رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

2015

مقدسيون يدحضون الرواية الإسرائيلية بالكلمة والصورة

21 فبراير 2021 , 07:00ص
alsharq
القدس المحتلة - حنان مطير

في بيت مقدسيّ راسخ منذ عهد المماليك، ويبعد 200 متر فقط عن المسجد الأقصى المبارك، ولِد الروائي عيسى قواسمي حرّا كطائر الشمس، فتح عينيه على لمعان قبَّتِه الذّهبيّة، تشرّب حبَّه وتعلّق بجدرانِه العتيقة، ركض في ساحاتِه وأطعم حَمَائمَه الصّديقة.

ترعرع عيسى القواسمي حتى عمر السادسة في منطقة تسمى "حوش الشاي" القريب جدا من باب السلسلة، واشتدّ رباط أوردتِه في المكان ودقّ قلبه له حبا، حتى انتزعه الاحتلال الصهيوني.

عيسى يروي لـ"الشرق" حكايته منذ الصغر مع الاحتلال، وكيف كانت قسوة الاحتلال سببا في الارتباط بالأرض والتعلق بها، والدفاع عنها فيقول:" في أيام قليلة لا تزيد على الثلاثة، عام 1967 هدم الاحتلال الإسرائيليّ الحيّ الذي أسكنه وأحبه بالكامل، لقد مسحه مسحا فوق رؤوس الكثير من سكّانه، وجعلوا منه منطقة إسرائيلية محتلّة".

ويضيف: "هرب المقدسيون ذعرا تحت أصوات الرصاص، ومن بين أولئك المذعورين رجل كبير في السنّ يسير يسنده عكازه، وقد ترك ابنته الصمّاء جثة هامدة في البيت، بعد أن هدموه فوقها"، للأسف إنها لم تسمع صوت الرصاص فلم تتمكّن من الهرب.

وقع العجوز على الأرضِ غير قادر على المواصلة والجنود من حولِه يصرخون بوجهه ويطلقون الرصاص من حولِه، لم يحتمل عيسى المشهد، فترك ذراع جدتِه محاولا مساعدة العجوز. "شعرت بقمة الظلم والقهر، وأمسكت حجرا وضربته بوجه الجنديّ حتى سال دمه" يروي.

في اليوم الرّابع، عاد النّاجون، فكانت الجثث في الشوارع ملقاة بلا أنفاس.. "أذكر تماما كيف قتلوا مسعفة جاءت لتنقل الشهيد، لقد كانت من عائلة الجلاد".

*هنا كان بيتي

انتقلت عائلة عيسى للسكن في وادي الجوز، وكلما كبر عيسى تعمّقت مشاعر القهر في قلبه أكثر وازداد تعلقه في القدس والمسجد الأقصى أكثر وأكثر، فيقول لكل من يمرّ: "هنا كان بيتي".

وما الشبل إلا من ذاك الأسد، والظلم لا يولّد في الفلسطينيّ غير التّحدي والإصرار، سجن الاحتلال والدَ عيسى مدة ثلاثة شهور على خلفية بناء بيت بدون رخصة، وكان يعمل خياطا، ومن بعده عمل عيسى نفس العمل، وفي نفس غرفة السّجن كان يقبع اليهوديّ الأكثر عنصرية "كهانا حي" صاحب جملة "الموت للعرب"، وصاحب كتاب "شوكة في عيونهم" والذي دعا فيه ضرورة الترحيل الفوري للعرب.

يحكي:" كان يفترض على والدي أن يقوم بالخياطة في السجن، وأمِر أن يخيّط لذلك العنصري لكنّه رفض أشدّ رفض انتهى بقتال حام، ولكن دون أن ينفّذ ما أمِر".

واليوم يقف عيسى أمام زوار القدس والمسجد الأقصى من عرب وأجانب ويدور معهم في جولات إرشادية وتعريفية، يدحض فيها الروايات الإسرائيلية المزوّرة، ويحكي فيها حكاية المكان والأروقة والأسوار، حكايا المجد والرباط والتّحدي، مقابل الاحتلال والكذب والتدنيس.

وما يزال كل يوم يوثّق المعلومات والحكايات من أصحاب المكان أنفسهم، وكم يعشق تنفس هواء الفجر حين يذهب مشيا للمسجد الأقصى ليصلي صلاة الفجر "روحانية عالية تتملّكني وشعور لا يضاهيه شعور" يصف.

ولا يكاد غريب يزور المنطقة إلا ويتصل به ليراه ويرشده أو يتناول معه كعكا مقدسيا وشايا أو قهوة في شوارع القدس العتيقة.

*الأقصى ملجأ

في مدينة القدس أيضا نشأ الشاب عبد العفوّ -28عاما- عاشقا لأزقتها وشوارعها وأسواقها الساحرة، فتربّى في المسجد الأقصى وجنبات المسجد الأقصى، وتربع فيه قلبه، وبات له ملجأ.

يقول للشرق:" كلّما دخلته ونظرت إلى جنباتِه غرقت في ذكريات طفولتِي وابتسمت، هنا جلست برفقة والديّ، وها أنا اليوم أجلس برفقة صغيري، هنا تسلّقت أشجار الزيتون ودرت حول أشجار السرو، تماما كما يفعل أولئك الأطفال، وهنا تراشقنا، أنا وأقراني، بالماء من المتوضأ، كما يفعل هؤلاء الصغار أيضا، فإذا ما نَهرهم أحد كبار السن أتدخلّ بلطف ولين داعيا إياه للتوقف عن نهرهم ".

ويضيف:" تلك المواقف على بساطتها تصنع الطفولة الجميلة، وتخلق تعلّقا متينا بالمكان، كذلك التعلق الذي غرِس في قلبي للأبد".

امتلك عبد العفو هواية التصوير والتوثيق، وبالطبع كان أول ما يميل لتصويره مدينته ومسجده فبات يلتقط الصور المميزة، وينشرها على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب صور جنود الاحتلال التي لا تنفك تعتقل وتسجن وتؤذي الفلسطينيين حتى تجمع حوله عدد كبير من المتابعين العاشقين للمكان خاصة أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إليه، لتكون هديتهم المميزة.

ويكمل:" تصوير المقدسيين والفلسطينيين بشكل عام الذين يأتون للمسجد بأعداد كبيرة يوميا، وخشوعهم وارتباطهم بالمكان وشعورهم بالطمأنينة، كل تلك مشاعر تظهرها الكاميرا بوضوح، لتثبت أننا أصحاب الأرض والحق والمقدسات".

لقد أصيب عبد العفوّ مرارا في المواجهات داخل المسجد الأقصى وأبعِد عنه مرات عديدة، لأسباب واهية، حاله كحال الكثيرين من أهل القدس، يستدرك:" لكن ذلك الإبعاد لم يزِدني إلا شغفا وحبا وتمسكا بالمسجد، وما تلك إلا سياسة غبية ونهج إسرائيلي لا يأتي إلا بنتائج عكسية، فكلما أبعِدنا جسديا تعلقنا روحيا بالمكان، وعدنا أكثر شوقا".

ويفخر كثيرا أن أول خطوة خطاها حين كان رضيعا كانت على أرض المسجد الأقصى المبارك، وأن ابنه كان أصغر مرابط يرابط معه في المسجد في هبة البوابات الإلكترونية، يعلق:" بعض التفاصيل التي قد تبدو بسيطة تبرز كم لهذا المسجد هيبة وعظمة لا تغادر القلوب".

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه القدس وأهل القدس والمسجد الأقصى إلا أن اليقين لا يغيب عن قلب عبد العفو المحب لقراءة التاريخ بأن الاحتلال لابد وأن يزول " ما بني على باطل لن يدوم أبدا".

مساحة إعلانية