رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أمدت المجتمع بما يقارب ألف أسرة جديدة وتحقق المقاصد العامة للدين
*أقترح تأسيس معهد للتثقيف الأسري يحمل اسم (معهد راف الأسري)
*تأهيل الشباب المقبلين على الزواج يحافظ على سياج المجتمع ويحميه من التفكك
*تزويج ألف من الشباب رقم طيب ونحتاج إلى المزيد من هذا الخير الوفير
*ما أنعم الله به علينا من النعم يدفعنا لتكون أسرنا نموذجاً متميزاً في الاستقرار
*مطلوب إعادة النظر في مشاريعنا الوطنية لنحافظ على كيان أسرنا القطرية ونسيجها الاجتماعي
الحمدلله رب العالمين على نعمة الزواج، سنة الله في أرضه لتكثيرعباده، وصدق حين قال: "ومن كل جعلنا زوجين"، وجعلها آية من آياته العظام في قوله: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".. الروم آية (22).
وصلى الله على نبيه الكريم الذي حث على الزواج بسنته القولية والفعلية والتقريرية والوصفية، القائل "عفوا تعف نساؤكم"، فقد تزوج عليه الصلاة والسلام وزوَّج بناتِه وتزوج أصحابه واقتدوا بهديه (رضي الله عنهم)، فكان المجتمع المدني أفضل مجتمع على الإطلاق، وكانت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم (طيبة) هي المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة والمفكرون منذ القدم وحتى قيام الساعة،
وحتى نحذو حذو الرسول الكريم وصحابته في تكوين المجتمع الفاضل في قطر، ارتأت مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية (راف) المساهمة في وضع لبنة من لبنات هذا المجتمع بإطلاق مشروع "راف" لتزويج الشباب منذ سبع سنوات سِمَانٍ أمدت المجتمع بأسر جديدة شبابية ما قارب الألف أسرة ووضعت لها من الخبرات الشرعية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والنفسية على أيدي متخصصين في الشأن الأسري والمجتمعي، ما نأمل أن يحقق الهدف المرجو من رفد المجتمع القطري بأسر جديدة سعيدة ومستقرة وناجحة، وما ساهمت فيه ماديا، للتخفيف من أعبائه ومسؤولياته المالية، وأرى أن هذه المساهمة تعمل على تحقيق المقاصد العامه للدين وتحقيق حاجيات الإنسان الضرورية من المحافظة على الدين والمال والنسل والعرض والعقل، كما اتفق عليها علماء المقاصد الشرعية، وهذه الحاجيات الضرورية للإنسان تغطيها محاور الدورات التأهيلية، والتي دأبت "راف" على تقديمها لمؤسسي الأسر الجديدة من الشباب والشابات المقبلين على الزواج لبناء أسر قيادية تقود المجتمع القطري، وبالتالي تقود الأمة إن شاء الله، فإن مجتمعات هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها من التمسك بالدين والتربية على مبادئه وقيمه، ولذا كان تركيز "راف" على هذه المحاور الجديرة بالتوعية الدورية والتثقيف، فكلنا يعرف أن الأسرة هي نواة المجتمع، وهي الحصن الحصين للأمة، فإن صلحت واستقرت واستقامت صلح المجتمع وإن فسدت وتفككت فسد المجتمع وتفكك، وهذا هو الملموس والمشاهد في مجتمعاتنا، وما ضعفت الأمة إلا بضعف مجتمعاتها، وما ضعفت المجتمعات إلا بضعف أسرها، وما ضعفت الأسر إلا بضعف أفرادها.
وأطمع من أهل الخبرة والمعرفة أثناء الدورة توعية المقبلين على الزواج أن ما يقومون به من سلوكيات وأخلاقيات في حياتهم الأسرية هو تعبد لله عز وجل وبغية رضاه سبحانه بتعاونهم وتراحمهم وتعاطفهم واحترام خصوصيات كل طرف للآخر وما يزرع الثقة بينهما ويزيد من المودة التي تؤدي إلى السكن والتقدير، فإن ربط الإنسان حياته وسلوكياته برضا الله حاز التوفيق والسداد وكان ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى.
إن مشروع "راف" لتأهيل الشباب المقبلين على الزواج إنما هو للمحافظة على سياج المجتمع بعد تصدعه، وتماسك نسيجه بعد تفككه، وترابط أفراده بعد تفرقهم، ولذا كانت هذه المحاور: الشرعية والصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية تحقق المقاصد السامية لديننا الحنيف، ولنا في رسولنا "صلى الله عليه وسلم" وزوجاته وبناته القدوة الحسنة في بناء البيوت وإقامة السدود أمام العواصف والزلازل الأسرية، فالله عز وجل أكد في كتابه الكريم على الوفاق الأسري في كثير من الآيات الكريمة، بل رفع من شأن المنزل الأسري بسورة الحجرات وغيرها، بل يأمر الزوجين بالمعاشرة بينهما بالمعروف في قوله سبحانه "وعاشروهن بالمعروف" والمعاشرة بالمعروف تتطلب كل خلق حسن تجاه الآخر، حتى اللقمة يضعها في فِيِّ امرأته، والمرأة تضعها في فِيِّ زوجها، وهذا خلق إسلامي وإرشاد نبوي عظيم، وهو ليس خلقا أجنبيا أتانا من الغرب كما يظن الكثير، بل هو خلق إسلامي أصيل انتفع به الآخرون وغفلنا عنه، إن كل ما ترونه من تهذيب سلوك الرجل الغربي تجاه المرأة، إنما هي بضاعتنا، ويجب أن نستردها بالرجوع إلى مصدرها المستقاة منه، وهما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والأعراف العربية الصحيحة، ولنا في رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أسوة حسنة، وهذا ما نراه في كثير من أقواله وأفعاله في المجتمع المدني.
فالرسول "صلى الله عليه وسلم" يحض الزوج على رفع اللقمة إلى فم الزوجة (عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...وإنك مهما أنفقت من نفقه فإنها صدقة، حتى اللقمة ترفعها إلى فِيِّ امرأتك)، ولا يكون ذلك إلا عند الملاعبة والملاطفة والممازحة، وهذا من المعاشرة المعروف.
والرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأمر الأزواج بالتمهل في الدخول على الزوجات، بعد العودة من الخارج، حتى تتهيأ الزوجات لاستقبالهم في قوله (أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء لكي تتمشط الشعِثة وتستحد المغيبة)، حفظا للبيت المسلم، فلا تقع عين الزوج على منظر يكرهه في زوجته فينفر منها.
ويأمر (صلى الله عليه وسلم) الحجاج بعد أداء الفريضة بتعجيل الرجوع إلى أهليهم، فإنه أعظم لأجرهم "إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرجوع إلى أهله، فإنه أعظم لأجره"، للحفاظ على تلاحم الأسرة وتواصلها بعد الغياب، وعن أنس (رضي الله عنه) قال: كان النبي " صلى الله عليه وسلم" لا يطرق أهله، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية " والطروق المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة، وكان يطوف عليهن كل صباح فيسلم عليهن ويدعوا لهن، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: وكان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إذا صلى الصبح جلس في مصلاه، وجلس الناس من حوله حتى تطلع الشمس، ثم يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن، ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن كان عندها"، وغير ذلك كثير من حسن معاشرته لنسائه، حيث يوجه طموحهن إلى ما هو أفضل لهن ويصحبهن في أسفاره ويوصي بالترفق بهن ويتقبلهن ويودعهن ويحتمل رفع أصواتهن على صوته ويصبر على مغاضبتهن له ويوافق أهواءهن ويتلطف بهن عند مرضهن، وغير ذلك كثير، كان في حياته الأسرية والاجتماعية "صلى الله عليه وسلم" قرآنا يمشى على الأرض، كما وصفته زوجته الحبيبة السيدة عائشة أم المؤمنين (رضى الله عنها)، حري بنا أن نعلمها ونتعلمها ونعلمها بناتنا وأولادنا منذ نعومة أظفارهن في المدارس وعلى مقاعد العلم، حتى ننشئ أسرا مستقرة وأجيالا صالحة ومجتمعا متماسكا وأمة قوية يهابها أعداؤها بقوة حصونها الداخلية بقوة أسرها وتماسكها.
وقد سعت "راف" بفضل الله تعالى وجدّ العاملين فيها بتبني هذا المشروع الوطني لتيسير سبل الزواج على الشباب القطري بنوعيه وتأهيلهم بهذه الدورات التثقيفية لتاسيس حياة أسرية مستقرة سليمة جديدة وفق الكليات الخمس التي من أجلها نزلت الشريعة، وهي المحافظة على مصالح العباد، وبالتالي مصالح المجتمعات، وقد ثبت نجاح مشروع "إعفاف" من خلال النتائج الطيبة للأعوام السابقة من تزويج ألف من الشباب، وهو رقم طيب، ولكنا نحتاج إلى المزيد من هذا الخير الوفير، ولذا أرى الانتقال من مرحلة المشروع إلى مرحلة تأسيس معهد أو كلية للتثقيف الأسري يحمل اسم (معهد / كلية راف الأسري) يمنح دبلوم الدراسات الأسرية وينتقل االتثقيف من أسبوع إلى عدة أشهر يعلم فيها المقبل على الزواج أسس الحياة الزوجية بالتفصيل، يكون نبراسها المثل الأعلى نبينا محمد "صلى الله عليه وسلم" في حياته الأسرية.
وما دمنا حققنا الهدف الأول، فالأجدر بنا أن ننطلق لتحقيق الأهداف الأخرى، كان من المفروض وقد أنعم الله علينا بكل أسباب الاستقرار والتماسك الأسري والاجتماعي والاقتصادي والصحي والعلمي والأمني والسياسي أن تكون أسرنا نموذجا متميزا في الاستقرار وعدم التفكك للمجتمعات الأخرى، لكن للأسف نجد العكس، وهذا يثبت لنا أن هناك خللا في المنظومة العلمية والتعليمية والاجتماعية في الواقع، مما يؤكد لنا أننا بحاجة إلى إعادة النظر في مناهجنا وبرامجنا وخططنا ومشاريعنا الوطنية، لنحافظ على كيان أسرنا القطرية ونسيجها الاجتماعي الوطني، الذي بدأ في الانحراف عن هوية ودين وأصالة وقيم ومبادئ مجتمعنا، ومؤسسة راف أهل لأن تبادر بتوسيع مشروعها الأسري إلى معهد علمي للعلوم الأسرية بتوفيق من الله وفضله، ونحن إذ نبارك لهذه المؤسسة الجديرة بالتقدير والاحترام وتهنئتها بانتهاء مشروع إعفاف (7) بنجاح، نثمن لها مبادراتها وإسهاماتها الكبيرة في خدمة أمتها في الداخل والخارج، لنتقدم لها بالتهنئة القلبية على بلوغ بناء الألف أسرة، تنضم إلى ركب الأسر القطرية المباركة في وطننا العزيز، وفقكم الله وسدد خطاكم (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) والحمد لله رب العالمين.
مكافحة الفساد مسؤولية عالمية
تعكس جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد والتي دخلت عامها العاشر، الأهمية... اقرأ المزيد
15
| 15 ديسمبر 2025
كأس العرب من منظور علم الاجتماع
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة الاجتماعية، مجالًا تتفرّع عنه اختصاصات حديثة، من أبرزها سوسيولوجيا الرياضة،... اقرأ المزيد
12
| 15 ديسمبر 2025
في زحمة الصحراء!
يُخطئ كثيرون في الظنّ بأن الصحراء مجرد رمال وحصى وحرارة تُنهك الجلد وتخدع الروح، كأنها مكان مُفرغ من... اقرأ المزيد
12
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
786
| 10 ديسمبر 2025