رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

753

مها الغيث

قبعات التفكير.. اللون والنمط

24 يوليو 2025 , 02:00ص

يبدو أن المرونة في التفكير، تخدم عملية الطرح الموضوعي للبدائل والاقتراحات والرؤى والأفكار المتعلقة بموضوع ما، محل نقاش، والذي يترتب عليه بطبيعة الحال اتخاذ أكثر القرارات صواباً فيه، وهو الطرح الذي يعمد إلى استعراض الجوانب الإيجابية والسلبية منه، إضافة إلى حصيلة المشاعر والانطباعات الشخصية، فضلاً عن عناصر الحيادية والإبداع والتفكير خارج الصندوق، وكل ذلك تحت إدارة محكمة لمعترك هذه البوتقة من أنماط التفكير المتباينة، أو بالأحرى من خلال اعتمار قبعة ذات لون محدد تشير برمزية نحو كل نمط بعينه من التفكير، بما له وما عليه.. وهذا بالضبط ما يشير إليه الكتاب في عنوانه (قبعات التفكير الست).

يصمم مفهوم (التفكير الجانبي) كوسيلة احترافية للإبداع (د. إدوارد دي بونو 1933 : 2021)، وهو طبيب وعالم نفس مالطي، تقلّد مناصب عدة في جامعات عالمية مرموقة مثل (أكسفورد) و(هارفارد)، وأصدر أكثر من خمسين كتاباً في هذا المجال، إضافة إلى إدارة برامج التدريس المباشر للتفكير في عدد من المدارس حول العالم، وكذلك تصميم أدوات مرنة لعملية التفكير وتطبيقاتها العملية في مؤسسات عالمية كبرى. وهو إذ يعتبر عملية التفكير أقصى مورد من موارد الإنسانية، فهو يسعى نحو تحسين مهارات الإنسان بدلاً من مجرد الاطمئنان للمستوى الجيد الذي هو عليه في الحاضر، لا سيما وأن هذه الطمأنينة في نظره، تنم عن مستوى متدنٍ من التفكير، يهدف من خلاله الإنسان إلى إثبات أنه على حق كيفما اتفق، ومن ثم إرضاء غروره الشخصي وحسب! بيد إن هذا الرضا الذاتي بحاجة إلى أن يواجه الارتباك الذي يصدر عن الصعوبات المرتبطة بعملية التفكير ذاتها، أو بالأحرى الارتباك الناجم عادة عن محاولة إنجاز عدد من الأعمال في وقت واحد، حيث تتزاحم بالداخل قوى المنطق وانفعالات العاطفة، وتعترك معاً مخيلة الإبداع وهاجس الترقب وبواعث الأمل.. فيأتي مفهوم «قبعات التفكير الست» ليفصل بينها جميعاً، من خلال الحثّ على اعتمار قبعة واحدة فقط في موقف محدد، أو حسب تعبير د. بونو: «إن قبعات التفكير الست على المستوى الفردي سوف تسمح لنا بأن نقود تفكيرنا كما يقود المايسترو الأوركسترا فنستدعي منه -من الآن فصاعداً- ما نريد». 

فما هو هذا الترميز اللوني؟ بما أن د. بونو يزاوج بين هذه الألوان الست في ثلاثة، فيعتبر أن (الأبيض والأحمر) رمز عن الحياد والعاطفة، و (الأسود والأصفر) رمز عن السلبي والإيجابي، و (الأخضر والأزرق) رمز عن الإبداع والنظام، فهو يعرضها حسب هذا المفهوم بقوله: «القبعة البيضاء: اللون الأبيض يعتبر محايداً وموضوعياً، لذا كانت تلك القبعة معنية بالحقائق الموضوعية والأشكال والرسومات التوضيحية. ‎القبعة الحمراء: اللون الأحمر يوحي بالغضب، بالغيظ، بالأحاسيس المتأججة؛ لذا فإن دور هذه القبعة هو إعطاء وجهة النظر العاطفية غير المبررة. ‎القبعة السوداء: الأسود هو لون مظلم سلبي؛ لذا فالقبعة السوداء ستغطي النواحي السلبية. ‎القبعة الصفراء: إن الأصفر هو لون مشمس وإيجابي؛ لذا فالقبعة الصفراء قبعة متفائلة ويغطي دورها الآمال والتفكير في الإيجابيات. ‎القبعة الخضراء: الأخضر هو لون الزرع والنمو المثمر الوفير والتكاثر الخضري؛ لذا فتلك القبعة تشير إلى الإبداع والأفكار الجديدة. ‎القبعة الزرقاء: اللون الأزرق هو لون بارد وهو لون السماء التي تعلو على أي شيء آخر؛ لذا فالقبعة الزرقاء معنية بالسيطرة والتنظيم لعمليات التفكير، وعملية استخدام القبعات الأخرى، فلا يطغى دور إحداها على الأخرى».

وفي الحديث عن كل قبعة بلونها الخاص، فقد تطرّق د. بونو في (القبعة البيضاء) عن ترشيد عملية طلب المعلومات، وحدد المسافة بين الرأي والاعتقاد، وفرّق بين الصدق والحقيقة، في حين انتقل إلى مرحلة إعداد خريطة التفكير الشاملة في (القبعة الحمراء) التي تقود بطبيعة الحال إلى مرحلة اتخاذ القرار، محدداً موقع (الحدس) تحت حيّز هذه القبعة، وموضحاً مدى إمكانية تغيير العواطف عن طريق نمط التفكير المنوط بها! أما في (القبعة السوداء)، فقد فرّق في عملية التفكير بين طريقة التفكير وموضوعه، وقد ربط بين هذه القبعة وعملية النقد، مشيراً إلى عملية البحث عن السلبيات المنطقية، ومحذراً من الانغماس في رؤية السلبيات، بينما أدرج نمط التفكير البنّاء تحت (القبعة الصفراء)، وحرص على التفريق بين البناء والإبداع أثناء اعتمارها. أما في (القبعة الخضراء)، فقد تطرّق إلى عملية التفكير الجانبي، من باب الحاجة إلى الإثارة الذهنية وتحفيز عملية التفكير الخلّاق، وقد خصّ (القبعة الزرقاء) كـ (مايسترو) منظومة التفكير هذه، من ناحية تصميم برنامج التفكير المناسب، واستمرارية مهام التركيز والسيطرة والمتابعة.

ويؤكد د. بونو في نهاية كتابه، بأن الغرض من مفهوم «قبعات التفكير الست» يتحدد في اثنين، الأول: تبسيط عملية التفكير، وذلك من خلال تمكين كل فرد من التعامل مع مختلف أنماط التفكير بطريقة منفردة وفي وقت محدد، دون الخلط فيما بينها. الثاني: المرونة في عملية التفكير، وذلك من خلال تمكين كل فرد استدعاء أنماط مختلفة من التفكير بدلاً من التمسك بنمط واحد بعينه.

مساحة إعلانية