رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

وجيدة القحطاني

• ناشطة اجتماعية

مساحة إعلانية

مقالات

180

وجيدة القحطاني

رحلة التحرر من الطاقة السلبية

21 أغسطس 2025 , 12:00ص

تُعد الطاقة السلبية من المفاهيم التي يكثر تداولها في السنوات الأخيرة، وهي تعبير شامل عن حالة من المشاعر والأفكار المظلمة التي تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية والعاطفية للإنسان، هذه الطاقة قد تتشكل نتيجة تراكم الضغوط الحياتية، أو المرور بتجارب صعبة، أو الانغماس في بيئات مليئة بالتوتر والصراعات، حتى تصبح جزءًا من نمط الحياة اليومي دون أن نشعر.

تتجلى الطاقة السلبية في صور متعددة ومتداخلة، فهي ليست مجرد إحساس عابر بالضيق، بل حالة يمكن أن تتغلغل في أعماق النفس وتؤثر في التفكير والسلوك. قد تظهر على شكل إحباط مستمر يطفئ الحماس، أو قلق متصاعد يثقل الصدر، أو شعور دائم بالإرهاق الجسدي والذهني حتى من أبسط المهام، أو عزلة عن الآخرين وكأن هناك جدارًا غير مرئي يفصل الإنسان عن محيطه.

وفي كثير من الأحيان، تأتي هذه الطاقة من مصادر لا نتوقعها؛ فقد تتسلل عبر الأخبار المليئة بالمآسي والصور المؤلمة التي تترك أثرًا في الروح، أو من التواجد في أماكن غير منظمة وفوضوية تبعث على التوتر دون وعي، أو من التعامل مع أشخاص اعتادوا النقد الجارح والتقليل من قيمة الآخرين، مما يترك بصمة سلبية في النفس.

كما أن البيئة المحيطة — سواء كانت مكان العمل أو المنزل — لها تأثير بالغ، فالمكتب المزدحم بالأوراق غير المرتبة، أو الجدران التي تفتقر للألوان المريحة، أو المساحات التي تفتقد الهواء النقي، جميعها يمكن أن تضاعف من الشعور بالاختناق الداخلي. حتى الأصوات الصاخبة أو الإضاءات الحادة قد تخلق حالة من التوتر المستمر. وفي المقابل، فإن بيئة هادئة، نظيفة، ومنظمة يمكنها أن تمتص الكثير من هذا الثقل النفسي، وتعيد التوازن إلى الروح.

الأمر لا يقتصر على المكان أو الأشخاص فقط، بل قد تكون الطاقة السلبية وليدة أفكارنا الداخلية، حين نكرر في أذهاننا مخاوفنا وإخفاقاتنا، أو نسترجع أحداثًا مؤلمة مرارًا، فنصبح نحن مصدر بثّ هذه الطاقة لأنفسنا دون أن نشعر.

العلاقات الإنسانية تمثل أيضًا أحد أهم العوامل المؤثرة؛ فالأشخاص السلبيون أو الذين يميلون إلى استنزاف طاقة من حولهم بالكلمات الجارحة أو المطالب المستمرة، يسهمون بشكل مباشر في تعزيز الشعور بالضيق والاختناق، كما أن الاحتفاظ بمشاعر سلبية غير مُعالجة مثل الغضب أو الحزن أو الخوف لفترات طويلة، يتيح لهذه الطاقة أن تتجذر في النفس، فتؤثر على التفكير والسلوك.

التعامل مع الطاقة السلبية لا يقتصر على تجنب مصادرها، بل يحتاج إلى بناء منظومة متكاملة من العادات الإيجابية، ممارسة النشاط البدني بانتظام، مثل المشي أو الرياضة أو اليوغا، تساعد في تحرير التوتر وإفراز هرمونات السعادة. التأمل والتنفس العميق يتيحان للعقل فرصة للهدوء وإعادة التوازن، بينما قضاء وقت في الطبيعة يمنح شعورًا بالاتصال والسكينة.

كما أن التعبير عن المشاعر بطريقة صحية، سواء بالكتابة أو التحدث مع شخص موثوق، يخفف من تراكم الضغوط، الحفاظ على بيئة نظيفة ومرتبة في المنزل أو مكان العمل يساهم في تحسين الحالة المزاجية، تمامًا كما تفعل الألوان المشرقة والإضاءة الجيدة. حتى الماء، سواء من خلال الاستحمام الدافئ أو الجلوس قرب البحر أو النهر، يمكن أن يكون له أثر مهدئ للنفس.

البعد الروحي يمثل جانبًا محوريًا في مواجهة الطاقة السلبية، إذ يجد الكثيرون أن القرب من الله وممارسة العبادات والذكر يمدّ القلب بالطمأنينة ويمنح النفس قوة لمواجهة ما قد يعترضها من ضيق أو هم. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِن شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ، وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ»، وهي آيات عظيمة تحصّن النفس وتطرد الشرور، وتذكّر المؤمن بأن الله هو الحافظ من كل سوء.

إن قراءة هذه السورة، إلى جانب المعوذتين وآية الكرسي، صباحًا ومساءً، ليست مجرد تلاوة كلمات، بل هي استحضار لمعاني الحماية الإلهية، وطلب السكينة في حضرة الرحمن. كما أن استشعار معانيها يرسّخ في القلب الثقة بأن أي طاقة سلبية، حسدًا كانت أو وساوس أو هموما، لا يمكن أن تصمد أمام نور الإيمان.

ولا يتوقف الأمر عند التلاوة فقط، بل يمتد إلى أعمال البر والإحسان، فالخير الذي يقدمه الإنسان للآخرين يرتد عليه مضاعفًا، فيخلق هالة من الطاقة المشرقة حوله، تحيطه بالطمأنينة وتبعد عنه الأذى. مساعدة المحتاج، رسم البسمة على وجه مهموم، أو حتى كلمة طيبة، كل ذلك يفتح أبواب الرحمة، ويجعل النفس أكثر صفاءً وقوة أمام الضغوط.

في النهاية، الطاقة السلبية ليست قدرًا محتومًا، بل حالة يمكن إدارتها والتحرر منها. إدراك وجودها هو الخطوة الأولى، ثم اتخاذ قرارات واعية لتغيير أنماط الحياة والعلاقات والبيئة المحيطة. عندما ندرك أن المفتاح في أيدينا، يمكننا أن نحطم الجدران التي تعوقنا ونفتح المجال للنور ليدخل حياتنا.

اقرأ المزيد

alsharq غزة.. والحلم خبزة

في مقابلة في إحدى القنوات الإخبارية ظهرت الأم الشابة التي تتحدث بألم وأسى عن الحالة التي وصلوا إليها... اقرأ المزيد

18

| 01 أكتوبر 2025

alsharq استدعاء إرث العدالة في زمن المؤسسات الحديثة

في رحاب معهد الدراسات الجنائية التابع للنيابة العامة في دولة قطر، خضتُ تجربة جميلة وجديرة بالتوثيق، إذ قدّمت،... اقرأ المزيد

21

| 01 أكتوبر 2025

alsharq ذوو الاحتياجات والدعم المطلوب

في إطار الاهتمام المتنامي الذي توليه الدولة لفئة التدخل المبكر ورعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، جاءت خطوة... اقرأ المزيد

21

| 01 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية