رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
فيما يواجه النظام العالمي أكبر تحدٍّ لكيانه ومصداقيته منذ نهاية الحرب الباردة قبل حوالي ثلاثة عقود ونصف بتهميش دور ومكانة وسمعة المنظمات الدولية التي أنشئت لحل الأزمات ومنع تحولها لحروب ونزاعات دائمة وحل الصراعات بطرق سلمية وبالتفاوض، خاصة مع ما نشهده من دور الولايات المتحدة المتراجعة وخاصة بعد فوز الرئيس المنتخب والعائد دونالد ترامب للرئاسة، وعقيدته أو مبدأه الانعزالي- أمريكا أولاً وعدم احترامه لدور المنظمات الدولية. وكذلك حرب بوتين- روسيا على أوكرانيا وتصعيده بتغيير العقيدة النووية العسكرية الروسية، وتلميحه لاستخدام السلاح النووي التكتيكي بعد سماح إدارة بايدن لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى تضرب داخل العمق الروسي وكذلك بريطانيا وفرنسا. ومع صعود دور الصين في شتى المجالات في تحديها للهيمنة الأمريكية وإصدار بيانات وخوض مناورات تهدد تايوان وترعب وتثير قلق حلفاء الولايات المتحدة والغرب في مناطق نفوذ الصين في جنوب وشرق آسيا وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وغيرها.
* يأتي قرار المحكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه المقال غالنت ليمتحن مصداقية النظام العالمي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة بايدن المودعة، في أيامها الأخيرة، وإدارة ترامب القادمة، ومدى احترامهم للقانون الدولي وقرارات المنظمات الدولية عندما يتعلق الأمر بحليف يتم إدانته كإسرائيل والمطالبة باعتقال قادته لارتكابهم جرائم حرب بدعم وتمويل وتسليح وغطاء وحتى فيتو أمريكي. وصل الأسبوع الماضي لرقم قياسي خمسة حالات نقض أمريكية لحماية إسرائيل منذ حرب إبادة إسرائيل على غزة رداً على عملية طوفان الأقصى التي شنتها كتائب عزالدين القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر 2023. وآخرها نسف مشروع قرار يدعو لوقف الحرب على غزة وإطلاق الأسرى والمحتجزين رفضت الولايات المتحدة وقف الحرب بفيتو خامس!
برغم توصية مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان منذ شهر مايو 2024 باعتقال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ووزير دفاعه يوآف غالنت، أقاله لاختلاف معه حول صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين. باتهامهما بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى الإبادة الجماعية، وكذلك استخدام سلاح التجويع وحرمان سكان غزة من أبسط مقومات الحياة. ومحمد الضيف القائد الميداني لحركة حماس في غزة والتي ادعت إسرائيل اغتياله ولم تؤكد أو تنفي حماس اغتياله. وبرغم تأخر قرار المحكمة الجنائية الدولية (ICC) إلا أن إصدار المحكمة مذكرات الاعتقال يعد حدثا وتطورا جريئا وتاريخيا نادرا يصدر ضد قادة إسرائيل حليف الغرب وليس ضد دولة أفريقية هامشية!
* منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية حسب ميثاق روما الأساسي عام 2002 وقعت على الميثاق وانضمت للمحكمة 124 دولة وجميع الدول الأوروبية. لم تعترف وتنضم إلى المحكمة دول رئيسية على رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل وغيرها حتى لا يُحاكم قادتها السياسيون والعسكريون لارتكابهم جرائم حرب. خاصة أن تلك الدول لا تعترف بسيادة المحكمة على قراراتها.
تجدر الإشارة إلى أن قرارات المحكمة ملزمة وغير قابلة للطعن. ومن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية النظر في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها قادة ومسؤولون في الدول. لكن لا تملك المحكمة سلطة تنفيذية ولا شرطة لإلقاء القبض على من تصدر مذكرات اعتقال بحقهم.
وفي تناقض صارخ ترفض الانضمام أو الاعتراف بقرارات المحكمة الجنائية الدولية، دول رئيسية وفاعلة ومؤثرة في النظام العالمي وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين، ومعهم إسرائيل، حتى لا تتم محاكمة قادتها السياسيين والعسكريين بارتكاب جرائم حرب في حروبهم، وتصدر أحكاما بإلقاء القبض عليهم، كحال نتنياهو والرئيس الروسي بوتين، ورئيس صربيا السابق ميلوسوفيتش الذي توفي في سجنه في مقر المحكمة في لاهاي، والرئيس السوداني عمر البشير والزعيم القذافي. لذلك تعول المحكمة الجنائية الدولية على تعاون الدول الأعضاء وغير الأعضاء على تنفيذ قراراتها.
* إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال في 21 نوفمبر برغم حملة الضغط الهائل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعد حدثاً تاريخياً، كونها المرة الأولى تصدر المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق شخصية رئيسية وقيادية موالية للغرب. والمرة الأولى التي يُدان فيها شخصية (نتنياهو) تحاصر وتعمق عزلة وإدانة إسرائيل لارتكابها جرائم حرب. ويكتشف العالم وحشية الصهاينة منذ نكبة فلسطين.
أحدث إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر الاعتقال زلزالاً سياسياً داخل كيان الاحتلال. أبرزه امتحان مصداقية وموقف الولايات المتحدة الحليف والداعم الأول والشريك الرئيسي تمويلا وتسليحا وتوفير غطاء باستخدام الفيتو لحماية إسرائيل. فلم يكن مستغربا رفض وتنديد إدارة بايدن ومعها الكونغرس بمجلسيه والمشرعين الديمقراطيين والجمهوريين وحتى بايدن شخصياً الذي علق «مهما تكن الأدلة لدى المحكمة الجنائية الدولية فلا يمكن المساواة بين حماس وإسرائيل». ومعه الرئيس المنتخب العائد دونالد ترامب الذي توعّد المحكمة وقضاتها بعقاب ورد مع بدء رئاسته في يناير القادم. وكان ترامب فرض عقوبات على المحكمة في فترة رئاسته الأولى بعد فتح تحقيق باحتمال ارتكاب القوات الأمريكية جرائم حرب في أفغانستان.
* يرى الناشطون وشعوب العالم وخاصة «عالم الجنوب» نفاق الولايات المتحدة بتنديدها بقرار المحكمة تجاه إسرائيل حول جرائم إبادة قادة إسرائيل بينما أيد ورحب بايدن وإدارته بإصدار نفس المحكمة مذكرة اعتقال الرئيس الروسي بوتين في مارس 2023 بتهمة اختطاف وترحيل أطفال أوكرانيين من أوكرانيا إلى روسيا. في تناقض فاضح يسقط ادعاء الولايات المتحدة احترامها للقانون الدولي وأحكام المحاكم بعد مرافعات وتقديم أدلة وبراهين!
الخشية من الموقف الأمريكي المتناقض أن الولايات المتحدة سواء برئاسة بايدن وترامب هو تقويض ليس مكانة وسمعة الولايات المتحدة التي تقدم نفسها الحامي والمدافع الأول عن احترام القانون الدولي والمعايير الدولية، ولكن تجازف أمريكا بتقويض النظام الدولي الذي أسسته وأرست قواعده الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.
في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد
30
| 17 أكتوبر 2025
الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد
72
| 17 أكتوبر 2025
منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد
24
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6735
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6357
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3405
| 12 أكتوبر 2025