رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من بين الأمور التي لا تحصى التي أثارها دونالد ترامب منذ ظهوره في المشهد الأمريكي عام 2016، أي قبل انتخابه رسميا عام 2017، هي هل سيدفع ترامب الولايات المتحدة إلى الانعزالية؟.
تعنى الانعزالية الأمريكية المقصودة ببساطة تخلي الولايات المتحدة عن دورها القيادي في العالم طواعية. برز الحديث والجدل الأمريكي حول الانعزالية في نهاية ولاية الرئيس بوش الابن، حيث طلت أصوات أكاديمية ونخبوية عالية تنادي بالانعزالية، وذلك من عدة منطلقات رئيسية من بينها، الأضرار البالغة التي لحقت باضطلاع الولايات المتحدة بدور القيادة، حيث يستلزم هذا الدور دعم الحلفاء وحمايتهم، تكبد الخزينة الأمريكية نفقات باهظة، الانخراط في كل الأزمات الدولية وفي بعض الحالات عسكريا.
ومن الحجج الداعمة للانعزالية كذلك، عدم قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار بدور القيادة، إذ إن الاستمرار في هذا الدور في ظل الظروف والتحديات الراهنة في الوقت الحاضر سيؤدي إلى إضعاف الولايات المتحدة بصورة نهائية.
وعلى البر الآخر، تناطح حجج الانعزالين حجج التدخلين أو أنصار القيادة، وبعض من تلك الحجج في غاية الوجاهة، والتي من بينها، الربط بين القيادة الأمريكية والفوضى في النظام الدولي. إذ يرون أن ما تبقى من استقرار في النظام الدولي يعزو بصورة أساسية لاستمرار الدور الريادي العالمي لواشنطن في حين لا تستطيع قوى أخرى أن تضطلع بهذا الدور في الوقت الراهن. كما يرى آخرون أن الانعزالية ستضر بمصالح واشنطن المترامية الأطراف في العالم، كما ستؤدي إلى تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي، وتفشي الديكتاتورية، وتراجع الاهتمام بالقضايا الخطيرة كالانتشار النووي وتغير المناخ.
ويلاحظ المتتبع لسياسة الولايات المتحدة منذ تولي إدارة أوباما أن ثمة تغيرا كبيرا على السياسة الخارجية الأمريكية يشير إلى أمر جوهري رئيسي وهو محاولة الولايات المتحدة إعادة صياغة دورها القيادي في العالم، أي محاولة إظهار استمرار القيادة الأمريكية في العالم، لكنها قيادة «انتقائية إلى حد بعيد» أو قيادة غير تدخليه، والبعض يطلق عليها «قيادة من الخلف». ويعزو ذلك من إحساس الولايات المتحدة العميق بعدم قدراتها على الاضطلاع بقيادة تامة كما كان في السابق. وعلى هذا الأساس، دشنت إدارة أوباما في إطار ما بات يعرف بعقيدة أوباما مصطلحات وسياسات غير معهودة عن واشنطن، من أبرزها «تقاسم الأعباء مع الشركاء» «الحروب الذكية» «التدخل في الأزمات الحرجة أو على المحك». ومع تولي ترامب سدة الحكم في واشنطن، جدد الجدل من جديد بفضل سياساته العنيفة مع أقرب الحلفاء ومن قبلها شعاره الانتخابي «أمريكا أولاً»، حول الانعزالية الأمريكية.
في واقع الأمر، هناك نزعة انعزالية واضحة بصورة كبيرة لدى ترامب- حتى دون أن يعي ذلك أو يعرف ما هي الانعزالية تحديدا - لاسيما وأنه ينطلق في تعاطيه مع السياسة الخارجية من منطلق الصفقة، ولا يكترث بأي قضايا خارج نطاق المصالح الضيقة لواشنطن كالاستقرار العالمي أو تغير المناخ. لكن في ذات الوقت، من الصعب أيضا أن يدفع ترامب وحدة الولايات المتحدة نحو الانعزالية، فالمصالح الإستراتيجية الأمريكية تصنعها شبكة معقدة من المؤسسات الداخلية الأمريكية.
والأقرب إلى الصح والموضوعي، أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يعكس تنامي توجه شعبي يرغب الانعزالية هذا من جانب، ومن جانب آخر أن وجود ترامب عامة في المشهد السياسي الأمريكي سيساهم في تعزيز التوجه الانعزالي الأمريكي.
واحد من العوامل الرئيسية للشعبية الجارفة لترامب هو خطابه الخارجي الناقد بشدة للإنفاق العسكري الأمريكي في العالم، والحروب في المناطق البعيدة عن الولايات المتحدة، وكذلك الدعم الأمريكي لحلفاء مثل أوكرانيا، وهجومه على الأمم المتحدة، ودعمه للحمائية التجارية حتى ضد شركاء وحلفاء واشنطن، وانسحابه من المؤسسات الدولية كمنظمة الصحة العالمية، وعداؤه لحلف الناتو... وغيرها.
ويحظى هذا الخطاب بدعم شعبي متنامٍ بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي يئن منه الأمريكان وفي اعتقادهم الراسخ أنه بسبب استمرار الولايات المتحدة الاضطلاع بدور القيادة على حساب الشعب الأمريكي. إذ بحسب استطلاعات مركز بيو، لا يدعم ما يقرب من 70 % من الأمريكان الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وفي استطلاعات مماثلة عبر عدد لا يستهان به عن عدم اقتناعهم بالقيادة الدولية الأمريكية.
بنسبة تتجاوز الـ 90% ترامب هو سيد البيت الأبيض القادم، والحظ حليفه بقوة حتى الآن خاصة بعد الأداء المخيف لبايدن في المناظرة الأخيرة، ومحاولة اغتيال ترامب التي رفعت شعبيته لنحو 20 % في غضون ساعات. ومن ثم، ستشهد ولاية ترامب القادمة الكثير من المظاهر الخارجية الداعمة للانعزالية الأمريكية على المدى البعيد.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1233
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025