رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المقصود بالأجنبي هو كل فرد يوجد في دولة لا يكون من رعاياها، والأجنبي هو كل فرد لا تتوافر فيه الشروط اللازمة للتمتع بجنسية الدولة.
وفقاً لقانون الجنسية القطرية فإن الأجنبي هو كل من لا يتمتع بالجنسية القطرية، وينقسم سكان أي دولة حديثة إلى طائفتين الأولى تضم الأفراد الذين تربطهم بالدولة رابطة قانونية وسياسية يعبر عنها بالجنسية، وهؤلاء هم المواطنون، والطائفة الثانية تضم مجموعة الأفراد الذين يتواجدون على إقليم الدولة بقصد الإقامة المؤقتة التي قد تمتد مددا طويلة دون أن يكتسبوا جنسية هذه الدولة، ولكنهم فقط يقيمون ويتواجدون على إقليمها ابتغاء العمل في المصالح العامة أو المؤسسات الخاصة التجارية والصناعية أو مباشرة مهن حرة، ويدخل ضمن هذه الطائفة الأفراد الذين يوجدون على إقليم الدولة بقصد الإقامة العابرة مثل السياح والزائرين لفترات قصيرة، وهؤلاء هم الأجانب سواء أكانوا من الأفراد أو من الأشخاص المعنوية مثل الشركات والمكاتب الدولية والبنوك الأجنبية وغيرها.
من هنا فإن سكان الدولة يتكونون من شعبها والذين يطلق عليهم وصف رعايا الدولة أو الوطنيين والذين يرتبطون بها برابطة الولاء، وكذلك من أشخاص آخرين لا ينتسبون إلى الدولة ولا تربطهم بها سوى رابطة الإقامة على هذا الإقليم، وهم من يطلق عليهم وصف الأجانب أو الوافدين.
وتقسيم السكان إلى وطنيين وأجانب له أهميته البالغة من ناحية مدى الحقوق التي يتمتع بها كل من الوطني والأجنبي على إقليم الدولة والأعباء التي تفرض عليه، فممارسة الحقوق السياسية محظور على الأجانب، إذ تقصر الدول عامة هذه الحقوق على الوطنيين باعتبارها تنطوي على المشاركة في حكم الجماعة الوطنية ومن ثم تتصل بكيان الدولة السياسي، وقد قصرت معظم التشريعات حق الانتخاب والترشيح على الوطنيين، كما قصرت تولي الوظائف العامة على الوطنيين، إذ لا يجوز بصفة عامة في غالبية التشريعات العربية والمقارنة تولي الوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية إلى أجنبي إلا في أحوال استثنائية إذا ثبت أنه لا يوجد مواطن يستطيع القيام بتولي هذه الوظيفة، إذ الأولوية دائماً بالنسبة لتقلد الوظائف العامة للوطنيين، أو في حالة ما إذا ثبت أن الوظيفة تتطلب مؤهلات علمية أو عملية خاصة لا تتوافر في الوطنيين، كما أن احتراف بعض المهن لا يسمح به للأجانب أو يحاط بالنسبة لهم ببعض القيود، وتملك العقارات قد يقصر على رعايا الدولة ويحرم منه الأجانب وفقاً لضوابط معينة.
من هنا فإن من حق جميع الدول بصفة عامة ألا تسمح للأجانب الوافدين إلى الدولة بالإقامة على أراضيها سوى لمدة معينة يتوقف تحديدها على سلطة الدولة التقديرية ومن حقها أن تحرم الأجانب من ممارسة نواح معينة من النشاط الاقتصادي والمهني.
وبالطبع فإن الدول لم تغفل مدى حاجتها في عصرنا الحالي – عصر العولمة- إلى اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية لتدعيم اقتصادياتها الوطنية فعمدت إلى تيسير دخول رؤوس الأموال الأجنبية ، وعقد الاتفاقيات الدولية لتلافي الازدواج الضريبي الذي قد يحد من انتقال رؤوس الأموال الأجنبية إلى الدولة وهذا ما سارت على نهجه دولة قطر إذ صدر القانون رقم (13) لسنة 2000 بتنظيم استثمار رأس المال الأجنبي في النشاط الاقتصادي.
لقد فرض التعاون الاقتصادي الواسع بين جميع الدول، واطراد التجارة الدولية وتعدد وسائل الاتصال الحديثة ضرورة تدفق رؤوس الأموال، وبالتالي حرية الأفراد بالتنقل بين جميع قارات الأرض بما فرض على جميع الدول تيسير دخول الأجانب وخروجهم وتنقلهم.
ومن المتفق عليه أنه من الطبيعي أن يتميز رعايا كل دولة في دولتهم عن الأجانب فهم فضلاً عن كونهم عنصر دولتهم الأول يتحملون في سبيلها من الأعباء ما لا يتحمله الأجانب فإنهم الملتزمون دائماً بالمحافظة على كيانها وسلامتها والعمل على تقدمها ورفاهيتها وولاؤهم يفرض عليهم تلبية كل نداء للدفاع عنها ومن بينهم وحدهم تجند الدولة القوات اللازمة لهذا الدفاع، ذلك أن تكليف الأجنبي ببذل دمائه في سبيل الدولة التي يقيم فيها يتنافى مع انتمائه إلى دولة أجنبية ويتعارض مع رابطة الولاء التي تربط بينه وبين الدولة التي يتمتع بجنسيتها.
والقاعدة العامة هي أن حقوق الوطني تجاوز كثيراً الحقوق التي يلزم الاعتراف بها للأجنبي من جانب الدولة التي يقيم على إقليمها، ولا اعتراض على ذلك في القانون الدولي العام.
والأصل أن علاقة كل دولة بالأفراد المقيمين في إقليمها سواء كانوا من رعاياها أو من الأجانب تخضع لقانون الدولة الوطني، على اعتبار أن تنظيم هذه العلاقة وما يتصل بها من حقوق وواجبات مظهر من مظاهر السيادة التي تنفرد بها كل دولة على إقليمها، وأكد الدستور القطري على وجوب احترام الدستور والامتثال للقوانين الصادرة عن السلطة العامة، والالتزام بالنظام العام والآداب العامة، ومراعاة التقاليد الوطنية، والأعراف المستقرة، واجب على جميع من يسكن دولة قطر أو يحل بإقليمها (المادة 57)، ذلك أن القوانين وضعت لكي يصدع الناس بأحكامها ويمتثلون لأوامرها وهم إن لم يفعلوا ذلك طوعاً، فعلوه جبراً بواسطة السلطة التي تملكها الدولة ... والنظام العام والآداب العامة والأعراف المستقرة والتقاليد المرعية كلها تكون جزءاً من النسيج الوطني والاجتماعي، وتكون منظومة يتعين مراعاتها والحرص عليها من كل مواطن قطري، ومن كل من يعيش على أرض قطر، حتى ولو لم يكن من مواطنيها، بل إن العابرين المارين العارضين هم أيضاً يلتزمون بكل ما تقدم.
صفوة القول أنه على الأجانب الوافدين ضرورة مراعاة القوانين النافذة في الدولة التي يقيمون أو يوجدون فيها ويحترمون عادات وتقاليد شعب هذه الدولة.
وبالنظر إلى تطور العلاقات والاتجاهات الدولية بالاهتمام الواسع بمبادئ حقوق الإنسان، وتنمية العلاقات الودية بين شعوب الأمم المتحدة أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان المتعلق بحقوق الأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه وقد أكد هذا الإعلان على أحقية الدولة في إصدار قوانين وأنظمة تتعلق بدخول الأجانب وأحكام وشروط إقامتهم، وحقها في وضع تفرقة بين المواطنين رعايا الدولة وغيرهم من الأجانب، على أن تكون هذه القوانين والأنظمة متفقة مع الالتزامات القانونية الدولية لهذه الدولة بما في ذلك التزاماتها في مجال حقوق الإنسان. كما أن هذا الإعلان الموافق عليه من الجمعية العامة لا يمس بالحقوق التي يمنحها القانون المحلي وبالحقوق التي تلزم دولة ما بمنحها للأجانب حتى ولو كان هذا الإعلان لا يعترف بتلك الحقوق أو يعترف بها بدرجة أقل.
وأوجبت المادة الرابعة من هذا الإعلان على الأجانب المقيمين في دولة غير دولتهم ضرورة مراعاة القوانين النافذة في الدولة التي يقيمون أو يوجدون فيها ويحترمون عادات وتقاليد شعب هذه الدولة.
ووفقاً لهذا الإعلان فإن الحقوق التي يتمتع بها الأجانب على وجه الخصوص هي الحق في الحياة، والأمن الشخصي، وألا يتعرض أي أجنبي للاعتقال أو الاحتجاز على نحو تعسفي، ولا يحرم أي أجنبي من حريته إلا بناء على الأسباب المحددة في القانون، ووفقاً للإجراءات الواردة فيه، ويتمتعون أيضاً بالحق في الحماية من التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصيات أو العائلة أو السكن أو المراسلات وأيضاً الحق في المساواة أمام المحاكم بأنواعها وأمام سائر الهيئات والسلطات المختصة بإقامة العدل، والحق عند الضرورة في الاستعانة مجاناً بمترجم شفوي في الإجراءات القضائية والإجراءات الأخرى التي ينص عليها القانون وللأجانب الحق في حرية الرأي والفكر والضمير والدين ولا يخضع الحق في الجهر بدينهم أو معتقداتهم إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن العام أو النظام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، والحق في الاحتفاظ بلغتهم وثقافتهم وتقاليدهم، ولهم الحق في تحويل المكاسب والمدخرات أو غيرها من الأصول النقدية الشخصية إلى الخارج، مع مراعاة أنظمة النقد المحلية.
وفي رأينا أن جميع الدول أصبحت ملزمة في عصرنا الحالي والذي يعتبر بحق عصر حقوق الإنسان والحريات الأساسية بلا تمييز بين بني البشر واحترام هذه الحقوق وعلى هذه الدول بوصفها عضواً في الإنسانية أن تعترف للأجانب المقيمين على أراضيها بحق ممارسة الحقوق والحريات الخاصة التي يتطلبها كيانهم الإنساني وكفالة حريتهم الفردية وأمنهم الشخصي وأن تكفل للأجنبي حرية العقيدة والحق في ممارسة الشعائر كل ذلك في الحدود التي لا تتنافى مع النظام العام في الدولة المضيفة.
وقد أكد الدستور القطري في المادة 35 على أن جميع المقيمين على إقليم الدولة متساوون أمام القانون لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين . وقد ساوى الدستور القطري بين الناس جميعاً في الحرية الشخصية وفي الكرامة الإنسانية وفي عدم جواز القبض عليهم أو حبسهم أو تفتيشهم أو غير ذلك من مقيدات الحرية إلا وفق أحكام القانون.
حق الدولة في إبعاد الأجنبي:
الإبعاد هو تكليف الشخص بمغادرة الإقليم أو إخراجه منه بغير رضاه.
ويستند حق الدولة في ذلك إلى حقها في حفظ أمنها وكيانها وصيانة النفس.
والدولة مثلما من حقها أن تمنع أي شخص من دخول أراضيها لها كذلك أن تبعد أي أجنبي يكون في وجوده خطر عليها.
والإبعاد عن الدولة لا يتناول إلا الأجانب، أما المواطنون فلا يجوز إبعادهم، وهذا ما قرره الدستور القطري في المادة (38) من أنه ( لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها. )
ويتعين في حالة ما إذا قررت الدولة إبعاد أي أجنبي ألا تتعسف في هذا وتراعي حسن النية في تطبيق الإجراء.
والإبعاد لا يعتبر عقوبة وإنما هو إجراء من إجراءات الأمن الهدف منه بالدرجة الأولى دفع ضرر الأجنبي الذي يعتبر بقاؤه في الدولة خطراً على سلامتها أو أمنها.
ويصدر أمر الإبعاد من وزير الداخلية، إذ إنه وفقاً لنص المادة 37 من القانون رقم (4) لسنة 2009 بتنظيم دخول وخروج الوافدين، للوزير أن يصدر أمراً بترحيل أي وافد يثبت أن في وجوده في الدولة ما يهدد أمنها أو سلامتها في الداخل أو الخارج أو يضر بالاقتصاد الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
وقد تضمن قانون العقوبات القطري في المادة ( 65 ) عقوبة إبعاد الأجنبي من البلاد في حالة ارتكابه جناية أو جنحة طبقاً لقانون العقوبات إذ نصت المادة (77) على أنه مع عدم الإخلال بحق الجهات الإدارية المختصة في إبعاد أي أجنبي وفقاً للقانون، يجوز للمحكمة إذا حكمت على الأجنبي بعقوبة مقيدة للحرية في جناية أو جنحة، أن تحكم بإبعاده عن الدولة بعد الانتهاء من تنفيذ العقوبة.
فإذا كان الحكم بعقوبة على الوجه المبين في الفقرة السابقة صادراً في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة وجب على المحكمة أن تحكم بإبعاد الأجنبي عن الدولة بعد الانتهاء من تنفيذ العقوبة أو سقوطها.
ويجوز أيضاً للمحكمة في مواد الجنح أن تحكم بإبعاد الأجنبي عن البلاد بدلاً من الحكم عليه بالعقوبة المقررة للجنحة.
ويجوز لوزير الداخلية عند الضرورة توقيف الوافد الذي صدر حكم قضائي بإبعاده أو أمر بترحيله من البلاد لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة.
ويجوز للوزير أن يفرض على الوافد الذي صدر حكم قضائي بإبعاده أو أمر بترحيله وتعذر تنفيذه، الإقامة في جهة معينة لمدة أسبوعين قابلة للتجديد بدلاً من توقيفه لمدة أو مدد أخرى مماثلة.
وعلى الوافد أن يتقدم إلى الإدارة الأمنية التي تقع هذه الجهة في دائرتها في المواعيد التي يحددها الأمر الصادر في هذا الشأن، وذلك إلى حين إبعاده وترحيله.
ولا يجوز للوافد الذي صدر حكم قضائي بإبعاده أو أمر بخروجه أو ترحيله، العودة إلى الدولة إلا بقرار من الوزير.
ويغادر الوافد الدولة إذا لم يحصل على ترخيص بالإقامة أو إذا انتهى هذا الترخيص، ويجوز له العودة إذا توافرت فيه الشروط اللازمة للدخول، وفقاً لأحكام هذا القانون.
ويجوز للوزير أو من ينيبه، أن يمنح الوافد الذي صدر أمر بترحيله أو خروجه، وله مصلحة في الدولة تقتضي وقتاً لتصفيتها، مهلة لا تجاوز تسعين يوماً قابلة للتجديد بشرط تقديم كفالة مقبولة.
نخلص من جميع ما سبق إلى أنه إذا سمحت الدولة للأجنبي بالدخول إلى إقليمها فإنه يتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها الفرد في علاقته بالجماعة التي يعيش فيها وهذه الحقوق تتفرع عن وجوب احترام كيان الفرد الإنساني كما تقوم على ضرورة توفير الأسباب اللازمة لمعيشته بإقليم الدولة على النحو الذي سبق بيانه.
وبالمقابل فإن الدولة تملك بما لها من حق في سلامتها وأمنها أن تضع على حقوق الأجنبي في هذا الصدد كافة القيود اللازمة لحماية كيانها السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.
في السياسة، لا تكفي النيات الطيبة، ولا حتى الاعترافات المتأخرة، حين لا تُترجم إلى التزام ميداني أو محاسبة... اقرأ المزيد
99
| 15 سبتمبر 2025
لم يعرف الشرق الأوسط الاستقرار منذ مائة عام، فقد كان مسرحًا لمقاومة الاستعمار وحركات الاستقلال، وللانقلابات العسكرية، والحروب... اقرأ المزيد
261
| 15 سبتمبر 2025
على مستوى البشر والدول قد لا يوجد صديق بما تحمله هذه الكلمة من معنى صديق صدوق موثوق به... اقرأ المزيد
126
| 15 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ماذا لو اهتزت الدوحة؟ ماذا لو تحوّل الأمان إلى صدمة؟ (تخيل) أن (جهة ما) استهدفت مقرًا سكنيًا لحركة (ما) في قلب العاصمة، بلا سابق إنذار.الضربة لا تهز مبنى وحسب، بل تهز النفوس، والمجتمع، والتعليم، والجامعات… وحتى صورة المستقبل. هنا السؤال الذي يفرض نفسه؟ إذا اهتزت الدوحة.... من يهتز أولاً ؟ اهتزاز المجتمع… بين الصدمة والصلابة: المجتمع بكامله يدخل في اختبار جماعي عند الأزمات. يولد القلق، ويضعف الإحساس بالأمان، لكن في الوقت نفسه تتكشف فرص لصناعة الصلابة المجتمعية. هذه الصلابة تبدأ من وعي المواطن، وتنمو عبر التعليم وتترسخ عبر ثقافة المسؤولية المشتركة بين الدولة والأفراد. اهتزاز الأمن النفسي… الشرخ الخفي: الأمن النفسي هو الركيزة الأولى لأي مجتمع مستقر. فإذا تصدّع هذا الركن، انهارت معه القدرة على التفكير المتوازن، واتسعت دوائر الخوف والارتباك. الأزمات لا تقتل بالجراح المباشرة وحدها، بل بما تزرعه في النفوس من قلق وشعور بالعجز. أما آن الأوان أن يُنظر إلى الأمن النفسي كأولوية وطنية لا تقل عن الأمن العسكري أو الاقتصادي؟ إنه صمام الأمان الذي يحدد قدرة المجتمع على الصمود أمام أي صدمة، وهو الخط الفاصل بين مجتمع ينهار عند أول اهتزاز، ومجتمع يُعيد ترتيب نفسه ليقف أكثر قوة. الأزمات تكشف هشاشة أو قوة المناهج. التعليم لم يعد مجرد رياضيات وعلوم، بل مهارات حياة، كيف يتعامل الطالب مع الخوف؟ كيف يحافظ على اتزانه النفسي وسط الصدمات؟ وكيف يتحول من ضحية محتملة إلى جزء من الحل؟ المطلوب أن تتحول المناهج إلى منصات لتعليم مهارات التكيف والوعي الأمني. الجامعات القطرية مطالبة بتطوير برامج أكاديمية في الأمن وإدارة الكوارث، وإنشاء مراكز بحث تدرس انعكاسات الأزمات على المجتمع والنفس البشرية. لم تعد الجامعة مجرد منارة للعلم، بل أصبحت درع وعي يحمي المجتمع ويُسهم في استقراره. الاستقرار ليس معطى أبديًا، بل بناء يومي يتطلب وعيًا، تعليما، وتأهيلاً نفسيًا وأمنيًا. هذه الصدمة الافتراضية قد تتحول إلى فرصة وطنية لإعادة التأسيس، مناهج أعمق، جامعات أقوى، وأكاديميات أمنية تندمج في صميم العملية التعليمية. لماذا تؤجل دراسة العلوم السياسية حتى تُطرح كتخصص جامعي، وكأنها شأن خاص بالنخبة أو الباحثين. الوعي السياسي في جوهره وعي وطني، يبدأ من المراحل الدراسية الأولى، مثلما يدرس الطالب الجغرافيا أو التاريخ. إدراج مبادئ العلوم السياسية في المناهج المبكرة يمنح الطلبة أدوات لفهم العالم من حولهم، يعزز انتماءهم الوطني، ويُنمّي لديهم القدرة على قراءة الأزمات والتعامل معها بوعي لا بردود فعل عاطفية. إنه استثمار طويل المدى في جيل يعرف كيف يحمي وطنه بالمعرفة، قبل أن يذود عنه بالفعل. فالدرس الأكبر أن الأزمات، مهما كانت قاسية، قد تُعيد صياغة المستقبل على أسس أصلب وأعمق.إن الرسالة ليست مجرد تحذير افتراضي، بل نداء وطني. أما آن الأوان أن نُعيد صياغة حاضرنا لنضمن مستقبلنا؟ وفي قطر، حيث تحفل الساحة بقيادات واعية، قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية، يظل الأمل كبيرًا بأن نُحوّل التحديات إلى فرص، وأن نصوغ من زمن التسارع تاريخًا جديدًا يليق بوطن لا يعرف التراجع.
1725
| 11 سبتمبر 2025
انطفاء ألسنة لهب الغارات على مساكن قيادات من المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة، لا يعني أبدا نسيان هذا العدوان الإرهابي الهمجي، فهو سيبقى شاهدا على وصول العربدة الإسرائيلية إلى ذروتها، في ظل أسئلة جادة عن حدود الصبر العربي وصمت المجتمع الدولي؟ لقد شكّل هذا الهجوم الغادر اعتداء سافرا على سيادة دولة قطر، ومحاولة آثمة لنقل أجواء الحرب إلى قلب الخليج، في سابقة خطيرة تعكس استخفافا صارخا بالقانون الدولي، ودوسا على أبسط قواعد النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وعدم المساس بأمنها واستقرارها. المفارقة المؤلمة أن الدولة التي طالتها يد العدوان الإسرائيلي هذه المرة، هي نفسها التي حملت على عاتقها طوال الأشهر الماضية عبء الوساطة الشاقة في حرب غزة، فعلى مدار عامين أظهرت الدبلوماسية القطرية قدرة لافتة على فتح قنوات تفاوض بالغة الحساسية، وبذلت جهودا متواصلة في سبيل بلورة حلول توقف نزيف الدم وتفتح الطريق أمام تبادل الأسرى وإمكانية إنهاء الحرب، برغم العراقيل المتعمدة والمتكررة التي وضعها الاحتلال لنسف أي فرصة للسلام. ومن هنا فقد بات واضحا أن الرسالة التي أرادت «حكومة الإبادة» بقيادة بينامين نتنياهو إيصالها من هذا العدوان هو أنها ترغب في اغتيال مسار الوساطة ووأد كل جهد يسعى لإنهاء الحرب التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وهي رسالة تكشف أن هذه الحكومة، بتركيبتها المتطرفة، لم تعد ترى في الدم الفلسطيني سوى وقود لبقائها، وأداة للهروب من أزماتها الداخلية المتفاقمة وانقساماتها العميقة. لكن الأخطر أن هذا السلوك يكشف عن نزعة عدوانية متصاعدة للاحتلال ربما تفتح الأبواب على مصاريعها أمام مرحلة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. نعم، فحين تصبح عاصمة خليجية آمنة - بغض النظر عن أي ذرائع أو مبررات- هدفا مشروعا في عقل صانع القرار الإسرائيلي، فذلك لا يعني سوى شيء واحد وهو أن المنطقة بكاملها باتت في مرمى حسابات متهورة لا تعترف بسيادة الدول ولا تقيم وزنا للاستقرار أو للقوانين والأعراف الدولية، ما يهدد بجر المنطقة برمتها إلى ويلات لا يمكن التنبؤ بنتائجها الكارثية. لقد عكست حالة التضامن العالمي الواسع مع دولة قطر عقب هذا العدوان المكانة التي باتت تحتلها هذه الدولة الخليجية، والتقدير الذي تحظى به جهودها الدؤوبة لوقف حرب غزة، لكن هذه المواقف على أهميتها اللحظية يجب أن تقترن بخطوات عملية تردع هذا السلوك العدواني المنتهك لسيادة الدول وتمنع تكراره سواء على دولة قطر أو غيرها من دول المنطقة. كما ينبغي أن تشكل هذه الحادثة نقطة تحول حقيقية، تدفع المجتمع الدولي إلى ما هو أبعد من التضامن السياسي والبيانات التقليدية، فالمطلوب اليوم هو تحرك عملي يلزم إسرائيل بوقف عدوانها، والدخول في مفاوضات جدية برعاية الوسطاء، لإنهاء حرب الإبادة في غزة ولجم مساعي حكومتها المتطرفة لتفجير كل المنطقة عوضا عن التجاوب مع المساعي الحميدة لإخماد الحروب والتوترات.
1431
| 12 سبتمبر 2025
ما جرى بالأمس لم يكن حدثًا عابرًا، بل هجوم أيقظ الضمائر وأسقط الأقنعة، الضربة الصهيونية التي استهدفت مقرًا لقيادات المقاومة أثناء اجتماع لبحث مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير، لم تكن مجرد اعتداء عسكري جبان، بل إعلانًا صريحًا بأن هذا الكيان الغاصب قد فقد أوراقه السياسية، ولم يعد يملك سوى منطق العصابة المنفلتة التي لا تعبأ بالقوانين ولا تحترم سيادة الدول ولا تراعي أبسط الأعراف الإنسانية. لقد انكشفت البربرية على حقيقتها، الدولة التي حاولت أن تفرض هيبتها بالحديد والنار، كشفت عن ضعفها وانكسارها أمام العالم، لم يعد في جعبتها إلا لغة الغدر وضربات عشوائية لا تفرّق بين مدني وعسكري، ولا بين أرض محايدة وأرض محتلة، ولا بين عدو ووسيط، تلك العلامات الواضحة لا تعني إلا شيئًا واحدًا: الانهيار من الداخل بعد سقوط صورتها في الخارج. نحن أمام لحظة فارقة، لحظة اختبار للتاريخ: هل سنرتقي إلى مستوى المسؤولية ونحوّل هذا الحدث غير المسبوق إلى بداية لصحوة عربية وإسلامية؟ هل سنشكّل جبهة موحّدة مع شرفاء العالم لنضع حدًا للتواطؤ والتطبيع، ونطرد سفراء الاحتلال من عواصمنا، ونغلق الأبواب التي فُتحت لهم تحت شعارات مضللة لم تجلب سوى الوهم والعار؟ أم سنمضي كأن شيئًا لم يكن؟ إنها فرصة ذهبية لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل، ليست القضية قضية قطر وحدها، بل قضية كل شبر عربي مهدّد اليوم بانتهاك السيادة، وغدًا بالاحتلال الصريح، لقد أثبتت التجارب أن هذا الكيان لا يفهم إلا لغة الردع، ولا يقرأ إلا معادلات القوة، وكل لحظة تأخير تعني مزيدًا من الاستباحة والاستهانة بحقوقنا وكرامتنا. نحن أمة تمتلك أغلب موارد الطاقة ومفاتيح طرق التجارة العالمية، ومع ذلك تُعامل كأطراف ضعيفة في معادلة الصراع، آن الأوان أن نتحرك لا بخطابات رنانة ولا بيانات جوفاء، بل بمواقف عملية تُعيد الهيبة إلى هذه الأمة. لقد أراد الاحتلال من وراء هذه العملية الغادرة أن يوجّه رسالة مرتبطة بمقترح ترامب، مفادها أن لا صوت يعلو فوق صوته، لكن الرد الحقيقي يجب أن يكون أوضح: السيادة لا تُستباح، والقرار لا يُملى من واشنطن ولا من تل أبيب. الغدر هو آخر أوراقهم… فلنجعل وحدتنا أول أوراقنا.
1365
| 10 سبتمبر 2025