا مجتمعًا صالحًا

27 مايو 2017 , 01:44م
alsharq
الدوحة - الشرق

الكتاب: في الطريق إلى الله المراقبة والمحاسبة

المؤلف: د. يوسف القرضاوي

الحلقة: الثانية

مقدمة:

"{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

ويقول جل وعلا : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5].

هو القائم على كل نفس بما كسبت، والمجازي لها بما عملت، إنْ خيرا فخير، وإنْ شرا فشر: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:8،7]، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47].

الحياة الربَّانيَّة والعلم، والنيَّة والإخلاص، والتوكل، والتوبة، والورع والزهد، وهذا الكتاب ( المراقبة والمحاسبة) أمور لا بد للناس منها، وأن يكتبها العلماء الراسخون، العارفون بخبايا الأنفس وشوائبها، والذين يستقي منهم العلماء في سائر البلاد، وفيما يأتي من الزمان . وأرجو الله أن يوفقني للكتابة فيما بقي من أعمال القلوب أو في فقه السلوك" .

المراقبة أن يحيا الإنسان بقلبٍ يَقظ

شرَّ ما يُصاب به الناس هو الغفلة

القوانين وحدها لا تصنع إنسانًا صالحًا، ولا مجتمعًا صالحًا

رقابة الإنسان الذاتية لنفسه أهم من القوانين التي يصنعها الناس

غياب الضمائر المؤمنة والقلوب الحية هو ما جرَّ الفساد على دنيا المسلمين

ما المراقبة؟

(المراقبة) أصلها اللغوي من فَعَل: رَقَبَ يرقُب، رقابة، بمعنى لحظ وتابع. ومنه نشأت المراقبات المختلفة في حياة الناس: المراقبة المالية، والمراقبة الإدارية، والمراقبة القانونية، والمراقبة التشريعية، والمراقبة على الصحف، والمراقبة الأمنية على حدود الأوطان .. وغير ذلك.

وفي عصرنا نشأت رقابة جديدة، تعرف باسم (الرقابة الشرعية) على المصارف والشركات، والمؤسسات المالية الإسلامية، وهي التي تلتزم في قانونها الأساسي بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية في كل معاملاتها.

ومن هذه المادة اشتُقت صفة (رقيب)، وهو الذي يرقُبُ الأشياء ويتابعها بدقَّة.

من أسماء الله الحسنى : الرقيب

ومن المعلوم أنَّ من أسماء الله الحسنى: (الرقيب)؛ لأنه يراقب أعمال عباده كلها، ظاهرها وباطنها، حسنها وسيئها، صغيرها وكبيرها، ولا يخفى عليه خافية منها، ولذا قال في كتابه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب:52]،

ومن هذه المادة أيضًا اشتقَّ الفعل الرباعي: رَاقَبَ يراقب مُرَاقَبَة.

فكلمة (المراقبة) هي مصدر قياسيٌّ لفعل (راقَبَ يراقب)، وهو مأخوذ من مادة رَقَبَ.

المراقبة الذاتيَّة من داخل الإنسان:

والمراقبة التي نتحدَّث عنها هنا ليست إدارة في وزارة أو مؤسسة، بل نعني بها (المراقبة الذاتية) من داخل الإنسان نفسه، فهو المراقب لها، وهو الرقيب عليها، وهو المتابع الملاحظ المُدقِّق لحركاتها وسكناتها، وغدواتها ورَوْحاتها، ما كبُرَ منها وما صغُر، ما ظهَرَ منها وما بطَن، ما استقام منها وما انحرف.

آفة الغفلة :

فالمراقبة أن يحيا الإنسان بقلبٍ يَقظ، لا بقلب غافل، فإنَّ شرَّ ما يُصاب به الناس هو: الغفلة، الغفلة عن أنفسهم، الغفلة عن ربِّهم، الغفلة عن مصيرهم، وأن يعيشوا لدنياهم ولا يتفكروا في آخرتهم، وأن لا يذكروا الجنة ولا النار، أن لا يذكروا إلا حظوظ أنفسهم، غافلين عن حقِّ ربهم عزَّ وجلَّ.

وقد جعل الله أصحابها حطب جهنم، وَوَقود النار، وجعلهم أضل من الأنعام سبيلاً: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

أهمية الرقابة الذاتية:

هذه الرقابة الداخلية هي أهم من أيِّ رقابة إداريَّة، أو رقابة ماليَّة، أو رقابة قانونيَّة، لأن الإنسان يجعل من نفسه رقيبًا على نفسه، رقابة ذاتية، والإنسان في حقيقته إنما يقاد من داخله لا من خارجه، من باطنه لا من ظاهره، من قلبه لا من جوارحه، من عقله لا من أذنه.

هذه القيادة إنما تأتي من هذه الرقابة الذاتية الناشئة من الإيمان واليقين والتقوى والحياء من الله .

والقوانين وحدها لا تستطيع أن تصنع إنسانًا صالحًا، ولا مجتمعًا صالحًا. كم من أناس تحايلوا على القوانين، بل إنَّ بعض من يضعون القوانين هم أول مَن يخرقونها.

وماذا يصنع القانون فيمن يملك القوة، ويستطيع أن يسخِّر القانون لمصلحته؟!

هناك من هو أعلى من القانون: القانون من داخل النفس، القانون الذي يجعل الإنسان يترك كلَّ شيء، وهو قادر على أن يفعله، يترك الحرام خشية الله، بل يترك الشبهات، استبراءً لدينه وعرضه، بل يترك المكروهات، بل يترك بعض المباحات، حتى لا يقع فيما هو شرٌّ منها "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس"( ).

هذه الرقابة أهم من هذه القوانين التي يصنعها الناس.

وأعظم العلل التي تفطم النفس عن شهواتها، وتلجم الإنسان بهذا اللجام الذي يمنعه عن كل شر هو: مراقبة الله تبارك وتعالى وتقواه. هذا أعظم من كل قوانين يفكر فيها الناس.

انظر هل يقدم من تلامس هذه المراقبة قلبَه على غشِّ الناس ومُخادعتهم؟ هل يسهل عليه أن يراه الله آكلا لأموالهم بالباطل؟ هل يحتال على الله تعالى في منع الزكاة، وهدم هذا الركن الركين من أركان دينه؟ هل يحتال على أكل الربا؟ هل يقترف المنكرات جهارا؟ هل يجترح السيِّئات ويسدل بينه وبين الله ستارا؟

كلا. إن صاحب هذه المراقبة لا يسترسل في المعاصي؛ إذ لا يطول أمد غفلته عن الله تعالى، وإذا نسي وألمَّ بشيء منها يكون سريع التذكر، قريب الفيء والرجوع بالتوبة الصحيحة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]( ).

رقابة الله سبحانه على خلقه:

المؤمن يراقب نفسه من حيث إنَّ الله جلَّ جلاله يراقبها قبله، ويرى ظواهرها وخوافيها، ولا يغيب عنه شيء من دقائقها، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7]، وقال عزَّ وجل: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:13،14]، إنه يعلم ما في الصدر، ما يكنُّه القلب، فكيف لا يعلم ما يظهر اللسان وإن كان بصوت خافت؟!

المؤمن الحق يراقب الله:

ولهذا فهو يراقب الله قبل أن يراقب الناس. ولا يكون كشأن المنافق الذي يراقب الناس ولا يراقب ربَّ الناس. المؤمن يراقب ربه في كلِّ كبيرة وصغيرة، في كلِّ حركة وسكنة، لا يغفل عن ربه طرفة عين، لأن الله سبحانه وتعالى لا يغفل عنه.

المراقبة التي تصنع القلب الحي:

إذا نظرت إلى شيء، فاعلم أنَّ نظر الله إلى ما تنظر إليه أسبق من نظرك.

لا بد أن تستحضر في نفسك هذه المراقبة.

هذه المراقبة هي التي تصنع القلب الحي، تصنع ما يسمُّونه اليوم (الضمير). الضمير هو ذلك القلب الحسَّاس المرهف الحس، الذي يرعى الله تبارك وتعالى ويراقبه في كل أمر من الأمور.

ما الذي ينقص الدنيا اليوم؟ ينقصها هذه الضمائر المؤمنة، هذه القلوب الحية.

ما الذي جرَّ الفساد على دنيا المسلمين؟ أنه لا توجد هذه القلوب. وجدت قلوب غافلة عن الله، وعن المصير، وعن الحساب والجزاء، وعن الجنة والنار.

ولهذا تمرَّغوا في أوحال الشهوات، وفي نجاسات الذنوب، ومشوا وراء الدنيا لا يبالون أكلوا من حلال أم من حرام.

استحلَّ الناس الحرام وأصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وسار الناس في ركاب الظلمة والطاغين، لأن الناس فقدوا رقابة الله عزَّ وجلَّ.

اقرأ المزيد

alsharq قطر تدين بشدة هجوما استهدف مسجدا بمدينة الفاشر السودانية

أعربت دولة قطر عن إدانتها واستنكارها الشديدين، للهجوم الذي استهدف مسجدا بمدينة الفاشر بجمهورية السودان الشقيق، وأدى إلى... اقرأ المزيد

86

| 20 سبتمبر 2025

alsharq المنتخب القطري يتأهل إلى نصف نهائي البطولة الآسيوية للناشئين لكرة اليد

تأهل المنتخب القطري للناشئين لكرة اليد للدور نصف النهائي من البطولة الآسيوية الأولى للناشئين تحت 17 عاما بعد... اقرأ المزيد

104

| 20 سبتمبر 2025

alsharq مؤتمر "قيادة" يختتم نسخته الأولى بالتأكيد على القيم الإسلامية في بناء الشباب والمجتمعات

اختتمت اليوم بالدوحة فعاليات النسخة الأولى من مؤتمر قيادة: تطلعات وتنمية الشباب المسلم في قطر، بالتأكيد على أهمية... اقرأ المزيد

76

| 20 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية