رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

288

مها الغيث

(المقاومة بسلاح الكلمة)

27 يونيو 2025 , 03:40ص

في هذه المادة الخام من التحدي والصمود والتضحية، وبعزيمة الإرادة التي لا تنكسر، وبأس الروح التي لا تُقهر، تبرز أقلام واعدة من فلسطين، لكتّاب وكاتبات قد تجاوزوا بالكاد العشرين من أعمارهم، وجاءت قصصهم القصيرة، المستلهمة والواقعية، التي وثّقوها بين عامي 2008 و2009، بمثابة شهادة تاريخية عن الخط الفاصل بين الحياة والموت، وهم يرزحون تحت نير العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فيما عُرف باسم «عملية الرصاص المصبوب»، وهم بالتحديد الطليعة التي طالبت الكاتبة والناشطة الحقوقية الفلسطينية-الأمريكية (سوزان أبو الهوى) باحتوائهم، وقراءة إصداراتهم، ومن ثم العمل على نشرها، أو كما اعتبرتهم الصحفية الإنجليزية (فيكتوريا بريتن) حسب تعبيرها: «إن هذا الجيل يكتب كشكل من أشكال المقاومة»، في الوقت الذي حثّت فيه الكاتبة اليهودية (ميشيل كوهين) على ضرورة الاعتناء بما يكتبون بغية نشر الوعي بين الجميع، حيث قالت: «يجب أن تكون قراءة هذه القصص القصيرة عن غزة إلزامية للجميع، لأنها تخلق الوعي، والوعي يؤدي إلى الفهم، والفهم يؤدي إلى التغيير».

لذا، لا شك من أن هذه المجموعة التي جاءت في نسختها الأصلية باللغة الإنجليزية (Gaza Writes Back: Short Stories from Young Writers in Gaza, Palestine) تعبّر بصدق عما يعتمل في عقول وقلوب نمت في أجساد غضة لم تزل أسيرة احتلال غاشم حفر ندوبه بعمق في جوانبها، لكنها خلاف ما اعتقد.. فهي عقول تعي فتكتب، وقلوب تغضب ولا ترضخ، فيراها تفجّر من قاع اليأس طوفان الأمل بحياة قادمة مفعمة بالعدل والحرية.

يتصدر مجموعة (غزة ترد بالكتابة) إهداء موجّه «إلى فلسطين.. إلى غزة»، يجسّد عزيمة الروح الأبية التي تقرر الحياة، يأتي نصها كما يلي: «رغم أحكام الإعدام الإسرائيلية.. كالرصاص المصبوب على الرأس.. ينخر في حياتنا.. متشبثاً بها كالبرغوث على هريرة.. ومحشوراً في حناجرنا.. في اللحظة التي نقول فيها «آمين».. على صلوات النساء العجائز والرجال المسنين.. يعترضون طريقهم إلى الله.. فإننا نحلم ونصلي.. متشبثين بالحياة حتى بقوة أكبر.. في كل مرة تُقتلع فيها حياة شخص عزيز بالقوة.. فإننا نعيش.. نحن نعيش.. نحن نفعل».

أما محرّر المجموعة، فيقول في مقدمته: «إن الكتّاب الفلسطينيين، وخاصة الشباب منهم، يجسدون قصصهم على هيئة سرديات، في محاولة لفهم السياق العبثي المحيط بهم، وفي بحثهم عن أرضهم فلسطين. فلسطين، وإن كانت تُجسد أحياناً مجازياً، إلا أنها يمكن أن تكون حقيقة جميلة! فلسطين على بُعد شهيد، أو دمعة، أو قذيفة، أو أنين.. فلسطين على بُعد قصة».

إنه (رفعت العرعير 1979: 2023) كاتب وشاعر وأكاديمي وناشط فلسطيني، حصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من الجامعة الإسلامية في غزة عام 2001، ودرجة الماجستير من كلية لندن عام 2007، ودرجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة بوترا في ماليزيا عام 2017. وبالإضافة إلى عمله الجامعي وإصداراته الأدبية، فقد شارك في تأسيس منظمة (لسنا أرقاماً)، التي حرصت على طرح معاناة أهل غزة لا سيما من خلال الكتّاب الجدد وإصداراتهم التي تعكس واقعهم تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، كإحدى وسائل المقاومة للشعب الفلسطيني.. وهو الذي استشهد مع عدد من أفراد عائلته في غارة جوية إسرائيلية استهدفت شمال قطاع غزة في ديسمبر 2023، أو كما تشير بعض التقديرات باستهدافه شخصياً، إثر تهديدات تلقاها على هاتفه وعلى حساباته الرقمية عبر حسابات إسرائيلية.

ينتقي المحرر ثلاثا وعشرين قصة من بين عشرات القصص التي تم تقديمها للمنظمة باللغة الإنجليزية، جلّها عن طريق كاتبات شابات. وإن كان هذا لا ينتقص من دور نظرائهن من الكتّاب الشباب، فإنّ تزايد أعدادهن يعكس من ناحية، هوية المجتمع الفلسطيني الحديث الذي بات أكثر انفتاحاً يتساوى فيه النساء والرجال، ومن ناحية أخرى، يعكس حرص تلك الكاتبات الأخذ بزمام المبادرة بكل ما أتيح لهن من أدوات -لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي- لعرض قضية الوطن والمقاومة بالكتابة ومواصلة النضال، فضلاً عن الأدوار الرائدة التي لعبتها النساء الفلسطينيات عبر التاريخ والتي من غير الممكن إنكارها.

ومن جميل ما أورده أولئك الكتّاب والكاتبات اليافعون في قصصهم، الرافضون للاحتلال والمقاومون بالكتابة، بعد أن سئموا من مجتمع دولي لا يحرك ساكناً وقيادة فلسطينية لا تختلف، وقد قرروا بعد أن تعلّموا اللغة الإنجليزية، أن يكتبوا بها، كسلاح أمضى بين أيديهم في قضيتهم العادلة وفي معركة تقرير المصير، ما ختمت به الكاتبة (سارة علي) قصتها التي جاءت بعنوان (قصة الأرض The story of the land)، وهي التي تؤمن بمحاربة الاحتلال على جبهات مختلفة، من ضمنها ميادين الصحافة والإعلام، حيث قالت: «أتذكر أن غزة ليست سوى جزء صغير من فلسطين. أتذكر أن فلسطين أكبر من غزة. فلسطين هي الضفة الغربية، فلسطين هي رام الله، فلسطين هي نابلس، فلسطين هي جنين، فلسطين هي طولكرم، فلسطين هي بيت لحم، والأهم من ذلك، فلسطين هي يافا وحيفا وعكا وكل تلك المدن التي تريد إسرائيل منا أن ننساها».

مساحة إعلانية