رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يتوجه الآلاف من أبنائنا اليوم إلى المدارس، لبدء عام دراسي جديد، نتطلع جميعاً أن يكون عاماً أكثر فاعلية وتحصيلاً علمياً وتميزاً في الأداء الأكاديمي والتربوي.
لا نشك أبداً بجاهزية وزارة التربية والتعليم في الاستعداد للعام الدراسي الجديد، فهناك جهود كبيرة تبذل لتوفير بيئة تعليمية ذات خصوصية، ومتوافقة مع أفضل النظم العالمية، وتجهيزها بالوسائل والأدوات المطلوبة، واختيار الهيئة الإدارية والتدريسية من أصحاب الكفاءة العالية.
ربما حديثي ليس عن جاهزية الوزارة وما تتمتع به من إمكانات مادية ولوجستية، بقدر ما هو حديث عن الجوانب التربوية، التي تمثل العنصر الأبرز في دور وزارة التربية والتعليم، وهو دور أثق أن الوزارة بقيادييها ومنتسبيها يعملون جاهدين لترسيخ قيم التربية في أبنائنا، فعلمٌ إذا خلا من تربية وأخلاق وقيم، لا معنى له، ولا جدوى منه، ولا يمكن أن يبني حضارة، أو يدفع بتقدم مجتمع.
لذلك نتأمل أن تضع القرارات والتعاميم التي تنظم العملية التعليمية، سواء في علاقاتها بين الإدارة العليا بالوزارة وبين الهيئات الإدارية أو التدريسية في المدارس، حيزاً للعلاقة الإنسانية، دون الإخلال، بالطبع، بالقوانين والأنظمة ومصلحة العمل، والأداء بالصورة المثلى، إنما يكون هناك تفهم للحالات والظروف الإنسانية التي يتعرض لها الإداري أو المدرس، وهو ما يخلق ولاءً أكبر، وإخلاصاً أكثر، وعطاء أفضل، للوزارة وطلابها.
الأمر الآخر في علاقة المدرسين / المدرسات مع أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات، هذه العلاقة نتوقع ألا تكون مجرّد علاقة تربط مدرساً / مدرسةً يقوم بتدريس مادة في صف لمدة 45 دقيقة، وفي آخر الشهر يتقاضى راتباً على ذلك.
جميعنا مر بتجارب عديدة، إيجابية وسلبية، في العلاقة بينه وبين مدرس مادة ما، لا زالت عالقة في ذهنه، وربما تركت أثراً لا زال حاضراً، هذا الأثر نريده أن يكون إيجابياً، نريد من إخواني وأخواتي المدرسين والمدرسات أن يكونوا قدوات ـ وهنا للتذكير فقط، لأننا نؤمن بأنهم كذلك ـ في علاقتهم مع الطلبة والطالبات، سواء بالكلمة الحسنة، أو المعاملة الحسنى، أو التبسط في العلاقة، أو التمهل في إيصال المعلومة..، وقبل ذلك كله في السلوك والمعاملة.
نحن بأمسّ الحاجة إلى مربين ومعلمين يقدمون نماذج رفيعة أمام طلابهم، أخلاقاً وقيماً، تعاملاً وسلوكاً، وهو ما نحتاجه اليوم في مؤسساتنا التعليمية، في ظل فضاء مفتوح، يحمل طوفاناً من السلوكيات والأخلاقيات، المرفوض الكثير منها دينياً وأخلاقياً واجتماعياً، وعبء هذا الإصلاح أو التصدي لهذا الطوفان لا يقع فقط على كاهل المدرس أو المدرسة أو وزارة التربية والتعليم، إنما جميعنا مسؤولون عن ذلك، خاصة الأسرة، وهو ما يتطلب المزيد من التواصل بين الأسرة ـ البيت ـ والمدرسة والمدرسين والمدرسات، وأن تكون هناك علاقة وثيقة تربط بين الطرفين، وألا يتحسس الآباء أو الأمهات إذا ما نقل إليهم أن مدرساً / مدرسة قام بتعنيف أحد أبنائهم.
للأسف البعض من أولياء الأمور تجده غائباً عن متابعة أمور ابنه بالمدرسة طوال العام، حتى اللقاءات أو اجتماعات مجالس الآباء نادراً ما يكلف نفسه بحضورها، لكنه ينزعج كثيراً إذا ما وصلت إليه معلومة ناقصة عن موقف تعرض له ابنه / ابنته من قبل مدرس أو مدرسة، دون التأكد من تلك المعلومة.
نريد تكامل الأدوار بين المدرسة والأسرة في التربية، فهذا الجيل سيكون يوماً صانع قرار في المجتمع، فلا ينبغي التساهل في عدم إقامة شراكة حقيقية بين الطرفين، المدرسة والأسرة، من أجل أبنائنا.
الأمر الآخر، نتمنى من الأخوة المدرسين والأخوات المدرسات أن يكونوا أصدقاء للطلبة والطالبات، مع حفظ المكانة طبعاً، بعيداً عن الشدة والغلظة وعبوس الوجه...
اليوم هو الأول في العام الدراسي، قد يتأخر بعض الطلاب في شراء اللوازم المدرسية لظروف أسرية، قد يكون منها عدم القدرة المالية، خاصة إذا ما كان في الأسرة أكثر من ابن في مراحل تعليمية مختلفة، فلا داعي لتعنيفه أو توبيخه أمام زملائه، كن إنسانا قبل أن تكون أستاذاً، فاليوم الأول قد يحفظه لك هذا الطالب أمد الدهر، سلباً أو إيجاباً.
كونوا أيها الأخوة والأخوات نماذج في المبادرات النوعية على صعيد الصف والمدرسة والوزارة، حتى تدفعوا الطلاب والطالبات للاقتداء بكم، والسير على خطاكم.. اتركوا أثراً طيباً، فهؤلاء الطلاب سيحفظون لكم ذلك.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8826
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4830
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
4662
| 14 أكتوبر 2025