رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

2333

باحثون: الحداثة شوهت مفهوم الحرية عند العرب والمسلمين

13 مارس 2016 , 07:49م
alsharq
أحمد البيومي

في جلستين منفصلتين، ناقش المؤتمر السنوي الخامس للعلوم الاجتماعية والإنسانية اليوم قضية الحرية في الفكر العربي المعاصر. وكانت الجلسة الاولى بعنوان "الحرية الدينية وحرية المعتقد"، والثانية بعنوان "الحرية ضمن سؤال الحداثة والنهضة".

وقدم الدكتور عبد الوهاب الأفندي ورقة بحثية بعنوان "ثمن الحرية: اقتصاديات الحرية والتحرّر في صراعات الحداثة العربية" أكد فيها على أن الحرية قضية شائكة في الواقع العربي، مشيرا إلى أنها تجلّت في الغرب الذي كان له ريادة في تقديم مبدأ الحرية على غيره من المبادئ، وتعميمه على البشرية كافة، وكيف وصلت إلى تحرير الاقتصاد وجعل التعامل مع المسألة الاقتصادية أساس مسألة الحرية.

وقال الأفندي إن هذا الدور الحاسم الذي قامت به الليبرالية في الدفاع عن الحرية جعل "من المستحيل تموقع التفكير في الحرية خارجًا عنها أو بالقفز حولها"، على الرغم من أنّها قد تحتاج إلى إعادة صوغ، بخاصة في صورتها المتعولمة التي تقدّم حرية الاستطاعة على حرية الإرادة. وهو ما يطرح بدوره سؤال "تبيئة" الحرية في المجتمعات غير الغربية، وفي مقدّمتها المجتمعات العربية الإسلامية.

وأضاف بأن أحد الأسئلة المحورية التي تطرحها هذه الورقة هو، بافتراض صحة ما يقال عن المجتمعات العربية، وكونها لا تزال تحفل بتضمينات ما قبل الحداثة، من قبلية وطائفية وغيرها، وهو: كيف يمكن "بناء الحرية" في مثل هذه المجتمعات بما يضمن التناسق فيما بينها وتنظيم الصراع بحيث يظل سلميًا ومؤسسيًا بدلًا من أن يتحول إلى العنف أو الفوضى؟

وشدد على أنّ مفهوم الحرية "الفردية" لا معنى له ولا وجود له خارج إطار منظومة اجتماعية معيّنة، ولا ينفصل عن مفهوم الجماعة التي تشكّل هذه المنظومة، وأنّ هذا المفهوم متأصّل في كلّ الثقافات، بما في ذلك الثقافة العربية قبل الإسلام وبعده، تعمد الورقة إلى مناقشة "الليبرالية الإسلامية" بوصفها طريق المستقبل، وضمانة التحول الديمقراطي في البلدان ذات الغالبية الإسلامية.

الحرية في الاسلام

من جانبه، قدم الباحث معتز الخطيب ورقة "الحرّيّة الدينية وقتل المرتد: مدخلٌ لإعادة التفكير في الاجتهاد الفقهي" عالج فيها الحرّيّة الدينية في التفكير الإسلامي بتشعّباته المتعدّدة، ومفاهيم الحرّيّة في التراث والقرآن. والإضافة التي يقّدمها هذا البحث تتمثّل بثلاث جهات الأولى أنه يوضح "النظام الفقهي" ومبناه في تقرير عقوبة الردّة، والثانية أنه يوضح كيف أنّ عقوبة الردّة الفقهية تصلح مثالاً نموذجيًا لضرورة إعادة التفكير في الاجتهاد الفقهي وآلياته، والثالثة أنه يوضح أثر تبدل القيم الأخلاقية (الإكراه على الدين "الحق") وتطوّر المفاهيم (الحرّيّة) على التفكير الفقهي وأحكامه.

وقدّم الباحث صورة مفصّلة عن النقاشات المختلفة حول الحرّيّة الدينية والإكراه على الدين في مرحلتين: المرحلة الكلاسيكية والمرحلة الحديثة والمعاصرة. كما أوضحَ أبعاد الجدل حول قيمة الحرّيّة الدينية والأسس التي استند إليها القول بأخلاقية الإكراه على الدين أو لا أخلاقيته. كما بحث في السياقات التاريخية التي ولّدت تلك النقاشات المختلفة.

وجعل الخطيب من مسألة الحرّيّة الدينية وحكم المرتدّ مثالاً نموذجيًّا قدّم من خلاله مقاربة منهجية للتفكير الفقهي، وبيّن أسسه ومبناه وأدواته في الاستنباط والحِجاج. كما قدّم بالمقابل مقاربة نقدية ثلاثية الأبعاد للمنهج الفقهي تمثّلت بالأبعاد المنهجية، والتاريخية، والأخلاقية.

ثقافة عالمية

بدورها قدمت الباحثة السودانية محاسن يوسف عبدالجليل ورقة "الحرية في التمثلات الاجتماعية: بين الثقافة العالِمة والثقافة الشعبية، من صلب الحلاج إلى إعدام محمود محمد طه" قالت فيها إن كثيرًا ما تتناول مفهوم الحرية، وما تأسس عليه من مقاربات وأسئلة حول التقدم والحداثة في المجتمع العربي، وكأنه قد تشكل بالأساس من خلال تمثّلات"الثقافة العالمة" التي بادر إليها وهيأ لها خطاب رواد النهضة العربية؛ وهو تأويل فيه كثير من مطابقة الواقع، غير أنه يبدو نافيًا لمساهمة "الثقافة الشعبية" ووعيها في بناء هذا الخطاب.

وأشارت إلى وجود أكثر من خطاب فاعل حول الحرية في الواقع العربي، تعبر جميعها عن فاعلية اجتماعية وفاعلين اجتماعيين، وتتبدى جميعها كتجليات لتمثلات منتجة ومعبرة عن أنساق متعددة داخل الحقل الاجتماعي، ومعبرة في آنٍ عن مستويات متفاوتة داخل النسق الواحد، كما أنها تبرز بحق طبيعة التمثل الاجتماعي، كتركيب لديناميكية مؤلفة من التصورات المتنافسة للهيمنة على الرأسمال الرمزي، إذ تتجلى هنا التمثلات الاجتماعية كنمط من التفكير التطبيقي الموجه نحو التواصل والقهر والتحكم في المحيط الاجتماعي.

جدل غير موجود

فيما قال الباحث سعيد أقيور إن الحرّيّة الدينية لم تثير نقاشًا أو جدلًا في النسق الفكري والسياسي العربي التقليدي، وذلك لتمكن المسلمين من حكم بلاد واسعة، ووجود مضمون عقدي مثّل أساسًا لحضارة صاعدة، ووضوح الاعتبارات الاسلامية في معاملة المسلمين لغيرهم. فقبول الآخر المختلف حتى في العقيدة كان مبدأ مقررًا عند العلماء المسلمين ولا خلاف حوله، ومن ثمّ فهي قضية خارجة عن الإكراه. أما تخلّي المسلم عن دينه لأي سبب فقد حسمه الفقهاء بادعاء الإجماع حول قتل المرتد.

ونوهت إلى أن دخول العرب في أزمنة الحداثة قلب هذه المعادلة رأسًا على عقب، وشهدت كل الأطروحات التي كانت تعتقد أنها متينة وبعيدة عن النقد، الكثير من الجدالات والانتكاسات، وأحدثت استقطابات حادة على مستوى النخب العربية لتشهد ولادة تيارات أيديولوجية عدة بمقاربات مختلفة لعلاقة الدين بالحرّيّة؛ وفي مقدمة هذه التيارات التي في الأغلب رسمت بينها حدودًا فاصلة، من دون تخوم واصلة، التيار الديني والتيار العلماني.

من جانبه قال الباحث سامر عكاش إن سؤال غياب "الحرّيّة" في العالم العربي اليوم هو سؤال عن إخفاق المشروع النهضوي العربي في تحقيق أحلامه التنويرية ومبادئه الإصلاحية، نظرًا لأن الحاضر هو من صنع الأمس، وأن ثقافة القمع والاستبداد هي من صناعة النهضة العربية تحديدًا، ليس بآمالها العريضة الواعدة طبعًا، وإنما بإخفاقاتها المتكررة على الأصعدة الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية.

مساحة إعلانية