رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. مريم بنت راشد الخاطر

إعلامية ومستشارة وأكاديمية - الإعلام الرقمي والسياسة

@medadalqalam_

مساحة إعلانية

مقالات

825

د. مريم بنت راشد الخاطر

المقعد الأخير

28 أغسطس 2024 , 02:09ص

ماذا يعني أن تكون في المقعد الأخير في المقهى أو المطعم؟ وماذا يعني أن تكون في المقعد الأول أو الأخير في الصف أو في صفوف الدراسة؟

 عبارات ربما لم تخطر بذهني حتّى اقعدني النادل في المقعد الأخير في طاولة صغيرة في مطعم مشهور في لندن!! وما أدراك ما لندن؟

 كنت وقتها بمفردي وكان النادل ملحّا على أنه يحتاج الطاولة بعد ساعة!!

وأنت رهين الجوع وبمفردك بالتأكيد أن تبحث عن مطعم وبلغة الأمريكان كافيه! وبلغة الجوع: «عن وجبة لذيذة» ؟ وأمام سلطان الجوع حتما ستقول: السمع والطاعة !! ضحكت في نفسي وانا اصلا كنت على عجل، فالتفت إليه وقلت بلغتهم: أنت وشطارتك في سرعة إحضار الوجبة؟

ما ان جلست وأنا المغلوبة على أمري في مقعد لم اختره... حتّى عرفت ما يرمي إليه النادل ؟؟

 وما أدراك ما المقعد الأخير في المقهى؟ أو حتّى في القطار ؟

فقد ملكت الرؤية الشاملة بدون سابق حجز ودون تدخل منّي أو اختيار!! فإذا بي ولأول مرّة أطالع أمامي بانوراميك من العوالم المتعددة، بل قل مجتمعات بأكملها في هذا الموقع من هذا المقهى المشهور في مدينة طالما أطلقوا عليها أنها مطبخ السياسة العالمية وتعرف أنها عاصمة متنوعة الأعراق «كوزمابوليتان سيتي!!

فإذا بي عن كثب أراقب كلّ شيء دون قصد ليس الداخل والخارج فحسب بل من يأكل، من يتحدث وبمختلف اللغات وبكل أنواع الضجيج، من يذهب إلى غرفة الجاكيت (كلوك روم) !! من يأتي على الباب وليس لديه حجز مسبق ويقف بجوعه مترجياً ان يجدوا له طاولة دون جدوى فتبوء رجاءته بالفشل فيخرج جارا أذيال الجوع!!

 هذا وهناك عالم آخر من الجالسين جماعات دون جوع يذكر.. ودون رغبة في الطعام بل لأن أعمالهم فرضت عليهم اجتماعات غداء، يكادون أن يكونوا هم مصدر الحديث العابر أو تلك الضجة والضوضاء التي أسمعها حولى أحدهم وهو يتحدث عن الانتخابات أو عن مشروع مهم في التجارة أو عن مصايف أو سيارات أو حقائب يد أو مجوهرات أو عمليات تجميل أو درجة علمية أو بحث علمي!!

والأعجب أولئك الذين يتحدثون عن العمل الرقميّة هذا حين يتحدث غيرهم عن هموم أقساط المنزل أو النوم أو الأرق، لم اتبين كثيرا من الأحاديث بوضوح حتّى لو أرهفت السمع! ولكنني تعلمت.. تعلمت الكثير منهم بلا شك.

 كما لاحظت حضورا من نوع آخر يصمت فيه الكلام وتتحدث فيه لغة العيون وربما معها طلاسم الهواتف وعالما آخر حولها من الهمسات والهمزات واللمزات التي يظن البعض أنها لا تكتشف!! حديث يتفوق على هذه الضجة في هذا المطعم المشهور بالضجّة التي لا تشهدها عاصمة كما تشهدها لندن في كل موسم سواء كانت رحلة شتاء او صيف! ربيع أو خريف! عيد أو رحلة عمل أو علاج.

كلّ هذه الدنيا بنماذجها المتعددة ولغاتها المختلفة حتّى الصامتة الناطقة منها رأيتها فقط من المقعد الأخير!! وأحسست أنه سوسيولجيا اجتماعية يمكنها أن تنطلق بباحث أو مؤلف إلى روايات أو كتب!!

المقعد الأخير!!

 أعطاني الفرصة لأعيد حساباتي في التأمل في الحياة!! الحياة كلّها!!

فرجعت في ذاكرتي إلى الطفولة، إلى مقاعد الدراسة فتساءلت في نفسي: لماذا كنت أركض للمدرسة وأرفض أن أغيب في اليوم الأول في العودة للمدارس لكي افوز بحجز المقعد الأول في الصفّ؟

 لماذا تنامى إلى ذهني أهمية المقعد الأول في كل شيء بعد أن تعلمت ذلك من الصف خصوصا وإنه يعطيني وضوح رؤية للسبورة المدرسية كاملة، والتركيز لكي أكون مع مدرستي وعلمي حتى لا انشغل بهذه وتلك فلا حركة أمامي سوى حركة المدرسة ولا لغة إلا لغة الطباشير ولا ضجة إلا لصرير القلم.

ربّما روضّتني المدرسة على اختيار المقعد الأول حتّى ظننت أنه سبب للتفوّق خصوصا وإن مدرساتنا كانوا دائما ما يكررون الصورة النمطية عن المقعد الأخير ومن يجلسن فيه أنّه «للكسالى» و»للفهلوة»..حتى اكتشفت أهمية المقعد الأخير،

 وما أدراك ما المقعد الأخير؟

فيه فقط اكتشفت أنني امتلكت جيوبوليتكس الزمان أو قل سوسيولوجية الناس والمكان! واكتشفت تفوّق المقعد المظلوم ومن يسمونهم كسالى (وما يفهمون شي) في مدرسة الحياة، العالم الحقيقي الذي تفوق معرفته وسبر أغواره تلك السبورة المحدودة والطباشير حتّى لو كانت ملوّنة، والصفّ الراكد الذي قسّمته الطبقية التعليمية إلى تصنيفات نمطية بحتة حتّى حصد أصحاب المقاعد الأولى الشهادات فعاشوا في العلم، بينما فاز أصحاب المقعد الأخير بالحياة.

اقرأ المزيد

alsharq مرحلة جديدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، القانون رقم (22) لسنة 2025... اقرأ المزيد

237

| 08 أكتوبر 2025

alsharq بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة التنمية، بل كان دائماً هو الأصل والجوهر، فهو الخليفة في... اقرأ المزيد

1182

| 08 أكتوبر 2025

alsharq قراءة في العقل الأمريكي.. كيف هندس ترامب صفقة غزة؟

بعد عامين تنفست غزة فيها الصعداء مع الاعلان الأمريكي عن اتفاق بين حماس واسرائيل، ليكسر دوامة الحرب التي... اقرأ المزيد

243

| 08 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية