رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

طارق الهاشمي

● سياسي من العراق

مساحة إعلانية

مقالات

1529

طارق الهاشمي

قبل المصالحة خليجيا.. المصالحة وطنيا..الحصان قبل العربة.. وليس العكس

27 نوفمبر 2014 , 01:04ص

إدراك المقاصد والأهداف الحقيقية من وراء زيارة الوفد الحكومي العراقي للسعودية قبل أيام لا يحتاج إلى عناء كبير، حيدر العبادي يسعى لتطبيع العلاقات مع دول عربية خليجية وكسر طوق العزلة بهدف تحقيق العديد من الأغراض والفرصة مؤاتية إذ لأصوت يعلو على صوت الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا ودول مجلس التعاون الخليجي باتت شريكة في التحالف الدولي الذي تشكل لإدارة هذه الحرب.

لكن السؤال هل كانت الزيارة سابقة لأوانها؟ أما كان من المفروض ابتداء إصلاح ما فسد في الداخل قبل معالجة ملف الخارج، حيث الجفوة والعزلة التي يعيش في ظلها العراق منذ ما يقرب من ثماني سنوات تعود في الغالب لأسباب تعني بالسياسة الداخلية الكارثية لنوري المالكي إلى جانب بالطبع تفضيله أن يغرد العراق بصوت نشاز خارج السرب العربي ويكرس محور طهران - بغداد - دمشق بديلا نقيضا للأمن القومي العربي

عرض رئيس الجمهورية فؤاد معصوم رغبة حكومة بغداد في الانفتاح على أشقائه الخليجيين كما عبر عن قلقه لتنامي ظاهرة الإرهاب والحاجة لتعزيز التعاون العربي والدولي للحد من هذه الظاهرة وناشد تعاون المملكة مع العراق في هذا المجال....كما استمع إلى ملاحظات خادم الحرمين الشريفين حيث أشار إلى أوضاع العراق المؤسفة وسبل العلاج، تحدث الملك حول التحدي الأمني الخطير الذي يواجهه العراق ودور العشائر في هذا المجال وأهمية إعادة هيكلية القوات المسلحة وتأهيلها لتصبح فعلا سياجا لكل الوطن وحامية لكل العراقيين، كما أكد الهوية الوطنية العراقية كمحضن جامع لكل العراقيين على اختلاف انتماءاتهم وتباين ثقافاتهم...وفي تصريحه للصحافة بعد انتهاء الزيارة تمنى الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي (أن يعود العراق كما كان....العراق لكل العراقيين، العراقي يأمن للعراقي، والعراقي يحمي العراقي....) لا حاجة للتأكيد أن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري سمع الشيء ذاته من الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي ولي العهد. ورغم أن الحديث جاء بلغة العموم مراعاة لقواعد البروتوكول لكن اللبيب بالإشارة يفهم... والرسالة باختصار الخليجيون وليس السعوديون فقط على أتم الاستعداد لفتح صفحة جديدة من العلاقات متى ما رغبت حكومة العبادي في ذلك حقاً، ودليل رغبتها أن تبدأ هي وتبادر بفتح صفحة جديدة وتدير العراق وفق نمط مغاير عن نهج الحكومات السابقة.

بالطبع لا أحد من العراقيين يقبل فرض الشروط والامتلاءات عليه، واعتراضنا على نفوذ دولة ولاية الفقيه هو اعتراض مبدئي إذ سنبقى نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية مهما ارتقت العلاقة مع الخارج وبلغت حد الأخوة لكن رسائل السعودية ليست شروطا أو إملاءات بقدر ما هي أمنيات يتطلع إليها بالفعل شعب اتبعته الأحداث بينما استحقاقه الطبيعي هو أن يعيش موحدا، متنعما بثرواته، كريما تحت الشمس.

العراق كشعب يتمدد عشائريا ومجتمعيا ويتكامل مع شعوب دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية على وجه الخصوص ولهذا ينبغي أن نتفهم قلق هذه الدول لحالة الانقسام المجتمعي العراقي على أساس مذهبي وعرقي وديني، إذ أن عدوى هذه الأمراض سوف تنتقل إلى مجتمعات هذه الدول التي عاشت كحالة المجتمع العراقي متآخية متعافية لقرون من الزمن.

ولذلك فإن لدول المجلس حاجة حقيقية وموضوعية في تماسك النسيج المجتمعي العراقي وهذا لا يتم إلا من خلال تكريس الهوية الوطنية العراقية كبديل لمحاولات فرض الهوية الطائفية.

الرسالة واضحة ومضمونها أن السعودية تنتظر ما ستفعله حكومة العبادي في الملف الداخلي....وقبل تأهيل العلاقات الخليجية العراقية المطلوب اولا تأهيل العلاقات الداخلية بين العراقيين أنفسهم، وطالما كانت السياسة الخارجية انعكاس ومرآة للسياسة الداخلية فإن ترميم العملية السياسية وتأهيلها سيكون بأسبقية على ترميم العلاقات الخارجية بين العراق وبين هذه الدولة او تلك.

دول الخليج العربي تريد للعراق أن يتعافى من أمراضه ويستقر، هي لا تريده كيانا ممزقا ونهبا لمليشيات يأتيها دعمها رغدا عبر الحدود بينما تبدو حكومة العبادي عاجزة تماماً عن التصدي لجرائمها الإرهابية أو في الحد من إزعاجها مرة للكويت وأخرى للبحرين وثالثة للسعودية ورابعة لقطر....، العراق قطر عربي وبالتالي لن تغفر الشعوب العربية الخليجية ولا حكوماتها أن يتحول العراق العربي إلى حديقة خلفية لإيران توظفها في التخريب، بينما تتكرر في وسائل الإعلام مشاهد استفزازية حيث يظهر قاسم سليماني في آمرلي وجرف الصخر آمرا ناهيا وكأنه يقود العمليات على ارض فارس....كما أن الدول الخليجية شعوبا وحكاما لا ترتاح لأوضاع العرب السنة وهي أوضاع كارثية، فمحافظاتهم تحت النار، وعوائلهم مهجرة، ومصالحهم معطلة، وشبابهم خلف القضبان، ومدارسهم مغلقة، ووجهاؤهم وسياسيوهم مطاردون.. والخيارات المفتوحة أمامهم بفضل سياسة الحكومة التي لم تتغير عن سابقاتها هي أما تركهم تحت رحمة الغلو التكفيري لتنظيم الدولة أو ضحية للتطهير الصفوي للمليشيات وأجهزة الدولة الأمنية، خياران هما الموت بعينه....

من جانب آخر فأمام حكومة العبادي مهمة صعبة تتمثل في التصدي لتنظيم الدولة، مهمة تتجاوز إمكاناته الذاتية وما حشد من مليشيات ومعها عدد غير معروف من وحدات من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وحزب الله تقاتل برا وجوا ولهذا يحتاج العبادي إلى التحالف الدولي، لكن قبل ذلك هو بأمس الحاجة إلى علاقات عامة رشيدة لجذب كافة أطياف المجتمع العرقي وفي المقدمة منهم العرب السنة قبل أن يضطروا مكرهين لمبايعة تنظيم الدولة وينتهي الأمر.. إن أحد الآثار الجانبية لهذه السياسة تكمن في تطبيع العلاقات مع أشقاء العراق الخليجيين المشاركين في هذا التحالف، وهؤلاء لن يفتحوا الباب على مصراعيها لحكومة العبادي قبل أن يقدم شهادة نجاحه داخليا.

لكن من اللافت للنظر أن حيدر العبادي حتى الآن خيب آمال أكثر المتفائلين بتشكيل حكومته إذ أنه كما يبدو ورغم التحذير والتنبيه يمضي دون هوادة على خطى سلفه نوري المالكي وهو ليس فقط لم يوفي بأي من التزاماته صغيرها وكبيرها بل إن سلوكه وقراراته لا توحي بأنه سيحترم وينفذ ما تعهد به خلال الفترة القصيرة المتبقية من الشهور الثلاثة، وسواء كان ذلك تسويفا أو عجزا فإن النتيجة واحدة، وبناءا عليه فإن من حق ممثلي العرب السنة أن واصل العبادي نهجه هذا أن يتخلوا عنه ويعملوا على استبداله وفرصتهم في النجاح كبيرة وهم يملكون جميع المبررات لاتخاذ هذه الخطوة، عندها ستكون المواجهة السياسية معه قائمة لا محالة. كما أن العزلة الخليجية المفروضة على العراق ستبقى هي الأخرى قائمة لا محالة أيضا.

مساحة إعلانية