رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رمضان 1436

6314

القرضاوي: الشيخ عبد الحليم كان رجلًا متصوفًا فكرًا وعاطفة وعملًا

06 يوليو 2015 , 02:40م
alsharq
الدوحة - بوابة الشرق

الكتاب: "في وداع الأعلام"
المؤلف: الشيخ د. يوسف القرضاوي
الحلقة : العشرون

إن أخطر شيء على حياة الأمة المعنوية، أن يذهب العلماء، ويبقى الجهال، الذين يلبسون لبوس العلماء، ويحملون ألقاب العلماء، وهم لا يستندون إلى علم ولا هدى ولا كتاب منير. فهم إذا أفتوا لا يفتون بعلم، وإذا قضوا لا يقضون بحق، وإذا دعوا لا يدعون على بصيرة، وهو الذي حذر منه الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمرو "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" (متفق عليه).
ولعل هذا الشعور هو الذي دفعني في السنوات الأخيرة إلى أن أمسك بالقلم لأودع العلماء الكبار بكلمات رثاء، أبين فيها فضلهم، وأنوّه بمكانتهم، والفجيعة فيهم، حتى يترحم الناس عليهم، ويدعوا لهم، ويجتهدوا أن يهيئوا من الأجيال الصاعدة من يملأ فراغهم، وإلا كانت الكارثة.
إن مما يؤسف له حقّاً أن يموت العالم الفقيه، أو العالم الداعية، أو العالم المفكر، فلا يكاد يشعر بموته أحد، على حين تهتز أجهزة الإعلام، وتمتلئ أنهار الصحف، وتهتم الإذاعات والتلفازات بموت ممثل أو ممثلة، أو مطرب أو مطربة أو لاعب كرة أو غير هؤلاء، ممن أمسوا (نجوم المجتمع)!.
وأسف آخر أن العلمانيين والماركسيين وأشباههم إذا فقد واحد منهم، أثاروا ضجة بموته، وصنعوا له هالات مزورة، وتفننوا في الحديث عنه، واختراع الأمجاد له، وهكذا نراهم يزين بعضهم بعضاً، ويضخم بعضهم شأن بعض. على حين لا نرى الإسلاميين يفعلون ذلك مع أحيائهم ولا أمواتهم، وهذا ما شكا منه الأدباء والشعراء الأصلاء من قديم.

وفي هذه الحلقة يتحدث الشيخ القرضاوي عن الدكتور عبد الحليم محمود وعبد الله المشد ود. علي جمّاز:


شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود
رجل العلم والفلسفة والتصوف
(1328 - 1397هـ = 1910 - 1978م)

الشيخ عبد الحليم محمود من قرية أبو أحمد التابعة لمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، ولد في 2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ الموافق 12 من مايو 1910م، والتحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة (1932م)، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في سنة (1940م).


تدريسه لي مادة الفلسفة الإسلامية:
كان الشيخ من أبرز من درسني في كلية أصول الدين، فقد درسني في السنة الثالثة مادة (الفلسفة الإسلامية) وقد اختار لنا كتاب الدكتور إبراهيم بيومي مدكور (الفلسفة الإسلامية: منهج وتطبيق)؛ ليكون موضوع دراستنا، كما درَّس لنا فصلًا من كتاب (الإشارات والتنبيهات) لابن سينا، يتعلق بالتصوف.
ودرسنا في السنة الرابعة: (فصولًا في التصوف في ضوء المنقذ من الضلال) لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي، كما أعطانا فكرة عن فلسفة الأندلس، في ضوء (قصة حي بن يقظان) لابن طفيل، بالإضافة إلى نظرات في الفلسفة الحديثة، التي درسنا فصولًا منها في (النظريات الأخلاقية).
كان الدكتور عبد الحليم في تلك الآونة، يلبس الحلة (البذلة) الإفرنجية، كما كان حليق اللحية، ولكنه كان رجلًا متصوفًا: فكرًا، وعاطفة، وعملًا، وكان لا يهتم بالمظاهر لا في نفسه، ولا في بيته.
وقد زرته في بيته بضاحية الزيتون عدة مرات، وحدي أحيانًا، ومع الأخ عبد الودود شلبي أحيانًا، فكان بيته متواضعًا في أثاثه وفراشه، لا يليق برجل تخرج في فرنسا.
وكان كثيرَ الصمت، لا يتكلم إلا قليلًا، وكان معجبًا بشيخه في فرنسا، وهو (رينيه جينو) أو (عبد الواحد يحيى)، وهذا اسمه بعد أن أسلم، وكان متصوفًا كبيرًا، وكثيرًا ما حدثنا عنه، وكتب عنه رسالة نُشرت.
وقد عُيِّن بعد ذلك عميدًا لكلية أصول الدين، ثم تولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم تولى وزارة الأوقاف، وصدر قرارٌ بتعيينه شيخًا للأزهر في (22 من صفر 1393هـ الموافق 27 من مارس 1973م. وكان من أبرز شيوخ الأزهر، الذين لهم مواقف تذكر، وإن أخذ بعض الناس عليه- وأنا منهم- في تصوفه ما أخذوا، مما قد يُعَدُّ من الغلو، يغفر الله له ولنا معه، ومن ذا الذي أجمع عليه الناس؟


لقائي به في الهند:
أراد العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي أن يجمع كبار علماء الأمة ودعاتها بهذه المناسبة، ليروا (ندوة العلماء)، هذه المؤسسة الفريدة بأعينهم، ويلمسوا آثارها بأيديهم، ويتحسسوا حاجاتهم بأنفسهم، ويساهموا في إقامة مشروعاتها المستقبلية. ولهذا لم يسعنا حين وصلتنا دعوة الشيخ إلَّا أن نلبي النداء، ونهرع إلى هناك، وكنا وفدًا من قطر مكونا من فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، وفضيلة الشيخ عبد المعز عبد الستار، والفقير إليه تعالى، وقد دُعِيَ عدد من الإمارات على رأسهم فضيلة الشيخ أحمد عبد العزيز المبارك، رئيس القضاء الشرعي، وعدد من علماء المملكة العربية السعودية ورجالها، ومن الكويت والبحرين ومصر وغيرها، وكان على رأس الوفد المصري الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، وفضيلة الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف.
كان المتبع في مثل هذه الأحوال: أن يكون الشيخ أبو الحسن الندوي هو رئيس هذا المهرجان أو المؤتمر، ولكنه أبى إلا أن يكون الرئيس هو شيخ الأزهر الشيخ عبد الحليم محمود.
وكانت دولة الهند إكراما للشيخ أبي الحسن، واعترافًا بمنزلته في العالم الإسلامي، قد استضافت عددا من الضيوف، وهيأت لهم زيارة بعض المناطق السياحية، في دلهي، وفي تاج محل وغيرهما. وكان الشيخ عبد الحليم محمود، والشيخ الذهبي، والشيخ الأنصاري، والشيخ عبد المعز، وأنا، ممن نزلوا ضيوفًا على الدولة، وذهبنا للسلام على رئيس الجمهورية، وكان مسلمًا، وهو الدكتور ذاكر حسين، والمعروف أن رئيس الجمهورية في الهند ليس له سلطات تذكر، وإنما السلطة في قبضة رئيس الوزراء، على غرار النظام الإنجليزي.


زيارته لقطر:
وفي عام 1973 زار الشيخ عبد الحليم محمود قطر، وزار المعهد الديني، وكنت ما زلت مديرا له، وألقى كلمة للطلاب والمدرسين، وزار عدة أماكن في قطر، منها كلية التربية التي كنت أدرس فيها بعض المواد، وكان عميدها الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم كاظم الذي كان عميدًا لكلية التربية بجامعة الأزهر.

شجاعة الشيخ ومواقفه:
من مواقفه أنه بعد عودته من فرنسا كان يرتدي البدلة، غير أنه بعد سماع خطبة للرئيس عبد الناصر يتهكَّم فيها على الأزهر وعلمائه بقوله: إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه. فغضب الشيخ، وشعر بالمهانة التي لحقت بالأزهر، فما كان منه إلا أنه خلع البدلة، ولبس الزيَّ الأزهريَّ، وطالب زملاءَه بذلك، فاستجابوا له تحديًا لعبد الناصر، ورفعًا للمهانة عن الأزهر وعلمائه.
كما كان له موقفه الشجاع نحو قانون الأحوال الشخصية، الذي روَّج له بعضُ المسؤولين بتعديله؛ بحيث يقيَّد الطلاق، ويُمنَع تعدد الزوجات، فانتفض الشيخ وقال: لا قيودَ على الطلاق، إلا من ضمير المسلم، ولا قيودَ على التعدد، إلا من ضمير المسلم. ولم يهدأ حتى أُلغي القرار.
وفي يوليو 1974م صدر قرارٌ جمهوري بتنظيم شؤون الأزهر، وتحديد مسؤولياته، على أن يكون الأزهر تابعًا لمسؤولية وزير شؤون الأزهر؛ ما أفقد الأزهر استقلالَه، فأسرع الشيخ بتقديم استقالته في أول أغسطس؛ احتجاجًا على القرارِ، ولم يعُد لمنصبه إلا بعد إلغاء القرار وصدور اللائحة التنفيذية التي تخوِّل للأزهر شؤونه.

عبد الله المشد
(1321 - 1411هـ = 1903 - 1990م)

العالم الأزهري، والفقيه الأصولي المستنير، الشيخ عبد الله المشد، شغل عدة مناصب علمية ودعوية، منها: مدير الوعظ بالأزهر، وعضو بمجمع البحوث الإسلامية، ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر، والمستشار الديني لبعض البنوك الوطنية.
وكان المشد رجل صدق، ومن العلماء النابهين الناشطين من أبناء مديرية البحيرة، مثل الشيخ شلتوت، والدكتور البهي، والدكتور ماضي.
وقد كان معنيًّا بالقضايا الإسلامية، وكان رئيسًا للبعثة التي أرسلها الأزهر إلى بلاد (الصومال) و(أريتريا) و(عدن) و(الحبشة)، لدراسة أحوال المسلمين بهذه البلاد.
واستغرقت رحلة البعثة ثلاثة أشهر، ما بين يوم 26 من شعبان سنة 1370هـ الموافق أول يونيو سنة 1951م ويوم 29 من ذي القعدة الموافق أول سبتمبر سنة 1951م. وكتبت تقريرا مفصلًا، يتسم بالدقة والاعتدال والواقعية، يقع في مائة وستين صفحة كبيرة. ومع هذا فقد حوى ذلك التقرير عجبًا عجابًا عن الاضطهاد الديني في القرن العشرين، ولا غرو أن ظل رجال إريتريا الكبار، وشبابها الصغار، يترددون على الشيخ المشد، ولا سيما عندما بدأوا يفكرون في إنشاء حركات التحرير من الاحتلال الإثيوبي لبلدهم، والاستقلال عن الحبشة، وأذكر من هؤلاء الأستاذ آدم إدريس، أحد الزعماء المرموقين، الذين قاوموا جبروت وطغيان هيلاسلاسي الذي حكم إثيوبيا بين 1928 و1974.
ومن المواقف التي أذكرها للشيخ المشد، عندما اعتقلت في مصر بعد عودتي من قطر في الإجازة السنوية لعام (1962م)، ولم يعرف أهلي إلى أين أُخِذْتُ، فذهبت زوجتي (أم محمد رحمها الله) إليه في مكتبه بالأزهر، ليساعدها في الوصول إليَّ، فحاول واجتهد، ولكنه عجز عن أن يصل إلى شيء.
ومما أخذته على الشيخ، أمر يغتفر في بحر حسناته، ولكن أذكره للتاريخ، فقد ساءني أن أرى اسمه ضمن من كتب في الملحق الذي أصدرته مجلة (منبر الإسلام)، التي كانت تصدر عن (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) الذي يديره الضابط المعروف توفيق عويضة أمينه العام، والذي كانت تعلو كلمته على كلمة وزير الأوقاف إذا تعارضتا، وكان ملحقًا خاصًّا مثيرًا، عنوانه: "رأي الدين في إخوان الشياطين"! وكان ذلك في أثناء محاكمات تنظيم (1965)، وقد كتب فيه عدد من العلماء والمشايخ، كنت أربأ ببعضهم أن ينساقوا في هذا التيار، ويُستخدَموا أدوات في أيدي الظلمة الجبارين، وكان من هؤلاء الأسماء التي ساءني أن أراها في هذه القائمة: الشيخ عبد الله المشد، والأستاذ أنور الجندي، والمعروف أنه من الإخوان. ولكن يبدو أن الضغط كان شديدًا!. غفر الله لهما.


فتاوى تدل على تمكن الشيخ المشد:
وكان للشيخ المشد رحمه الله عديد من الفتاوى المهمة، والاجتهادات التي تدل على تمكنه الفقهي، منها جواز ذبح الهدي خارج الأراضي الحجازية، إذا لم يجد الحاج من يأكل ذبيحته هناك، ليستفيد بها فقراء المسلمين، وترتب على فتواه هذه أن أقامت المملكة العربية السعودية مصانع لتعليب الذبائح، وإرسالها إلى المسلمين الفقراء في العالم.
وله أيضا فتاوى حول تحديد أوائل الشهور العربية، وحول فرق القيمة الذي اعتبره ليس من الربا المحرم، وله فتوى أجاز فيها نقل الأعضاء، وأجاز التأمين على الحياة.


من مؤلفاته:
- تقرير عن أحوال المسلمين في بلاد الصومال وأريتريا، 1957م.
- علي مبارك: حياته ودعوته وآثاره، بالاشتراك مع محمود الشرقاوي، 1962م.
- واشترك مع أمين الخولي في تأليف كتاب "الآداب الدينية الاجتماعية"، 1966م.

د. علي جمّاز
العالم الداعية المعلِّم
(ت: 1993م - 1414هـ)
تعرفي على الأخ الشيخ جماز:
عرفت أخانا الشيخ علي جمّاز في قطر، وكان من المجموعة التي سبقتنا متعاقدة مع وزارة التربية– أو وزارة المعارف- لتدريس العلوم الشرعية. وكان الشيخ عبد الله بن تركي مفتش العلوم الشرعية والمسؤول الأول عنها، حريصًا على استحضار علماء الأزهر لتدريس هذه العلوم، وكان يفخر بذلك.
وكان لهذه العلوم أهميتها ويترتَّب عليها نجاح ورسوب. وكان من حُسن حظ الإخوان المسلمين الذين رفضت الحكومة المصرية تعيينهم في مدارسها: أن يجدوا باب قطر ودول الخليج مفتوحًا لهم، فولجوه بقوة، مع من ولجه من أبناء الأزهر.
كان الشيخ علي عالمًا وداعية، يتميَّز بحضوره وحُسن فهمه، وحسن تلاوته للقرآن الكريم، ولذا كنت أقدِّمه أحيانًا ليصلي بالناس بعض صلاة التراويح نيابةً عني، وقد كان رحمه الله يحسن عرض حقائق الإسلام في خطبه في المساجد وغيرها.
وقد ظل واضح الصوت، مسموع الكلمة، طوال الفترة التي قضاها معي في المعهد، مع إخوانه الآخرين من علماء الأزهر النابهين.


اقرأ أيضاً

اقرأ المزيد

alsharq مأدبة إفطار للطلبة القطريين في أمريكا

الرعاية والاهتمام بأبناء قطر لا يقتصر على داخل الدولة ,بل يتعداها الى متابعة شؤون الطلبة القطريين حيث تواجدوا... اقرأ المزيد

1259

| 16 يوليو 2015

alsharq الهلال القطري يدعم القطاع الصحي الفلسطيني بنصف مليون دولار

لم توقف الهلال الأحمر القطري عن رسالته الإنسانية بدعم القطاع الصحي في فلسطين من خلال تنفيذ مشروع كبير... اقرأ المزيد

274

| 16 يوليو 2015

alsharq "الهلال القطري" يشيِّد 32 بئراً إرتوازية وسطحية في سريلانكا

نفذ الهلال الأحمر القطري مشروع حفر آبار سطحية وارتوازية، بالتعاون مع الإدارة العامة للأوقاف بقطر، ولجنة الإغاثة الإسلامية... اقرأ المزيد

971

| 16 يوليو 2015

مساحة إعلانية