رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبد اللطيف آل محمود

عبد اللطيف آل محمود

مساحة إعلانية

مقالات

748

عبد اللطيف آل محمود

قهوة أكاديمية القادة

25 أبريل 2005 , 12:00ص

في صغري، كان الوالد - رحمة الله عليه - يقضي الإجازات الصيفية في مزرعته في إحدى قرى ربوع نجد، وكنت والإخوان والأقارب نصحبه خلال الإجازة للاستمتاع بطبيعة الحياة الريفية بعيداً عن رتابة وصخب الحياة المدنية.

كنا صغاراً نميل إلى اللعب في كثير من الأحيان كعامة الصبيان، وإدراكاً من الوالد - رحمه الله - بحجم الفراغ في تلك الفترة والمكان بدون كهرباء، دأب على اشغالنا بأشياء تعود علينا بالفائدة، فكان يصحبنا في زياراته لأعيان البلد، ويعرفنا بالمشاهدات اليومية. وكان يصحبنا معه في الصباح الباكر للتريض في المزرعة أو القرية والهضاب المحيطة بها. وكان يسألنا كثيراً عن مشاهداتنا ويجيب عنها بمعلومات تناقلها الآباء عن الأجداد. ويشجعنا على تعلم السباحة والرماية. وكنا في الليل نخرج للمبيت على سفوح الكثبان الرملية خارج المزرعة ابتعاداً عن لسعات البعوض، حيث كنا نسمر تحت ضوء القمر بقصص الأولين والآخرين. نمط تلك الحياة البسيطة جعلنا أقرب لبعضنا البعض وأكثر تفهماً وانسجاماً وتعاملاً مع الآخرين، وتعلماً من البيئة المحيطة بنا.

 

مناسبة هذا الكلام حضوري حفل إعلان تأسيس أكاديمية قطر للقادة بحضور سعادة الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني، الذي أطلق شعار «اليوم نعد أجيال الغد». وفكرة المشروع الجديد لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع بقيادة سمو الشيخة موزة المسند حرم سمو أمير البلاد المفدى، تتميز بتأهيل الشباب من العمر 11 إلى 18 سنة في مختلف المجالات العلمية والدينية والرياضية مع التشديد على اكسابهم الكفاءة والحس القيادي والأخلاق الحميدة في سن مبكر. فبالإضافة إلى الدراسة النظرية سيكون هناك تطبيق عملي لليوم الدراسي الكامل الذي يبدأ بصلاة الفجر وطابور الصباح ومروراً بحصص الدراسة اليومية وبرامج الرياضة والصلوات ووجبات الغداء والعشاء وانتهاء بصفارة الخلود إلى النوم.

 

ادخال مادة التراث القطري كمادة دراسية لطلاب الاكاديمية لتعلم الفروسية وركوب الجمال والصيد بالصقور والعرضة وآداب المجلس وفنون إعداد القهوة وتقديمها، ذكرتني بمناسبة لن أنساها أبداً حدثت خلال إحدى الإجازات الصيفية في مزرعتنا وهي أنني كنت في المجلس مع والدي عندما حل علينا ضيوف في ساعة مبكرة من الصباح. وطلب الوالد أن تصب القهوة لهم كما هي عادة إكرام الضيوف، ورغم أن القهوة جاهزة على النار، إلا أن المقهوي لم يكن في المجلس، وكان لزاماً عليَّ أن أقوم بالواجب. كان عمري وقتها في سن الثانية عشرة تقريباً، وكانت الدلة ثقيلة من الحجم الكبير، فحملتها بصعوبة بيدي اليسرى، والفناجين باليمنى، وما أن هممت بصبها حتى انسابت القهوة لتملأ الفنجان عن آخره وتحرق أطراف أصابعي. ولم أجد مفراً من تقديم الفنجان للضيف وقد سالت القهوة الحارة من أطرافه. زادت الأمور تعقيداً حرارة الفنجان وإصرار الضيف والوالد على تقديم كل منهما للآخر على استلام الفنجان أولاً. هذا يقول تفضل وذاك يقول أنت أولاً، واليد المحروقة تراوح مكانها يمنة ويسرة.

وأخيراً رضخ الوالد لإصرار الضيف في أن يشرب هو أولاً. وما أن استلم الفنجان حتى انقلبت الابتسامة وبشاشة الوجه إلى ضيق ووجوم أدركتهما في وجهه. وكانت نظرة العتاب أقسى من أي كلمة تقال. أدركت أنني أخطأت وكانت ثواني أطول من ساعات قطعها حضور المقهوي وأخذ الدلة من يدي لتقديم واجب الضيافة.

بعد رحيل الضيف قدمت اعتذاري للوالد متحججاً بثقل وحرارة الدلة. ابتسم ابتسامة المعاتب وقال «عليك أن تتعلم حمل القهوة وطريقة صبها حتى تكرم ضيوفك بنفسك عندما تكبر».

الرجولة وآدابها وفنونها أمور يكتسبها الأبناء من الآباء، وكثير منها لن تجدها بين طيات الكتب أو في أروقة المدارس والجامعات. أكاديمية قطر للقادة فريدة من نوعها، فهي تجمع بين هذا وذاك. وستكون بإذن الله مفخرة لقطر ولأبنائها.

مساحة إعلانية