رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

2202

الشهيد الطفل محمـد التميمي.. صرخة "مات الولد" تملأ الأرجاء

10 يونيو 2023 , 07:00ص
alsharq
رام الله - محمـد الرنتيسي

كان محمـد التميمي ابن العامين، خفيفاً على أكف المشيعين في قرية النبي صالح شمال غرب مدينة رام الله، فهؤلاء الذين اعتادوا على تشييع الشهداء، لم يسبق لهم أن حملوا جثماناً بهذه الخِفّة، كان خفيفاً عندما تسابق المشيعون على حمله، وحملته معهم قلوب الفلسطينيين الحزينة، على هذه الجريمة المدوية.

محمـد الذي لم يعرف من الدنيا سوى ألعابه، ارتقى برصاصة قناص إسرائيلي استقرت في رأسه، خلال اقتحام معتاد لقرية النبي صالح، بينما كان يحتمي في حضن والده، الذي أصابه الرصاص كذلك، في مشهد تراجيدي، أعاد إلى أذهان الفلسطينيين، مشهد قتل الطفل محمـد الدرة، خلال الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى، فكانت عبارة "مات الولد" تُسمع ثقيلة في الأرجاء، ويتردد صداها في بيت عائلة التميمي، بلغة لا يفهمها إلاّ أطفال فلسطين، ومن يبادلونهم الشعور بالحسرة والألم، لفقدان هذه الكوكبة الغضة.

كان محمـد خفيفاً على الأكف، لكن جريمة إعدامه كانت وستظل ثقيلة وصاعقة على قلوب المشيعين، الذين أودعوه الأرض الحانية، إلى مثواه الأخير قبل أن يبدأ، وقبل أن يسرح بطموحاته وأحلامه الوردية، التي اغتالتها آلة القتل الإسرائيلية.

في موكب تشييع محمـد، ذهول على الوجوه، ودموع تتدفق من العيون، الكل كان يبكي بكل ما يملك من ألم، فثمة شيء ما يجعلهم أكثر حزناً وكمداً من كل المشاهد المأساوية التي ألِفوها، وربما كان محمـد يحلم بمستقبل مشرق له ولعائلته التي ذاقت مرارة الملاحقة والاعتقال، ربما كان قريباً من رحلة إلى القدس ومقدساتها العتيدة، وأسوارها العنيدة، لكن إرهاب الجنود القتلة، كان أقرب إلى حبل وريده، وحتى جمال أحلامه.

يروي هيثم التميمي والد الشهيد الطفل، حادثة استشهاد محمـد، مبيناً أن قوة من جيش الاحتلال شرعت باقتحام منازل المواطنين في قرية النبي صالح، تحت وابل من الرصاص، وتزامن ذلك مع خروجه مع طفله من المنزل، فأصابت رصاصة رأس محمـد، الذي حاول عبثاً الإحتماء بوالده، قبل أن يتوقف قلبه الغض، مسلماً الروح إلى بارئها.

يوالي التميمي لـ"الشرق" ولوعة في قلبه: "ما الذي اقترفه محمـد كي يغتاله جنود الاحتلال بكل هذه الوحشية"، متسائلاً: "ألا تكفيهم كل جرائم القتل والاغتيال التي يمارسها هؤلاء ضد الشبان الفلسطينيين، وماذا كان بوسع هذا الطفل فعله أمام جنون وغطرسة القوة، وهل كان بمقدوره أن يحتمل منظر الجنود المدججين بكل الإجرام والسادية، وهم يلاحقونه وأقرانه كالأحصنة الجامحة"؟.

ولم يكن يعرف أحد من أبناء قرية النبي صالح، أن رصاص الاحتلال سيخترق كل الخطوط الحمراء، كي يقتل طفلاً في مهده، وأمام منزله، فقد كان محمـد غارقاً في أحلامه الوردية، قبل أن يعود إلى بيته غارقاً بدمائه، كما لم يعرف أحد حتى الآن، الجرم الذي ارتكبه الطفل و"استحق" عليه القتل!.

في الوداع الأخير، اخترق موكب محمـد جموع الجنود المدججين بالقتل على مدخل قريته، كانت عيونه ترمقهم وتتأمل آلياتهم، وربما كان يمط لسانه للاحتلال وآلته، جاعلاً منه مهزلة للأجيال، كأنما كان يخاطبهم: "هذا الدمار منكم وإليكم.. فلا مكان لكم هنا.. وهنا لا مكان لقتلكم وإجرامكم".

مساحة إعلانية