رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

213

هديل رشاد

غزة تعزف مَلْحمة البقاء

17 سبتمبر 2025 , 02:24ص

منذ أسابيع، تتعرض مدينة غزة لحملة قصف هي الأعنف والأكثر دموية في تاريخها الحديث، هجوم جوي وبري متزامن تقوده آلة عسكرية صهيونية فاشية لا تعرف سوى الإبادة وسحق الإنسان والحجر. كثافة النيران التي تنهمر على المدينة لا تهدف إلا لاحتلالها وطرد أهلها، لتتضاعف معاناة الفلسطينيين فوق ما ورثوه جيلاً بعد جيل من قهر ونزوح ولجوء، وكأن قدر الفلسطيني أن يورّث أبناءه قبل رحيله لا بيتاً ولا مالاً، بل مأساة لا يفهمها إلا من ذاق مرارة الاقتلاع من أرضه، وحُمل قسراً على ترك وطن أجداده.

ورغم تقارب الكلمات وتشابهها في ظاهرها: تهجير، نزوح ولجوء؛ إلا أن كل واحدة منها مشحونة بألم يثقل الروح قبل الجسد، وجع ممتزج بالقهر، وجرح لا يندمل، تلك ليست مصطلحات لغوية لفرد عضلاتي في معرفتها، بل تجارب وجودية محفورة في الذاكرة الجمعية للفلسطيني، تجارب لا يفقه معناها العميق إلا من عاش لحظة الانكسار الأولى وهو يغادر بيته بلا عودة، أو من ودّع مسقط رأسه ليُلقى به خارج جغرافيا وطنه خدمة لوهم توراتي بلا أصل ولا جذور.

الجيش الأكثر فاشية في العالم أعاد إنتاج سياسة باتت قاعدة لا استثناء.. دقائق معدودة يمنحها لسكان المباني كي يفرّوا بأجسادهم قبل أن تتحول بيوتهم إلى ركام، يخرجون مجردين من كل ممتلكاتهم وحياتهم، لا يحملون سوى ذكريات قبل هذه الحرب غير المتكافئة، وأوراقهم الثبوتية والتي يعرفون أنها قد تكون آخر ما يشهد على هويتهم لحظة استشهادهم، بعدما صار الموت مصيراً لا مهرب منه، مشهد يتكرر بلا انقطاع، حتى بات جزءاً من ذاكرة الفلسطيني اليومية، ذاكرة مثقلة بصور الدمار، وصراخ الأطفال، وأشلاء الشهداء، ورائحة الموت التي تلف المكان.

الأرقام وحدها تكفي لتكشف حجم الجريمة، فبحسب إحصائيات، تم خلال الأسبوع الماضي تدمير 14 برجاً سكنياً و120 بناية بشكل كلي، إضافة إلى 500 بناية أخرى تضررت جزئياً، فضلاً عن تسوية 600 خيمة بالأرض، ما تسبب بفقدان أكثر من 53 ألف إنسان لمأواهم، ولم تسلم مراكز الإيواء التي احتمى بها النازحون، لتصبح هي الأخرى أهدافاً عسكرية، وكأن الاحتلال لا يريد أن يترك للفلسطيني مكاناً آمناً يلجأ إليه، ما يؤكد تكالب القوى العظمى على غزة بل على فلسطين كلها.

ولم يكتف الاحتلال بتهجير الناس وتدمير بيوتهم، بل عمد إلى إغلاق منفذ زيكيم –المنفذ الأخير- الذي خُصص في يونيو الماضي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع، في خطوة مكشوفة لتسريع وتيرة التجويع وتحويل الجوع إلى سلاح جماعي يوازي ذلك استهداف ممنهج للمستشفيات ومراكز العلاج، في مشهد لم يعد يعني شيئاً للمجتمع الدولي ولا للقوانين التي طالما تباهت بحماية الإنسان، فإذا بها تكشف عن زيفها وصِغَرها أمام قانون الغاب الذي بات النهج السائد، والممهور بتوقيع حكومة المعتل نفسياً بنيامين نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرف، الحاصلين على الضوء الأخضر من إدارة ترامب التي لا تجيد سوى الانصياع لمطالب المدللة إسرائيل.

المأساة لا تقف عند القصف والتهجير والتجويع، فخلال كتابتي هذه الأسطر أعلن الجيش الأكثر فاشية على مرِّ التاريخ أن العمليات الميدانية في مدينة غزة تشهد توسعاً عسكرياً ممنهجاً؛ إذ بدأت فرقتان عسكريتان إسرائيليتان بالفعل المرحلة الثانية من اجتياح مدينة غزة، فيما تستعد فرقة ثالثة للالتحاق بهما، في مشهد يعكس قراراً استراتيجياً بالتصعيد حتى أقصى درجاته، والهدف لم يعد سراً بل معلنا وواضحا غايته تهجير أهل غزة قسرا من مدينتهم، ليُمحى وجودهم وذكرياتهم تحت جنازير الدبابات وصواريخ الطائرات.

ولا ننسى ما جرى يوم الثلاثاء الماضي من استهداف جبان وغادر لدولة الوساطة قطر، فما حدث لم يكن خارج السياق، فاستهداف الوفد المفاوض لحركة المقاومة الإسلامية حماس على الأراضي القطرية جاء في إطار خطة إسرائيلية مدروسة لكسب مزيد من الوقت وتحقيق أهداف استراتيجية توسعية، سواء في الضفة الغربية أو في غزة، فالقصف الغادر لدولة التفاوض كان إشارة متعمدة إلى أن الاحتلال مستعد لنسف أي مسار تفاوضي إذا كان سيحد من شهيته الاستيطانية والحربية، هنا تتكشف حقيقة الموقف فالأسرى الإسرائيليون أنفسهم ليسوا أولوية بالنسبة لبنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، بل ورقة يستخدمها لتسويق بقائه السياسي وإخماد نار أهالي الأسرى المستعرة واتهامهم إياه بالتخاذل وعدم الاكتراث لأسراهم الذين سيصفون واحداً تلو الآخر إما جوعاً أو قصفاً ولربما كمداً على أنَّ ما أوصل الأسير إلى هذه الحالة هو اعتقاده بأن حكومته ستقف خلفه لكن لا يعلم أن حكومته تستخدمه كورقة لتحقيق مصالحها ومصالح أمريكا.

بهذا المعنى، يصبح العدوان على غزة والضفة واستهداف الوسطاء جزءاً من نهج واحد.. نهج يقوم على الإبقاء على حالة الحرب مفتوحة، واستثمار الدم الفلسطيني وقضية الأسرى لخدمة مشروع توسعي لا صلة له بالأمن ولا بخديعة السلام، بل لإبقاء المنطقة رهينة لرغبات شخص معتَل نفسياً، محاطاً بحكومة متطرفة أعطاها ترامب ضوءاً أخضر للبطش بلا حدود.

ختاماً..

في مواجهة هذا الجنون الحربي، يبقى الفلسطيني مشدوداً إلى بيته وشارعه وأرضه، يرفض فكرة النزوح، متمسكاً بجذوره التي لم تنكسر رغم سبعة عقود من محاولات الاقتلاع، وبينما تحاول آلة الاحتلال أن تجعل من القهر قدراً أبدياً، يكتب الغزيون بدمائهم فصلاً جديداً من ملحمة البقاء، يثبتون فيه أن الهوية لا تُمحى وأن الأرض لا تُورّث لغير أهلها.

اقرأ المزيد

alsharq التضرع إلى الله.. ملاذ القلوب وقت الشدة والرخاء

في عالم يموج بالتحديات والمخاطر، يظل الإنسان بحاجة دائمة إلى ما يربط قلبه بالسكينة والطمأنينة، وليس هناك سبيل... اقرأ المزيد

81

| 19 سبتمبر 2025

alsharq (الضمير الإنساني) مع تقرير فوزي بشرى!

«سكان قطاع غزة -كلّهم- مهدّدون بالموت الجماعي جوعاً». بهذه الكلمات الموجعات، التي تتداعى لها المشاعر من أقطار النفس... اقرأ المزيد

123

| 19 سبتمبر 2025

alsharq حزن القدس

سأحكي حزنَ قدسٍ من أَسايا نفوسٌ تمطرُ الرّمادَ شَظايا وأقلامٌ تراسلُ الحزنَ نعيًا كلامٌ ينتجُ السّحابَ خطايا فكيفَ... اقرأ المزيد

72

| 19 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية