رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

828

هديل رشاد

ليتني كنت الوشق!

26 مارس 2025 , 02:00ص

بلى، كما قرأتَ، عزيزي القارئ، باتت إحدى أمنياتنا أن نكون ذلك “الوشق”. فقد تابعنا جميعًا الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن هجوم مباغت نفّذه وشق مصري على مجموعة من جنود الكيان المحتل في منطقة جبل حريف على الحدود المصرية، ما أسفر عن إصابتهم بجروح متفاوتة.

واقعة قد تبدو غريبة، لكنها تعيد إلى الذاكرة مشهداً أكثر وحشية: ذلك الكلب المفترس الذي أطلقه جنود الاحتلال، المتفاخرون بأخلاقهم المزعومة، على مسنّة فلسطينية خلال عدوانهم الهمجي على غزة. وكأن عدالة السماء أبت إلا أن تضع المعتدي في موضع الضحية، ليذوق شيئًا مما أنزله على غيره. فهل هي مجرد مصادفة؟ أم أنها رسالة كونية بأن الظلم، وإن ظنّ أصحابه أنه بلا رادع، ستنتفض الطبيعة نفسها ضده؟

* وكأن الله أراد أن يفضح عجزنا، فسلّط علينا هذا الوشق ليقوم بما تقاعسنا عنه، لينتزع من المحتل ثمن جرائمه، بينما نحن جالسون نحسب عدد الشهداء كما لو كانوا مجرد أرقام في نشرة أخبار. هذا الوشق، الذي لا يدرك معنى الحقوق ولا يعرف شيئًا عن العدالة، استشعر الظلم الواقع على الفلسطينيين أكثر مما استشعرناه نحن! نهض ليواجه القتلة، فيما نحن نكتفي بمراقبة المجازر كأنها مشاهد من فيلم دموي معتاد، وبعضنا لا يجرؤ حتى على التعبير عن رأيه، رغم أن ذلك أضعف الإيمان!

لكن، أمام هذا المشهد، لا يسعنا إلا أن نتساءل بحسرة: أإلى هذا الحد بلغ بنا الضعف والهوان، حتى باتت الأقدار تستبدلنا بحيوان بريّ لينتزع لنا بعضاً من حقوقنا المسلوبة؟ كيف نقف مبهورين ببطولة حيوان، بينما نحن أصحاب القضية نقف عاجزين مكتوفي الأيدي، لا نحرك ساكنًا؟! وكأننا نحيا على كوكب آخر، لا نملك سوى التصفيق لهذا الحيوان صاحب الكرامة، ومتابعة المجازر بحق أهلنا في شهر الرحمة وطلب المغفرة، وكأننا مجرد متفرجين في مسرحية عبثية! فكيف سيغفر لنا الله؟ وكيف نرجو العتق من النار، ونحن عاجزون عن نصرة المظلوم؟!    

* إنها لحظة مواجهة مع الذات، فما جدوى حياة تُعاش في ظل الخنوع؟ وما قيمة البنيان المرصوص إن لم تهتز أركانه لنصرة المظلوم؟ أما آن الأوان لأن نستلهم من هذه الحادثة درساً لا يُنسى؟ فالأرض لا يحررها المتخاذلون، والحقوق لا تُستعاد بالانتظار، والتاريخ لا يرحم، الأوطان لا تُستعاد بالأماني، بل بالصمود وبمواصلة دعم إخوتنا، ولو بالكلمة، وهذا أضعف الإيمان، تثبيت المقاومين الصامدين على الثغور ونصرتهم هو واجب لا يقبل التأجيل، فهم خط الدفاع عن شرف أمة بأكملها، وهم الذين يؤمنون بأن العيش بكرامة هو الخيار الوحيد الذي يستحق المقاومة لأجله.

أليس هذا هو العار بعينه؟ أن نحتفي بفعل حيوان، بينما تخرس ألسنتنا عن قول الحق، وتُشلّ أيدينا عن الفعل؟ أن يصبح الوشق أشجع منا، أكثر وفاءً لقضيتنا من ملايين البشر؟ في أي دركٍ سحيق سقطنا حتى صار الحيوان رمزًا للكرامة، وصار الإنسان مثالًا للخذلان؟

* نحن الذين كنا سادة الأرض، أصبح أقصى ما نملكه هو الدعاء والمناشدات، ننتظر من الطبيعة أن تثأر لنا، وكأن الله قد استبدلنا بحجارةٍ تلقيها الطير، أو بحيوانات تأبى الذلّ، بينما نحن نتعايش معه! الوشق فعلها وحده، ونحن خذلنا فلسطين، وخنَّا دماء الشهداء، وتركنا أطفال غزة يحترقون تحت القصف، ونحن نتساءل: عن كفارة الإفطار في نهار رمضان عمداً؟!، لا عن كفارة الخذلان مع سبق الإصرار والترصد!.

لا، ليس انتقام «الوشق» هو المعجزة، بل معجزتنا ستكون يوم نقرر أن نخوض المعركة بأنفسنا، يوم نتحرر من خوفنا كما تحرر هذا الوحش من غريزته، فاستبدل بها كرامةً لم يعد يعرفها إلا القليلون.

ختاماً..

* إن حادثة الوشق ليست مجرد واقعة عابرة، بل هي صفعة على وجوهنا جميعًا، تفضح عجزنا وتضعنا أمام حقيقة مُرّة: أن حتى الطبيعة باتت أكثر جرأة منا في مواجهة الظلم. هي رسالة لا تحتمل التأويل، بأن فلسطين لا تنقصها وحوش تدافع عنها، بل تنقصها قلوب مؤمنة، وعزائم لا تهادن المحتل ولا تستكين.

فإلى متى سنبقى على هامش المعركة ننتظر من الأقدار أن تردّ لنا حقوقنا المسلوبة؟ إلى متى سنترك أطفال غزة وحدهم في مواجهة القذائف، ونكتفي بعدّ الشهداء ورصد المجازر والانتحاب عليهم؟! متى سننهض من هذا السبات الذي طال؟!، فالتاريخ لن يرحمنا.

 

مساحة إعلانية