رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. بثينة محمد الجناحي

مساحة إعلانية

مقالات

1557

د. بثينة محمد الجناحي

كأس العالم.. ومسألة ضبط القيم

28 يونيو 2022 , 01:00ص

 

ببالغ الحزن تزامن توقيت هذا المقال الذي أعتبره الأخير قبل بدء اجازتي الصيفية مع وفاة عمي الدكتور يعقوب يوسف الجناحي رحمه الله بواسع رحمته. ولن تتغير النوايا في الحقيقة في مسألة اختيار موضوع المقال الأخير لهذا الأسبوع، فلعمي رحمه الله الخبرة والمناضلة التاريخية والوطنية التي تحكي عن وطن. وبالنسبة لي كنت أبادله أحياناً شغف الحديث حول حبي وعشقي لوطني من خلال ما أطرح من مواضيع اجتماعية متنوعة، حتى ولو كانت تلك المواضيع موجزة حول التطلعات والأبعاد التي أجد فيها نفسي في هذا الوطن. فاهتمامي الثقافي شكل لي بعداً خاصاً حول الآمال والتطلعات والتحولات التي تطرأ على الحراك الثقافي والقدرة على تبني التجديد في هذا المفهوم.

عمي الغالي، سأكمل كتابة هذا المقال بحسب بعدي الخاص، وسأظل أتذكر بأنك تقف خلفي وتبادلني ملاحظاتك في أعمدتي الصحفية وكأنك ما زلت معي. رحمك الله بواسع رحمته.

لربما ستكون هذه المقالة مقدمة مبدئية لتطلعات مستقبلية حول التغييرات التي ستطرأ على المجتمع تزامناً مع كأس عالم مترقب. ودعنا نبتعد عن الدهشة والخوف في هذه الحال حول المواجهات الثقافية المتعددة وأثر العولمة الثقافية على هذا المحفل المهم. ولا بد وأن نلفت النظر أيضاً في هذه الحال عن الأدوات التي من شأنها أن تلعب الدور في التعزيز وسد النواقص تفادياً لموجة تغييرات جذرية. إذ إن الهوية الثقافية في هذه الحال لابد وأن تواجه موجة معممة قد تؤثر في قيم ومبادئ الشعوب، ولكن بالتأكيد يمنع وصولها للجذر، فهذه أخطر المراحل. وليس بغريب أن يخشى المرء على هويته الخاصة، ولكن مسألة الهوية الثقافية تظل مكبوتة في أغلب الأوقات ولكنها تستيقظ وتشتد في فترات التحولات أو الانتقالات التي تمر بها المجتمعات. بالتالي، وجب علينا التهيئة لاستحضار أبرز ما لدينا من أدوات تساهم في حماية الهوية في وسط تيار العولمة الثقافية.

ودعنا نكون أكثر صراحة، العولمة الثقافية ليست غريبة من الأساس، فهي أساساً تخترق المنازل، وقد تتسرب في وسط المدارس ولربما تجدها في الشخصيات الفردية التي أصبحت ترفع الأعلام وتعتز بالحملات وتنبه عن حقوق. فالمسألة أصبحت أكثر تعقيداً وتداخلاً مما كان عليه المفهوم في السابق. حيث انحصر المفهوم حينها على إلغاء الحدود للمنتج الاقتصادي وتوفير حرية الانتقال. أما اليوم انعكس المفهوم على الثقافة والسياسة أيضا، ولا عادت تعتمد على الكتابة والأدبيات المكتوبة، بل انتقلت لمرحلة الاعتماد على الوسيلة السمعية والبصرية والعلامات والرموز والايحاءات. فكل تلك الوسائل جعلت من العولمة الثقافية وسيلة سريعة الوصول وسهلة النشر.

وعلى الرغم من تلك القدرات الهائلة التي سيطرت عليها العولمة الثقافية، لا ننكر قوتها وقدراتها في عملية الاختراق الفكري. ومن هنا يبدأ التحدي للتدخل المحلي على إمكانيات استحضار الهوية الثقافية وعمل المقاربات التي تدعم عناصرها والقوى الناعمة المحركة والفاعلة، والتي من خلالها تستطيع أن تخلق الصورة المماثلة للنسق الثقافي المماثل من حيث الأدوات في العولمة الثقافية واسقاطها لخلق الصورة القوية لواجهة وطن بدلاً من أن تهيمن عليه العولمة بالكامل.

لذلك، تجد المقاومات المستمرة ضد العولمة الثقافية من خلال مفهوم الاستثناء الثقافي أو التعددية الثقافية التي تهدف إلى تصدي مبدأ عام سائد بعدم طمس مبدأ محلي أصيل وخاص. ومثل هذه المقاومات، تجدها اليوم من ضمن مبادرات دولة قطر في كأس العالم من خلال اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية، ومقاومة القيم والأخلاقيات المغايرة للمنطقة بشكل عام. فلو استطعنا مقاومة أبسط التيارات وأسهلها دخولاً إلى أسلوب حياة المجتمع، بالتالي نستطيع أن نحافظ على صورة هوية وطنية واضحة وخاصة يحترمها الغريب بضبط حدوده قبل أن يصل لحدودنا.

فالثقافة في رأيي قد تكون أحد النواقص، خاصة إن ظل تداول مفهومها بشكل جامد ومحصور، بالتالي سيكون من الصعب التوسع في دائرته إما للمقاومة أو حتى للتبني والتجديد. لذلك لا بد أن تواكب الهوية الثقافية كل الوسائل والأدوات الحديثة لتبني إطارها الخاص للتقدم.

وأخيراً: أينما يتجه الوطن وفي مقدمته اللغة والتاريخ والقيم، والدين، فلا بد أن هيمنتنها الثقافية تظل في الأمام.

دمتِ بحفظ الله يا بلادي.

مساحة إعلانية