رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الإسلام دين سلام، لكن المسلمين اليوم لا يعيشون بسلام، بخاصةٍ في الشرق الأوسط، حيث الصراعات التي لا تنتهي أبدًا، من سوريا إلى السودان. أغلب صراعات الشرق الأوسط تدور رحاها بين طرفين، كلاهما ينتمي للدين الإسلامي، بدوافع مختلفة، طائفية وقبلية وعرقية. ترتبط الأسباب الرئيسة للصراعات في منطقتنا بالتدخلات الخارجية، وبالتنافس بين القوى العظمى، ولكن لا يمكننا أن نلوم الآخرين فقط على ظهور هذه الصراعات. وماذا عن المبدأ القرآني في الإصلاح بين الإخوة؟
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، فُرض نظام سايكس- بيكو على سكان ما يسمى بالشرق الأوسط، الذي يضم العالم العربي وتركيا وإيران وإسرائيل. هذه المنطقة عبارة عن تقاطع بين ثلاث قارات وسبعة بحار ومحيطين، تعد المنطقة أيضًا مصدرًا رئيسًا لصادرات النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن إمكاناتها الكبيرة في حركة التجارة العالمية. لذلك، دائماً هنالك اهتمام خارجي بهذه المنطقة، منذ عهد الإسكندر المقدوني إلى الإمبراطوريتين الرومانية والعثمانية، وإلى يومنا الحاضر.
التأثيرات الخارجية لا تلغي مسؤوليتنا في البحث عن حلول لمشاكلنا وصراعاتنا المنتشرة في منطقتنا. لدينا مؤسسات مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، تفشل دائمًا في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، مثلها مثل الأمم المتحدة فشلت في تحقيق السلام في العالم. الصراعات المسلحة مستمرة في سوريا واليمن والسودان والعراق، إلى جانب صراعات عديدة يشارك فيها مسلمون في إفريقيا وآسيا. بالإضافة إلى ذلك، تحاول كل القوى العالمية والقوى الإقليمية استخدام الجماعات الإرهابية أو الوكلاء لإضعاف دول أخرى في المنطقة.
هل تم تقييد أيدينا لمنعها من التدخل لحل هذه الصراعات الداخلية، أو الإسلامية – الإسلامية، أو بالأحرى ماذا يمكننا أن نفعل تجاه هذه الصراعات؟ يأمرنا الإسلام بالتوسط بين الزوجين (النساء: 35) وبين الجماعات المتصارعة (الحجرات: 9). لذا فإن الوساطة ضرورية بين الناس أو الجماعات المتنازعة. إذا طبقنا هذه المبادئ على صراعاتنا فإننا سننعم بالسلام والازدهار. يمكن تنشيط المؤسسات الحالية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، ولكن، لا يوجد أمل كبير في هذا الاتجاه، لأن هذه المنظمات فشلت بشكل مستمر حتى اليوم، بسبب الحسابات الضيقة، ونقص الإرادة الحقيقية في هذا المسعى.
نحن نعيش اليوم في عصر العولمة والتغيرات السريعة في المشهد الدولي، ومن الضروري اتباع نهج جديد للتعامل مع الصراعات المندلعة، والتي ستندلع بين المسلمين. سيكون هذا النهج الجديد بحاجة لإشراك النخب الفكرية والثقافية والمجتمع المدني في جهود البحث عن حلول للصراعات. يمكن لنخب الدول الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني التغلب على الانقسامات القبلية والإقليمية والعرقية والطائفية. من أفغانستان إلى السودان، كما تعمل طريقة الوساطة القبلية القديمة أحيانًا على حل النزاعات التي تفشل الحكومات في حلها. يمكننا البناء على هذا التقليد للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع متطلبات الشعوب والصراعات الحديثة.
تتطلب الوساطة الفعالة أن تكون الأطراف المتصارعة قد وصلت لحالة من الاعياء من القتال وبدأت بالبحث عن حل. في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي الرغبة في الانتقام إلى استمرار النزاعات لسنوات. بعد ذلك، يمكن للوسيط أن يعمل على جمعهم معًا لوقف هذا الدوران في الحلقة المفرغة. بالطبع، يجب احترام الوسيط من كلا الجانبين. ويجب أن يسود الإنصاف ومبدأ رابح-رابح في عملية الوساطة.
كانت الوساطة الصينية بين السعوديين والإيرانيين مفيدة للمنطقة، لكننا كنا بحاجة إلى ذلك قبل فترة طويلة، لتقليل الأضرار التي لحقت بالمنطقة. لا ندري مدى التزام الصين بمثل أدوار الوساطة هذه في صراعات أخرى في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يمكننا استغلال ذلك كفرصة لبناء رؤية أقوى، وحتى لتأسيس منظمة إقليمية أقوى، من أجل جهود السلام وحل النزاعات في منطقتنا المشتعلة دوماً.
إن المفهوم الإسلامي للإصلاح بين أخوين هو أكثر من مجرد وساطة، لأنه ينطوي على اخضاع الطرف المعتدي بعد فشل جهود الوساطة، ويبرر استخدام القوة لوقف المعتدي بين مجموعتين مسلمتين، إذا أصر أحدهما على استمرار الصراع. ربما لا يمكننا تنفيذ الإجراءات القسرية على المعتدين اليوم، لكن يمكننا بالتأكيد الضغط على أولئك الذين يفضلون القتال على الجلوس إلى طاولة السلام. يجب أن نضع في اعتبارنا أيضًا أن أولئك الذين يقاتلون مع الآخرين اليوم يمكن أن يصبحوا أصدقاء جيدين غدًا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ماذا لو اهتزت الدوحة؟ ماذا لو تحوّل الأمان إلى صدمة؟ (تخيل) أن (جهة ما) استهدفت مقرًا سكنيًا لحركة (ما) في قلب العاصمة، بلا سابق إنذار.الضربة لا تهز مبنى وحسب، بل تهز النفوس، والمجتمع، والتعليم، والجامعات… وحتى صورة المستقبل. هنا السؤال الذي يفرض نفسه؟ إذا اهتزت الدوحة.... من يهتز أولاً ؟ اهتزاز المجتمع… بين الصدمة والصلابة: المجتمع بكامله يدخل في اختبار جماعي عند الأزمات. يولد القلق، ويضعف الإحساس بالأمان، لكن في الوقت نفسه تتكشف فرص لصناعة الصلابة المجتمعية. هذه الصلابة تبدأ من وعي المواطن، وتنمو عبر التعليم وتترسخ عبر ثقافة المسؤولية المشتركة بين الدولة والأفراد. اهتزاز الأمن النفسي… الشرخ الخفي: الأمن النفسي هو الركيزة الأولى لأي مجتمع مستقر. فإذا تصدّع هذا الركن، انهارت معه القدرة على التفكير المتوازن، واتسعت دوائر الخوف والارتباك. الأزمات لا تقتل بالجراح المباشرة وحدها، بل بما تزرعه في النفوس من قلق وشعور بالعجز. أما آن الأوان أن يُنظر إلى الأمن النفسي كأولوية وطنية لا تقل عن الأمن العسكري أو الاقتصادي؟ إنه صمام الأمان الذي يحدد قدرة المجتمع على الصمود أمام أي صدمة، وهو الخط الفاصل بين مجتمع ينهار عند أول اهتزاز، ومجتمع يُعيد ترتيب نفسه ليقف أكثر قوة. الأزمات تكشف هشاشة أو قوة المناهج. التعليم لم يعد مجرد رياضيات وعلوم، بل مهارات حياة، كيف يتعامل الطالب مع الخوف؟ كيف يحافظ على اتزانه النفسي وسط الصدمات؟ وكيف يتحول من ضحية محتملة إلى جزء من الحل؟ المطلوب أن تتحول المناهج إلى منصات لتعليم مهارات التكيف والوعي الأمني. الجامعات القطرية مطالبة بتطوير برامج أكاديمية في الأمن وإدارة الكوارث، وإنشاء مراكز بحث تدرس انعكاسات الأزمات على المجتمع والنفس البشرية. لم تعد الجامعة مجرد منارة للعلم، بل أصبحت درع وعي يحمي المجتمع ويُسهم في استقراره. الاستقرار ليس معطى أبديًا، بل بناء يومي يتطلب وعيًا، تعليما، وتأهيلاً نفسيًا وأمنيًا. هذه الصدمة الافتراضية قد تتحول إلى فرصة وطنية لإعادة التأسيس، مناهج أعمق، جامعات أقوى، وأكاديميات أمنية تندمج في صميم العملية التعليمية. لماذا تؤجل دراسة العلوم السياسية حتى تُطرح كتخصص جامعي، وكأنها شأن خاص بالنخبة أو الباحثين. الوعي السياسي في جوهره وعي وطني، يبدأ من المراحل الدراسية الأولى، مثلما يدرس الطالب الجغرافيا أو التاريخ. إدراج مبادئ العلوم السياسية في المناهج المبكرة يمنح الطلبة أدوات لفهم العالم من حولهم، يعزز انتماءهم الوطني، ويُنمّي لديهم القدرة على قراءة الأزمات والتعامل معها بوعي لا بردود فعل عاطفية. إنه استثمار طويل المدى في جيل يعرف كيف يحمي وطنه بالمعرفة، قبل أن يذود عنه بالفعل. فالدرس الأكبر أن الأزمات، مهما كانت قاسية، قد تُعيد صياغة المستقبل على أسس أصلب وأعمق.إن الرسالة ليست مجرد تحذير افتراضي، بل نداء وطني. أما آن الأوان أن نُعيد صياغة حاضرنا لنضمن مستقبلنا؟ وفي قطر، حيث تحفل الساحة بقيادات واعية، قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية، يظل الأمل كبيرًا بأن نُحوّل التحديات إلى فرص، وأن نصوغ من زمن التسارع تاريخًا جديدًا يليق بوطن لا يعرف التراجع.
1680
| 11 سبتمبر 2025
انطفاء ألسنة لهب الغارات على مساكن قيادات من المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة، لا يعني أبدا نسيان هذا العدوان الإرهابي الهمجي، فهو سيبقى شاهدا على وصول العربدة الإسرائيلية إلى ذروتها، في ظل أسئلة جادة عن حدود الصبر العربي وصمت المجتمع الدولي؟ لقد شكّل هذا الهجوم الغادر اعتداء سافرا على سيادة دولة قطر، ومحاولة آثمة لنقل أجواء الحرب إلى قلب الخليج، في سابقة خطيرة تعكس استخفافا صارخا بالقانون الدولي، ودوسا على أبسط قواعد النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وعدم المساس بأمنها واستقرارها. المفارقة المؤلمة أن الدولة التي طالتها يد العدوان الإسرائيلي هذه المرة، هي نفسها التي حملت على عاتقها طوال الأشهر الماضية عبء الوساطة الشاقة في حرب غزة، فعلى مدار عامين أظهرت الدبلوماسية القطرية قدرة لافتة على فتح قنوات تفاوض بالغة الحساسية، وبذلت جهودا متواصلة في سبيل بلورة حلول توقف نزيف الدم وتفتح الطريق أمام تبادل الأسرى وإمكانية إنهاء الحرب، برغم العراقيل المتعمدة والمتكررة التي وضعها الاحتلال لنسف أي فرصة للسلام. ومن هنا فقد بات واضحا أن الرسالة التي أرادت «حكومة الإبادة» بقيادة بينامين نتنياهو إيصالها من هذا العدوان هو أنها ترغب في اغتيال مسار الوساطة ووأد كل جهد يسعى لإنهاء الحرب التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وهي رسالة تكشف أن هذه الحكومة، بتركيبتها المتطرفة، لم تعد ترى في الدم الفلسطيني سوى وقود لبقائها، وأداة للهروب من أزماتها الداخلية المتفاقمة وانقساماتها العميقة. لكن الأخطر أن هذا السلوك يكشف عن نزعة عدوانية متصاعدة للاحتلال ربما تفتح الأبواب على مصاريعها أمام مرحلة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. نعم، فحين تصبح عاصمة خليجية آمنة - بغض النظر عن أي ذرائع أو مبررات- هدفا مشروعا في عقل صانع القرار الإسرائيلي، فذلك لا يعني سوى شيء واحد وهو أن المنطقة بكاملها باتت في مرمى حسابات متهورة لا تعترف بسيادة الدول ولا تقيم وزنا للاستقرار أو للقوانين والأعراف الدولية، ما يهدد بجر المنطقة برمتها إلى ويلات لا يمكن التنبؤ بنتائجها الكارثية. لقد عكست حالة التضامن العالمي الواسع مع دولة قطر عقب هذا العدوان المكانة التي باتت تحتلها هذه الدولة الخليجية، والتقدير الذي تحظى به جهودها الدؤوبة لوقف حرب غزة، لكن هذه المواقف على أهميتها اللحظية يجب أن تقترن بخطوات عملية تردع هذا السلوك العدواني المنتهك لسيادة الدول وتمنع تكراره سواء على دولة قطر أو غيرها من دول المنطقة. كما ينبغي أن تشكل هذه الحادثة نقطة تحول حقيقية، تدفع المجتمع الدولي إلى ما هو أبعد من التضامن السياسي والبيانات التقليدية، فالمطلوب اليوم هو تحرك عملي يلزم إسرائيل بوقف عدوانها، والدخول في مفاوضات جدية برعاية الوسطاء، لإنهاء حرب الإبادة في غزة ولجم مساعي حكومتها المتطرفة لتفجير كل المنطقة عوضا عن التجاوب مع المساعي الحميدة لإخماد الحروب والتوترات.
1365
| 12 سبتمبر 2025
ما جرى بالأمس لم يكن حدثًا عابرًا، بل هجوم أيقظ الضمائر وأسقط الأقنعة، الضربة الصهيونية التي استهدفت مقرًا لقيادات المقاومة أثناء اجتماع لبحث مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير، لم تكن مجرد اعتداء عسكري جبان، بل إعلانًا صريحًا بأن هذا الكيان الغاصب قد فقد أوراقه السياسية، ولم يعد يملك سوى منطق العصابة المنفلتة التي لا تعبأ بالقوانين ولا تحترم سيادة الدول ولا تراعي أبسط الأعراف الإنسانية. لقد انكشفت البربرية على حقيقتها، الدولة التي حاولت أن تفرض هيبتها بالحديد والنار، كشفت عن ضعفها وانكسارها أمام العالم، لم يعد في جعبتها إلا لغة الغدر وضربات عشوائية لا تفرّق بين مدني وعسكري، ولا بين أرض محايدة وأرض محتلة، ولا بين عدو ووسيط، تلك العلامات الواضحة لا تعني إلا شيئًا واحدًا: الانهيار من الداخل بعد سقوط صورتها في الخارج. نحن أمام لحظة فارقة، لحظة اختبار للتاريخ: هل سنرتقي إلى مستوى المسؤولية ونحوّل هذا الحدث غير المسبوق إلى بداية لصحوة عربية وإسلامية؟ هل سنشكّل جبهة موحّدة مع شرفاء العالم لنضع حدًا للتواطؤ والتطبيع، ونطرد سفراء الاحتلال من عواصمنا، ونغلق الأبواب التي فُتحت لهم تحت شعارات مضللة لم تجلب سوى الوهم والعار؟ أم سنمضي كأن شيئًا لم يكن؟ إنها فرصة ذهبية لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل، ليست القضية قضية قطر وحدها، بل قضية كل شبر عربي مهدّد اليوم بانتهاك السيادة، وغدًا بالاحتلال الصريح، لقد أثبتت التجارب أن هذا الكيان لا يفهم إلا لغة الردع، ولا يقرأ إلا معادلات القوة، وكل لحظة تأخير تعني مزيدًا من الاستباحة والاستهانة بحقوقنا وكرامتنا. نحن أمة تمتلك أغلب موارد الطاقة ومفاتيح طرق التجارة العالمية، ومع ذلك تُعامل كأطراف ضعيفة في معادلة الصراع، آن الأوان أن نتحرك لا بخطابات رنانة ولا بيانات جوفاء، بل بمواقف عملية تُعيد الهيبة إلى هذه الأمة. لقد أراد الاحتلال من وراء هذه العملية الغادرة أن يوجّه رسالة مرتبطة بمقترح ترامب، مفادها أن لا صوت يعلو فوق صوته، لكن الرد الحقيقي يجب أن يكون أوضح: السيادة لا تُستباح، والقرار لا يُملى من واشنطن ولا من تل أبيب. الغدر هو آخر أوراقهم… فلنجعل وحدتنا أول أوراقنا.
1362
| 10 سبتمبر 2025