رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عقب انتهاء الحرب الباردة، جادل الليبراليون ومناصروهم أن القضايا والظواهر العالمية الجديدة الناجمة عن العولمة والتغيرات الهيكلية في بنية النظام الدولي، كقضية الإرهاب الدولي، انتشار السلاح النووي، الجريمة المنظمة، الهجرة، وقضية التغير المناخي؛ سوف تضيق مساحات الصراع والتناحر الجيوسياسى والعسكري بين الدول الكبرى، بحيث تجبرهم على التعاون. وهذا لا ينبع فقط من الخطورة البالغة لتلك القضايا على العالم والأمن الإنساني العالمي والسلم والأمن الدوليين، بل أيضا في الصعوبة البالغة في اضطلاع دولة عظمى مهما عظمت قوتها بالتصدي لها بمفردها.
ومنذ أن برزت بقسوة التداعيات الوخيمة للغاية غير المسبوقة للاحتباس الحرارى العالمي في الصيف الماضي، حيث تأثر العالم كله تقريبا من هذه التداعيات، وامتدت هذه التداعيات إلى مناطق كانت مستبعدة من هذه التداعيات وخصوصا أوروبا التي شهدت في الصيف الماضي موجات فيضانات وجفاف. لا حديث في العالم سوى كيفية التصدي لقضية التغير المناخي والسيطرة على الاحتباس الحرارى. إذ بحسب المختصين في حال ارتفاع درجة الحرارة واحدا ونصف درجة مئوية عن المعدلات الحالية، ربما سيؤدى ذلك إلى اختفاء دول بأكملها كسويسرا نتيجة ذوبان الجليد.
وجاء الإسراع في عقد قمة "جلاسكو" الأخيرة برعاية الأمم المتحدة على خلفية بلوغ تداعيات التغير المناخي إلى مستويات خطيرة جدا يهدد البشرية جمعاً، مما يستدعى تكاتف المجتمع بشكل عاجل. وواقع الأمر أن مخرجات جلاسكو بشان المناخ مخرجات طموحة للحد من الانبعاثات الكربونية وغاز الميثان في حال الالتزام بها. وما أعطى أملاً كبيراً لتحقيق هذه المخرجات الطموحة خاصة مسألة "الحياد الكربوني". هو الإعلان الأمريكي-الصيني المشترك بشأن الموافقة على التعاون بينهما خلال العقد القادم بشأن التغير المناخي، حيث تعهد الطرفان بالعمل معا للحيلولة دون ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية وفقا لمقررات قمة باريس للمناخ 2015.
ولا شك أن التعاون الأمريكي-الصيني الجاد بشأن المناخ يمثل الأمل الحقيقي للسيطرة على الاحتباس الحرارى، ليس فقط بسبب أن الدولتين هما الأكثر إنتاجاً في العالم للغازات الدفيئة. بل أيضا في قدراتهما الكبيرة وبوسائل شتى على دفع المجتمع الدولي على الالتزام بأية مقررات أممية طموحة للتصدي للتغير المناخي.
في أعقاب البيان الأمريكي-الصيني المشترك، وإعادة التأكيد عليه في القمة الافتراضية التي جمعت بايدن وبينج عقب قمة جلاسكو؛ تعالت نبرات متفائلة للغاية مؤكدة أن قضية التغير المناخي سوف تدفع بالعلاقات الأمريكية-الصينية إلى مسار تعاوني، تهمش فيه القضايا الصراعية الكثيرة بين الطرفين لصالح أولوية التعاون للتصدي للتهديد الخطير للتغير المناخي كتهديد "وجودي" للبشرية كلها. لاسيما وأن التعاون بين الجانبين في مسألة التغير المناخي قد عقب توتر شديد على خلفية أزمة "تايوان".
وواقع الأمر أن هذه النبرات التفاؤلية يكتسيها الكثير جدا من المبالغة وعدم الواقعية. فبلا أدنى شك، أن كلا الجانبين يستشعران جيداً التهديد الوجودي للاحتباس الحرارى. ومع ذلك، فمن الصعب للغاية أن تتغلب قضية التغير المناخي على مناخ الحرب الباردة بين الطرفين، والذى أججه بايدن سريعا عبر إحياء تحالف "كواد" الأمنى الرباعى، وتحالف "أكوس" النووي.
وفى حقيقة الأمر نحن أمام قوتين إحداهما وهى الصين تسعى حثيثاً بلا هوادة للهيمنة العالمية على حساب الولايات المتحدة، في حين تسعى الأخيرة وبلا هوادة أيضا إلى إضعاف طموح الصين في الهيمنة العالمية. ومن هذا المنطلق، فمسألة التغير المناخي تندرج على نحو كبير في هذا الصراع على الهيمنة الدولية، وهى مسألة "وجودية" لكلا الطرفين.
فعلى الرغم من التعهدات الكثيرة التي قطعتها الصين على نفسها للحد من الانبعاثات الدفينة، والتي من بينها "صفر" انبعاثات كربونية بحلول 2060. ومع ذلك، قد تتخلى الصين عن بعض من هذه الوعود لضمان استمرار معدلات الإنتاج والتصنيع الكبيرة للصين والقائمة على استهلاك معدلات رهيبة من الوقود الأحفوري والفحم، وذلك لضمان استمرار تفوقها الاقتصادي الذى تعول عليه تقريبا لانتزاع الهيمنة الدولية من الولايات المتحدة. وعلى الجانب الآخر، يواجه بايدن إشكالية كبرى وهى صعوبة إقناع اللوبي النفطي في واشنطن بالحد من إنتاج الوقود الصخري. ومن ناحية أخرى، من الصعب للغاية على الطرفين الاستغناء عن قطاعات ملوثة خاصة في مجال التكنولوجيا في ظل الصراع على الريادة التكنولوجية العالمية بين الجانبين.
وعلى منحى آخر، إن الاعتماد التام على الطاقة البديلة في التصنيع والنقل-وإن كان الدولتان تشرعان الآن في ذلك- يحتاج لمبالغ طائلة للغاية ربما تتجاوز التريليونات من الدولارات، ولن تكون باستطاعتها أن تحل محل الطاقة التقليدية خاصة في مجال التشغيل العسكري.
وواقع الأمر أيضا، أن قضايا الصراع المتعددة للغاية بين الجانبين كقضية تايوان، وبحر الصين الجنوبي، والحرب التجارية، وطريق الحرير الجديد؛ هي قضايا غاية في التشابك والتعقيد من الصعب للغاية أن يقضى التعاون بين الجانبين في مجال التغير المناخي على أفق الصراع على هذه القضايا.
وختاما نقول، إن قضية التغير المناخي ربما ستلطف حدة التوتر بين الجانبين، لكنها لن تقضى على طبيعة هذا التوتر الذى لا يندرج ضمن التنافس، بل صراع وجودي على الزعامة الدولية. ومن ثم، فمستقبل قضية التغير المناخي مرهون إلى حد كبير بمسار الحرب الباردة بين واشنطن وبكين.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4566
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3396
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1356
| 28 سبتمبر 2025