رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس من الضروري أن يولد التأثير من الصدام، ولا أن تُصنع المكانة من الضجيج. فبعض الدول لا تتقدّم لأنها تدفع العالم نحوها، بل لأنها تجعل العالم ينجذب إليها. من هنا، يصبح السؤال مشروعًا لا بوصفه استفزازًا فكريًا، بل بوصفه محاولة للفهم: كيف استطاعت قطر، خلال زمن قصير نسبيًا، أن تتحول من كيان محدود الجغرافيا إلى مركز تأثير يتجاوز معايير الحجم والعدد؟
هذا السؤال لا ينتمي إلى حقل السياسة المباشرة، ولا يسعى إلى إصدار حكم مسبق، بل يتحرك في مساحة أوسع: مساحة المعنى. فحين نتأمل التجربة القطرية، نلاحظ مفارقة لافتة بين محدودية المساحة واتساع الحضور، وبين قلة السكان وكثافة الدور. هذه المفارقة لا يمكن تفسيرها فقط بعوامل الاقتصاد أو الطاقة أو الإعلام، لأنها – رغم أهميتها – أدوات، وليست أصل الظاهرة.
الأصل، في تقديري، يكمن في ما يمكن تسميته قانون الجذب المتزن. وهو ليس ذلك الفهم السطحي الذي يربط الجذب بالرغبة أو التمني، بل فهم أعمق يقوم على الانسجام الداخلي. فالجذب الحقيقي لا ينشأ من محاولة الإقناع، بل من وضوح الهوية. ولا يتأسس على الاستعراض، بل على الثبات. الأشياء التي تعرف موقعها بدقة لا تحتاج إلى رفع صوتها، لأنها تُسمَع من تلقاء نفسها.
في هذا السياق، يصبح الاسم أكثر من علامة لغوية، والزمن أكثر من تاريخ، والدور أكثر من وظيفة سياسية. حين ينسجم الاسم مع دلالته، ويتوافق التوقيت مع الاستعداد، ويتوازن الفعل مع الإمكان، تتكوّن حالة جذب تلقائية. وهذه الحالة لا تُدار بالقوة، بل بالاتزان؛ ولا تُحافَظ عليها بالاندفاع، بل بالاستمرارية.
إن الجذب، في جوهره، لا يُفرض، بل يتحقق. وهو أقرب إلى قانون طبيعي: المركز لا يلاحق الأطراف، بل الأطراف تنجذب إليه متى استقرّ. والدول التي تفهم هذه القاعدة لا تستهلك طاقتها في إثبات الوجود، لأنها تبني وجودًا يجعل الآخرين يعترفون به دون طلب. وهذا ما يفسر لماذا تتحول بعض الدول إلى نقاط ارتكاز في أوقات الأزمات، بينما تفقد أخرى تأثيرها رغم ضجيجها.
هنا يكتسب قول نيكولا تسلا عن الأرقام 3 و6 و9 معنى أعمق من القراءة الشائعة. فليس المقصود بالأرقام ذاتها بوصفها مفاتيح سحرية، بل بما ترمز إليه من نظام وتناغم. تسلا لم يكن يتحدث عن أعداد معزولة، بل عن بنية كونية تقوم على الإيقاع والتكرار المنظّم، حيث لا شيء يحدث خارج الانسجام. وحين نفهم هذا المبدأ، نفهم لماذا تنجح بعض التجارب دون أن تفرض نفسها، ولماذا تتحول بعض الكيانات إلى مراجع دون أن تعلن ذلك.
التجربة القطرية، في هذا الإطار، تُقرأ بوصفها نموذجًا لدولة لم تُفرِط في الحركة، ولم تُبالغ في ردّ الفعل. اختارت التوازن في عالم يميل إلى التطرف، والوساطة في زمن الاستقطاب، والبناء الهادئ في بيئة تكافئ الصخب. وهذا الخيار، على المدى الطويل، هو ما يصنع الجذب. فالعالم المتعب من الصراخ يبحث دائمًا عن نقطة هدوء، وعن طرف قادر على الإصغاء بقدر ما هو قادر على الفعل.
الجذب، في معناه العميق، ليس أن تجعل الآخرين يتبعونك، بل أن تجعلهم يثقون بأنك ثابت. والثبات لا يعني الجمود، بل يعني وضوح الاتجاه. والدول التي تعرف من هي، لا تخشى أن تكون كما هي، ولا تحتاج إلى تبديل أقنعتها مع تغيّر المواسم. من هنا، يصبح الاتساق قيمة استراتيجية، لا مجرد فضيلة أخلاقية.
لهذا، يمكن القول إن نجاح قطر لم يكن وليد صدفة تاريخية، ولا نتيجة معادلة رقمية جامدة، بل ثمرة انسجام نادر بين الرؤية والسلوك، بين الإمكان والطموح، وبين الهدوء والتأثير. فالعدد هنا ليس سببًا، بل إشارة؛ ليس محرّكًا، بل مرآة تعكس ما هو أعمق في بنية التجربة ذاتها.
وفي هذا الأفق، يستعيد قول تسلا معناه حين قال: «من يفهم 3 و6 و9 يملك مفاتيح الكون». فليس المقصود امتلاك الكون بالهيمنة، بل بفهم نظامه، ولا قيادة العالم بالقوة، بل بالمرجعية. وعندما يتحقق هذا المستوى من الفهم، تنتقل الدولة من موقع الفعل إلى موقع المرجع؛ والمرجعية لا تُفرَض، بل يُرجَع إليها.ومن منظور استشرافي، لا تنبؤي، يمكن القول إن المرحلة القادمة قد تشهد تحوّلًا تدريجيًا في موقع قطر ضمن النظام العالمي، بحيث تصبح خلال مدى زمني يتراوح بين تسع إلى ثماني عشرة سنة نقطة ارتكاز مرجعية في مجالات متعددة: سياسية، دبلوماسية، إنسانية، وربما معرفية. ليس بمعنى إخضاع العالم، بل بمعنى الاحتكام إلى نموذجها بوصفه معيارًا للاتزان في عالم مضطرب.
فالعالم، حين يُرهَق من الصدام، يبحث عن مرجع، وحين يفقد ثقته بالضجيج، ينجذب إلى الهدوء العاقل. وإذا كانت بعض الدول تسعى إلى قيادة اللحظة، فإن دولًا نادرة تُهيّأ لقيادة المعنى. وقطر، بما راكمته من انسجام وثبات، تبدو مرشّحة لأن تكون من هذا الصنف.
وهكذا، لا يعود قول تسلا حكمة معزولة، بل مفتاح قراءة:
من يفهم الانسجام، يملك مفاتيح التأثير…
ومن يملك مفاتيح التأثير، يصبح مرجعًا دون أن يطلب ذلك.
قرار يستحق الدراسة مسبقاً
حينما صدر القرار الوزاري في عام 2023 بإعفاء أبناء الأئمة والمؤذنين من رسوم الكتب والمواصلات في المدارس الحكومية... اقرأ المزيد
36
| 30 ديسمبر 2025
أصالة الجمال الحق !
ما أثمن أن يصل الإنسان إلى لحظة صفاء، تلك اللحظة النادرة التي تهدأ فيها ضوضاء الداخل، ويخفّ فيها... اقرأ المزيد
36
| 30 ديسمبر 2025
الدوحة.. هوية تُبنى بهدوء وتُخاطب العالم بثقة
في زمنٍ تتسابق فيه المدن على ناطحات السحاب، وتتنافس الدول على مظاهر القوة الخشنة، اختارت الدوحة طريقًا مختلفًا:... اقرأ المزيد
36
| 30 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مؤرخ ومستشار أكاديمي
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1992
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1581
| 28 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة التعاقدية في مواجهة « تغول» الشروط الجاهزة وذلك برفض دعوى مطالبة احتساب الفوائد المتراكمة على البطاقة الائتمانية. فقد شهدت أروقة محكمة الاستثمار والتجارة مؤخراً صدور حكم قضائي لا يمكن وصفة إلا بأنه «انتصار للعدالة الموضوعة « على حساب « الشكليات العقدية» الجامدة، هذا الحكم الذي فصل في نزاع بين إحدى شركات التأمين وأحد عملائها حول فوائد متراكمة لبطاقة ائتمانية، يعيد فتح الملف الشائك حول ما يعرف قانوناً بـ «عقود الإذعان» ويسلط الضوء على الدور الرقابي للقضاء في ضبط العلاقة بين المؤسسات المالية الكبرى والأفراد. رفض المحكمة لاحتساب الفوائد المتراكمة ليس مجرد قرار مالي، بل هو تقويم مسار»، فالفائدة في جوهرها القانوني يجب أن تكون تعويضا عن ضرر او مقابلا منطقيا للائتمان، أما تحولها إلى إدارة لمضاعفة الديون بشكل يعجز معه المدين عن السداد، فهو خروج عن وظيفة الائتمان الاجتماعية والاقتصادية. إن استقرار التعاملات التجارية لا يتحقق بإطلاق يد الدائنين في صياغة الشروط كما يشاءون، بل يتحقق بـ « الثقة» في أن القضاء يقظ لكل انحراف في استعمال الحق، حكم محكمة الاستثمار والتجارة يمثل نقلة نوعية في تكريس «الأمن العقدي»، ويؤكد أن العدالة في قطر لا تقف عند حدود الأوراق الموقعة، بل تغوص في جوهر التوازن بين الحقوق والالتزامات. لقد نجح مكتب «الوجبة» في تقديم نموذج للمحاماة التي لا تكتفي بالدفاع، بل تشارك في «صناعة القضاء» عبر تقديم دفوع تلامس روح القانون وتحرك نصوصه الراكدة. وتعزز التقاضي وفقا لأرقى المعايير.
1116
| 24 ديسمبر 2025