رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

بن محمد الكردي

بن محمد الكردي

مساحة إعلانية

مقالات

612

بن محمد الكردي

التوازن بين الاختفاء والإظهار

30 أغسطس 2024 , 02:00ص

نعم، أن تكون جنديا مجهولا له مدلول عميق ومغزی عظيم، إذ إنك تبتغي مرضاة الله تعالی ونيل درجات علا في الآخرة، عليك أن تتحمل المتاعب وعوائق الطريق؛ من بينها اجتثاث حظ الدنيا في ثنايا النفس وأثنا‌ء أداء النية قبل أن تقوم بالأعمال الصالحات، بعكس الذين يودون حب الظهور وشكرهم علی إنجازات الآخرين، زاعمين أنهم أصحابها.

لكن ليس معنی هذا المفهوم أن تحرم نفسك من معاشك ومستحقات عملك، بل الفرق بينك وبين الآخرين أنك إذا عملت عملا تتقنه وتوقن بأن الله رقيب عليك في السر والعلانية، وهكذا دواليك بحيث تخفي أعمالك الصالحات الأخروية لوجه الله كالذي ينفق بيمينه ما لا تعلم شماله، وتجعل من هذه المقولة شعارا: (اعمل بصمت ودع عملك يتكلم).

كي نكون جنديا مجهولا علينا العمل للدنيا كأننا لا نموت أبدا ونعمل للآخرة كأننا نموت غدا، أي أن الموازنة بين التخفي والإظهار تقرره نوعية العمل والدور المنوط بنا، فلا داع أن تتجنب أن تصبح طبيبا ممارسا ناجحا تعالج المرضی والفقراء بصدق وإخلاص، أو محاميا صدوقا أو معلما مربيا  ينالون رضا الله ورضا الناس، لكن علی الذين في المراتب العليا الحذر مرتين من الوقوع والإصابة بأمراض القلوب المهلكة كالغرور والطمع وحب الجاه والشهرة ...والخ.

إن مقام الجندي المجهول رفيع بحيث تكون واحدا من بين أولئك الذين ينجون من كل غبراء مظلمة، أي الأبرار الأتقياء الأخفياء أصحاب (قلوب المصابيح) كما جاء عند ابن ماجة: روي عن النبي (صلی الله عليه وسلم) انه قال: (إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأبرار الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يدعوا ولم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدی، يخرجون من كل غبراء مظلمة).

يكفينا كمسلمين أن نجعل هذه الآية الكريمة ضوءا ساطعا علی دروب الحياة المظلمة حيث يرشدنا الله عزوجل في الآية ٢٨ من سورة الكهف بأن نصبر ونتعامل مع  ذاكري الله الذين يريدون وجهه كي نكون بخير وعلی ما يرام دوما: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).

وفي الختام أود أن اختم المقال بهذه القصة اللطيفة والطريفة من حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لابو نعيم الأصبهاني والتي تحمل بين طياتها كثيرا من الدروس والمواعظ:

«کان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم؟ فلما توفی علي بن حسين (رضي الله عنهما) فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل، فلما غسلوه جعلوا ينظرون إلی آثار سواد بظهره، لأنه كان يحمل جرب الدقيق ليلا ليعطيه للفقراء».

مساحة إعلانية