رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في تاريخ العلاقات الدولية، تتكرّر ظاهرة خطيرة تُصيب بعض الدول أو القوى العظمى حين تمتلك فائضًا من القوة العسكرية أو الاقتصادية أو التقنية؛ ظاهرة تُعرف بــ “سكر القوة” أو «وهم التفوق المطلق».
حين تشعر دولة ما بأنها تتفوق على الآخرين، ينشأ لديها ميلٌ إلى الاعتقاد بأن القواعد التي تنطبق على غيرها لا تنطبق عليها، وأن القوة المفرطة قادرة على حمايتها من أي اعتراض أو مساءلة، بل وحتى من أحكام القانون الدولي.
لكن القارئ لا يحتاج إلى الذهاب بعيدًا في كتب التاريخ ليجد مثالًا حيًا على مخاطر القوة المفرطة؛ يكفي أن يتابع المشهد في الشرق الأوسط خلال الأيام القليلة الماضية.
فبذريعة “الدفاع عن الدروز” شنّت دولة الاحتلال إسرائيل عدوانًا جديدًا على الأراضي السورية، متجاهلةً أبسط قواعد السيادة، ومستخفةً بالقانون الدولي. وفي الوقت نفسه لم تتردد في انتهاك سيادة لبنان وخرق اتفاق وقف إطلاق النار القائم منذ سنوات، وكأن هذه الاتفاقات لا قيمة لها أمام إرادة القوة.
هذا السلوك ليس حادثة عابرة، بل هو تجسيد حيّ لسياسة يترجمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكل وضوح؛ سياسة تقوم على قناعة خطيرة بأن التفوق العسكري المطلق مضمون النتائج وأنه علاوة على ذلك يوفر حصانة من المحاسبة الدولية، وأن بإمكان إسرائيل ليس فقط إبادة الغزاويين وتجويعهم حتى الموت وتهجيرهم، بل حتى إعادة رسم الشرق الأوسط وفق رؤيتها، ولو كان ذلك عبر تجاوز حدود الدول وقواعد القانون الدولي، حيث تبرر القيادة المتغطرسة تدخلاتها وتجاوزاتها على سيادة دول اخرى، بذرائع “أمن قومي” أو “نظام إقليمي جديد” …
المخاطر الذاتية لثقة مفرطة بالنفس
حين تُصاب دولة أو قيادة بهذا الشعور، تتراكم لديها أخطاء قاتلة على المستوى الداخلي:
1. تراجع العقلانية في تشخيص مصالح الوطن أمام علو صوت القوة الفائقة والغطرسة.
2. تآكل الحس النقدي: تغيب المراجعة الذاتية وتُهمّش الأصوات التي تحذّر من المغامرة، فيسود الرأي الواحد.
3. الاستنزاف الاقتصادي: الإفراط في التسلّح والإنفاق العسكري يؤدي إلى إرهاق الاقتصاد وتراجع التنمية.
4. الانفصال عن الواقع، بين الآنيّ والاستراتيجي، وان ما يمكن تحقيقه في الأمد القريب قد لايمكن الحفاظ عليه في الأمد البعيد عندما يتغير ميزان القوة. وان التفوق ليس امراً مسلماً به على الدوام.
5. استدراج الخصوم إلى سباق تسلّح: يؤدي سلوكها المتفوق ظاهريًا إلى ردود فعل حادة من دول أخرى، فتبدأ سباقات تسلح، وتنتشر الفوضى. زرع الخوف لدى الدول الاخرى وبالتالي دفعها لاتخاذ مواقف مضادة، ربما جماعية، واعادة النظر بتسليح جيشها وتجهيزه بهدف معالجة التفوق العسكري المقابل.
6. تراكم الأعداء في الداخل: يتزايد الاحتقان الشعبي والرفض لأي مغامرة جديدة حين يرى المواطن أن رفاهيته تُضحى بها لصالح أوهام العظمة.
وهْم الحصانة من العقاب
القوة المفرطة لا تعني الحصانة الأبدية. حيث يؤكد التاريخ بأن الدول التي اعتمدت على شعور التفوق المطلق وانطلقت إلى المغامرات الخارجية، انتهت إلى مصير مأساوي.
أبرز الأمثلة على ذلك: ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
حين صعد هتلر، هو لم يكتف بإعادة بناء الجيش الألماني بل اندفع إلى أقصى درجات التمدد العسكري على الارض معتقدا أن التفوق التكنولوجي والتنظيمي كفيلان بإخضاع أوروبا كلها، اجتاحت الجيوش النازية بولندا وفرنسا والاتحاد السوفيتي وتجاوزت القوانين والمعاهدات الدولية ….لكن هذا الشعور بالتفوق كان سرابا فقد تحول الجيش النازي إلى آلة استنزاف دمرت موارد ألمانيا واستدرجت تحالفا عالميا أطاح به في النهاية، انتهت ألمانيا بهزيمة ساحقة، بينما أكدت محاكمات نورمبرغ فيما بعد أن الجرائم لا تسقط بالتقادم كما ان القوة المفرطة مهما بلغت لن تعلو على سيادة القوانين الدولية، وان طال الزمن.
العبرة للدول المعاصرة
إن الإغراء الذي تمارسه القوة المفرطة على صاحب القرار لا يختلف كثيرًا عبر العصور عن أي دولة معاصرة تتصور أن تفوقها العسكري أو الاقتصادي قد يوفر لها حصانة من الاعتراض أو المساءلة، انها ببساطة تغامر باستعادتها أخطاء الماضي.
قد تتمكن هذه الدولة من فرض إرادتها مؤقتًا، لكنها ستدفع لاحقًا أثمانًا باهظة: من سمعتها الدولية، مقبوليتها عالمياً وإقليمياً، من أمنها الداخلي، من تغيّر موازين القوى مستقبلا لغير صالحها، ومن اقتصادها الذي يتآكل تحت ضغط سباق الهيمنة.
نحو توازن واستدامة
القوة ليست مذمومة بحد ذاتها، لكن خطورتها تكمن في الغطرسة المصاحبة لها. الدولة الرشيدة هي التي:
1. توظف قوتها في حماية مصالحها دون انتهاك سيادة الآخرين.
2. تدرك أن القانون الدولي ليس قيدًا بل ضمانة لسلام مستدام.
3. تراجع سياساتها بانتظام وتستمع إلى الأصوات الناقدة.
استدراك …!
لايمكن الحديث بالطبع عن القوة الفائقة لدولة الاحتلال اسرائيل ولا عن غطرستها دون ربطها بالترسانة العسكرية للغرب، أوروبا والولايات المتحدة على وجه الخصوص، والرابطة العضوية بين الأطراف لازالت في اعلى مناسيبها، لكن متى قطعت سلاسل الامداد، بتغير الموقف السياسي، وهو ممكن، عندها ستحرم إسرائيل من ميزة التفوق المطلق، إذاً عليها لا تباهي بقوتها وتفوقها ….فهي ليست ذاتية انما مستوردة ! من جهة اخرى، القوة ليست ترسانة عسكرية فحسب، بل هي حصيلة ثلاثة عوامل أساسية: السلاح، المقاتل، القيادة. ويفترض ان تتمتع العناصر الثلاثة بأعلى درجات الاهلية المطلوبة لتحقيق التفوق اللازم على العدو.
وبإجراء حسبة بسيطة يمكن الاستنتاج إلى ان دولة الاحتلال لا تتمتع بتفوق عسكري حقيقي على العرب، بل وهمي، ذلك لان قوة العدو لا يقابلها سوى ضعف عربي، ورغم اننا نملك السلاح التكنولوجي المتقدم كماً ونوعاً، كما يتوفر للسلاح مقاتل ماهر عزوم، فإن ما ينقصنا ويضعفنا هو غياب وحدة المؤسسة العسكرية العربية رغم وجود اتفاقية الدفاع العربي المشترك، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية …..حيث يبقى القرار العسكري معلقاً الى إشعار آخر !
غطرسة الكيان المحتل تشكل استفزازاً لا سابق له في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، والمفروض ان نعمل على عجل، نراجع، نعالج الخلل، ونصوّب المسار ….وها هي المنازلة في غزة قد منحتنا جرعة هائلة من الثقة بالنفس …فكيف لو اقترنت بسلاح متقدم، وقيادة عزومة أعدّت للأمر عدته وأحسنت التوكل على الله هنا يكمن التفوق.…
في عالم يموج بالتحديات والمخاطر، يظل الإنسان بحاجة دائمة إلى ما يربط قلبه بالسكينة والطمأنينة، وليس هناك سبيل... اقرأ المزيد
87
| 19 سبتمبر 2025
«سكان قطاع غزة -كلّهم- مهدّدون بالموت الجماعي جوعاً». بهذه الكلمات الموجعات، التي تتداعى لها المشاعر من أقطار النفس... اقرأ المزيد
129
| 19 سبتمبر 2025
سأحكي حزنَ قدسٍ من أَسايا نفوسٌ تمطرُ الرّمادَ شَظايا وأقلامٌ تراسلُ الحزنَ نعيًا كلامٌ ينتجُ السّحابَ خطايا فكيفَ... اقرأ المزيد
75
| 19 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
● سياسي من العراق
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
خنجر في الخاصرة قد لا يبقيك مستقيما لكنه ليس موتًا محتومًا. الطعنة قد تُنهك الجسد، لكنها تُوقظ الوعي. وبين الألم والصمت، يظل التعليم هو السلاح الأصدق يعلّمنا كيف نحول الخنجر إلى درس، والنزيف إلى ميلاد جديد. وحين نتعلم ذلك، سنستطيع أن نكتب تاريخًا لا يُختزل في طعنة، بل في كيفية النهوض بعدها، حتى لو جعلتنا الطعنة لحظةً لا نستطيع أن نستقيم ولا أن ننحني. الطعنة ليست مجرد نزيف جسدي، بل نزيف قيمي، يعكس خيانة الثقة وارتباك المصالح، ويمتد أثره إلى الوعي الجمعي، حيث يتحول الألم الفردي إلى جرح اجتماعي، لا يُعالج إلا ببناء عقول قادرة على فهمه وتجاوزه. ما ردور الأفعال المحتملة بعد طعنة الخاصرة؟ 1. الانكسار والصمت: حين يختار المجتمع الصمت بعد الطعنة، فإنه يتعوّد على الخوف، ويورّثه للأجيال. يصبح الاستسلام عادة، وتتحول الكرامة إلى ذكرى. • انعكاس اجتماعي: مجتمع صامت يولّد أجيالًا مستكينة، ترى في الخضوع نجاة. • المعالجة بالتعليم: غرس قيم الشجاعة الفكرية، وتعليم الطلاب منذ الصغر أن التعبير عن الرأي ليس جريمة، بل حق وواجب. 2 - الانتفاض والثأر. ردّ الفعل الغاضب قد يحوّل الألم إلى شرارة مقاومة، لكنه قد يفتح أبواب العنف. الثورة بلا وعي تُنتج فوضى، لا حرية. • انعكاس اجتماعي: مجتمعات تعيش على وقع الثأر تفقد استقرارها، وتُدخل أبناءها في دوامة عنف متجددة. • المعالجة بالتعليم: تعليم فنون إدارة الأزمات، وتعزيز ثقافة الحوار والمقاومة السلمية، ليُوجَّه الغضب إلى بناء لا إلى هدم. 3. التفاوض والمرونة الطعنات قد تكون رسائل سياسية. المرونة والتفاوض خيارٌ يُنقذ ما تبقى، لكنه قد يُفسَّر ضعفًا أو خضوعًا. • انعكاس اجتماعي: مجتمعٌ يتبنى ثقافة المساومة قد ينقسم بين من يرى فيها حكمة ومن يراها تنازلًا. • المعالجة بالتعليم: إدخال مناهج تُدرّس فنون التفاوض والوساطة، حتى ينشأ جيل يوازن بين صلابة المبادئ ومرونة المصالح. 4. التحالفات الجديدة كل خنجر قد يدفع إلى إعادة الحسابات، والبحث عن حلفاء جدد. لكنه خيار محفوف بالمخاطر، لأنه يبدّل خريطة الولاءات. • انعكاس اجتماعي: قد يعيد الأمل لفئة، لكنه قد يزرع الشك والانقسام في فئة أخرى. • المعالجة بالتعليم: تعليم التاريخ والسياسة بنَفَس نقدي، حتى يفهم الطلاب أن التحالفات ليست أبدية، بل مصالح متحركة يجب التعامل معها بوعي. 5. التجاهل والمكابرة أخطر الخيارات هو الادعاء أن الطعنة سطحية. المكابرة هنا نزيف صامت، يُهلك من الداخل بلا ضجيج. • انعكاس اجتماعي: يولّد مجتمعًا يهرب من مواجهة الحقائق، ويغرق في إنكار الواقع. • المعالجة بالتعليم: إدخال قيم النقد الذاتي والشفافية، وتربية جيل يتعامل مع الأرقام والوقائع لا مع الأوهام. 6. الاستبصار والتحول أرقى الردود أن تتحول الطعنة إلى درس. فكل خنجر في خاصرة الأمة قد يكون بداية نهضة، إذا استُثمر الألم في التغيير. • انعكاس اجتماعي: مجتمع أقوى، يحوّل الجرح إلى مشروع بناء. • المعالجة بالتعليم: تعزيز التفكير النقدي والإبداعي، ليُصبح الألم مصدر قوة، والصمت فضاءً لإعادة صياغة المستقبل. وأنا أقول.. الأمة التي تقرأ جراحها لا تُهزم مهما تكررت الطعنات. وحده التعليم يحوّل الخنجر إلى درس، والصمت إلى صوتٍ أعلى.
1353
| 15 سبتمبر 2025
مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس بالدوحة، محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، إذ إنه قد كشف بوضوح عن نية الاحتلال في عدم إنهاء الحرب، وهذا ما أشار إليه مندوب مصر في الخطاب الجريء الذي أدلى به في جلسة مجلس الأمن، وتأكيده أن الاعتداء يكشف الجهة المعرقلة للاتفاقيات الراغبة في إطالة أمد الحرب لأهداف سياسية ودينية متطرفة. في السياق، حققت القضية نصرًا دبلوماسيًا قويًا، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مشروع قرار حل الدولتين، حيث حصل تأييد المشروع على 142 صوتًا، وعشرة أصوات معارضة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال، فيما امتنعت 12 دولة عن التصويت. الاحتلال بات يعاني أزمة عزلة دولية مثّل هذا الإقرار أبرز مظاهرها، إلا أنه على الرغم من ذلك يرفض نتنياهو وحكومته المتطرفة مشروع حل الدولتين بشكل قطعي، وقد أكد قبلها نتنياهو على ذلك بقوله الصريح: «لن تكون هناك دولة فلسطينية». السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يصر نتنياهو على رفض حل الدولتين وإن أدى لمواجهته دول المنطقة والدخول في عزلة دولية تفقده معظم حلفائه؟ الكيان الإسرائيلي يختلف عن الصورة النمطية للأنظمة الاستعمارية، التي تسعى للهيمنة والسيطرة، فالاحتلال الإسرائيلي قائم على إستراتيجية المحو الشامل للوجود الفلسطيني، وتشمل محو التاريخ واللغة والهوية والجغرافيا، فهو مشروع استيطاني إحلالي يستند في جوهره إلى إلغاء وجود الآخر الفلسطيني، ليتمكن ذلك الاحتلال من تحقيق هوية دينية وقومية حصرية. وربما يفسر ذلك ما حرص عليه العدو الصهيوني في نشأته الأولى من ترويج أسطورة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، كأساس يبني عليه ما تترجمه إستراتيجية المحو لاحقا، فيصبح الوجود الفلسطيني مشكلة وجودية لا عائقًا سياسيًا. النظم الاستعمارية السابقة (بريطانيا على سبيل المثال) كانت تتوسع وتحتل الدول اعتمادًا على قوتها الذاتية، كقوة عظمى لها مركز وأطراف، وتسعى للهيمنة على الدول، بهدف دعم نفوذها والسيطرة على ثروات تلك البلاد، لذلك لم تسع بريطانيا إلى الإحلال والدخول في معارك وجودية مع شعوب الدول المستعمرة. أما الكيان الإسرائيلي، فهو حالة خاصة، إذ إن قوته وقدرته على الاحتلال ليست ذاتية، بل هي قائمة بشكل كامل على الدعم الغربي والرعاية الأمريكية، إضافة للغياب العربي كما عبر الدكتور عبدالوهاب المسيري، وهما عنصران قابلان للتغيير، فلذلك تعيش دولة الاحتلال في قلق دائم من الوجود الفلسطيني، إذ إن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض والاحتلال عارض طارئ. انطلاقاً من إستراتيجية المحو ورفض الوجود الفلسطيني، أصدر الكنيست في 2018 قانون القومية، الذي يرسخ بشكل رسمي أن إسرائيل القومية للشعب اليهودي، وحق تقرير المصير فيها من حق الشعب اليهودي وحده، لنزع صفة المساواة عن الفلسطينيين داخل أراضي 48، وتوطئة كذلك لإقصائهم من الدولة اليهودية. دولة الاحتلال مصممة لتعيش داخل الحرب، فالحرب للإسرائيليين هي القاعدة وليست الاستثناء، وحراكها العسكري ليس دفاعًا عن النفس كما تدعي، لا يقوم على الدفاع كما تروج، لكن تقوم على الردع والهيمنة الإقليمية وإبقاء المنطقة في حال اشتعال دائم وعدم استقرار أبدي، والعسكرة كما هو معلوم جزء من الهوية الإسرائيلية، والشعب الإسرائيلي مُهيأ منذ النشأة نفسيًا وثقافيًا لحرب دائمة تعتمد على حقيقة وجوده في محيط عربي. ومنذ تأسيس الكيان وحتى اليوم، لم يمر وقت على الكيان الإسرائيلي دون أن يبدأ هو الحرب والعدوان، حرب 1948، وعدوان 56 على مصر بمشاركة انجلترا وفرنسا، وعدوان نكسة 67 الذي احتل فيه الضفة وغزة وسيناء والجولان، واجتياح لبنان عام 82، والحروب المتكررة على غزة، والهجمات المتواصلة على الأراضي السورية واللبنانية. يرفض الاحتلال الانخراط في أية تسوية سلمية من شأنها أن تمرر مشروع حل الدولتين، لأنه مدفوع بهوية دينية وثقافية إلى عبور الحدود، فقد أُنشئ هذا الكيان ليتمدد لا لينحصر داخل فلسطين، ومن ثم لا يستطيع المضي قدما لتحقيق هذه الأطماع إلا من خلال السيطرة التامة على فلسطين، ومن ثم لا ولن يعترف العدو الصهيوني بفكرة حل الدولتين.
780
| 14 سبتمبر 2025
شهدت الدوحة مؤخراً حدثاً خطيراً تمثل في قيام إسرائيل بقصف مقر تواجد وفد من قادة حركة حماس خلال مفاوضات جارية بوساطة قطرية، هذا الهجوم لم يقتصر أثره على إلحاق أضرار بالمباني المستهدفة، بل أسفر أيضاً عن استشهاد الوكيل عريف بدر سعد محمد الحميدي الدوسري من قوة الأمن الداخلي، وعدد من أعضاء حماس ومرافقيهم. يُعد هذا الاعتداء سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، فهو يمثل انتهاكاً مباشراً لسيادة دولة قطر التي تقوم بدور الوسيط المحايد بين إسرائيل وحركة حماس، في إطار الجهود الرامية إلى إطلاق الأسرى وإحلال السلام في غزة والمنطقة، إن تنفيذ غارة عسكرية داخل أراضي دولة مستقلة يضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية التي تضمن احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها. كما أن استهداف مقر مفاوضات، وليس ساحة قتال، يُعد خرقاً لأبسط القواعد الإنسانية التي توجب حماية الوسطاء والمشاركين في المفاوضات، وتعكس استخفافاً بدور قطر الذي حظي باعتراف إقليمي ودولي واسع. استشهاد بدر الدوسري، يرمز إلى أن قطر دفعت ثمناً رغم دورها كوسيط، كما أن مقتل أعضاء من حماس في هذه الضربة يشير إلى نية إسرائيل تقويض جهود التهدئة وعرقلة أي مسار تفاوضي يمكن أن يُفضي إلى تسوية سياسية. الهجوم لم يترك أثراً إنسانياً فحسب، بل ألقى بظلال من الشك على إمكانية استمرار الوساطات في مناخ آمن ومحايد، فالوسطاء يحتاجون إلى ضمانات دولية بعدم استهدافهم، وإلا فإن الثقة في العملية السياسية برمتها ستنهار. أمام هذا التطور، تبرز مسؤولية مجلس الأمن الدولي في تحمل واجباته، فقد عبّر المجلس عن قلقه إزاء الحادثة وأكد ضرورة احترام سيادة قطر، لكن الاكتفاء بالبيانات لا يكفي، المطلوب هو إجراءات واضحة لردع إسرائيل عن تكرار مثل هذه الاعتداءات، بما في ذلك: • فرض عقوبات سياسية أو اقتصادية على إسرائيل لتورطها في خرق القوانين الدولية. • إصدار قرار ملزم يضمن حماية الوسطاء والأطراف المشاركة في أي مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة أو الدول الأعضاء. المسؤولية لا تقتصر على مجلس الأمن وحده، بل تقع أيضاً على عاتق الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ككل. المطلوب هو: 1. توحيد الموقف العربي والإسلامي لإدانة الاعتداء واتخاذ خطوات عملية لحماية السيادة القطرية. 2. دعم قطر في مسعاها القانوني أمام المحافل الدولية لضمان محاسبة المعتدين. 3. تعزيز الحماية الدبلوماسية للوسطاء، سواء من خلال اتفاقيات إقليمية أو عبر الأمم المتحدة. 4. استخدام الضغط الإعلامي والسياسي لتسليط الضوء على الانتهاك ومنع محاولات التغطية عليه. إن قصف إسرائيل لمقر في الدوحة يمثل ليس فقط اعتداءً على قطر، بل رسالة سلبية لكل الدول الساعية إلى الوساطة وإيجاد حلول سلمية للصراعات، لذلك، فإن الرد الدولي يجب أن يكون على مستوى خطورة الحدث، عبر مساءلة واضحة لإسرائيل وتفعيل أدوات الردع، ضماناً لعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات وحماية لمساعي السلام في المنطقة.
732
| 14 سبتمبر 2025