رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من مجتمع القهوة إلى نادل القهوة!
بثينة محمد الجناحي
أعتبر نفسي معجبة من الطراز الكلاسيكي خاصة عندما أتعمق في القراءات عن مجتمعات القهوة، ممكن سبب الاعجاب له علاقة بالفضاء الخاص بهذه المجتمعات، ذوق رفيع المستوى، لمسات مترفعة عما تجده خارج إطار هذا الفضاء، بل وتفرد للموسيقى، تفرد للنقاش، وتفرد للفنون، وتفرد لحضورك حتى، وكأنك تشعر بأنه استمتاع لك عن غيرك من المجتمع من هم خارج الفضاء التفردي الذي أنت فيه. باختصار تشعر بتميز الحضور وتفرد المشهد ورفعة المكانة.
وهذه الميزة من التفرد تغيرت في نمطها بالتأكيد على مر السنوات، كما إنها تأثرت بالمصلحة السياسية أحياناً. ولكن بغض النظر عما كانت تحمله بعض من مجتمعات القهوة الغربية من خفايا سياسية، يظل هذا الفضاء مبهرا بالنسبة لي من ناحية المستوى الذي كانت تحمله فيها الثقافة وكأنني أشعر بأن كل الثقافة تكمن في مكان واحد.
تخيل المزيج بين الموسيقى، التواصل، النقاش، الكتابة الصحفية، وقدرة القلم على تغيير وجهات النظر من نفس ذلك الفضاء، بالإضافة إلى الشخصيات الرفيعة، كل تلك الشخوص والأشياء والرمزيات في مكان واحد. من هنا، أدركت أن للثقافة مكانها في الفضاءات التي ترمز لنواحي التعبير والتفردية الذاتية لا لحصرها الوظيفي والعملي لرسم الأشياء بحدود المؤسسة. ولا ننكر أن الثقافة قد تكون مفرطة أحياناً لدرجة تعميمها على كل شيء، وأحيانا تكون ضيقة جدا لدرجة اختيارها لبعض من الشيء. فأين أنت من المنظور رفيع المستوى والمتفرد، والمنظور محدود النظر والعملي زيادة عن اللزوم؟!.
أجد أنه على قدر اتساع المفهوم وتبنيه لعدة قيم وسلوكيات وممارسات، إلا إنه لا يزال يتطلب تخطيطا شموليا قادرا على أن يدخل في محور مجتمعات القهوة وتزامنها الحديث والابداعي لزمن اليوم ومجتمع اليوم، كما إنه قادر أن يبني أسسه على النمط العملي أيضاً وصولاً لكافة طبقات المجتمع وصولاً إلى نادل القهوة! وهذه القدرة على بناء التخطيط الشمولي للثقافة تتطلب التعلق بشكل كبير وواسع في المفهوم لدرجة الفضول في الانخراط فيما لا تفقه فيه وقد تنظر إليه بنظرة جافة إدارية محصورة بين الكم والنتائج، كما إنه يتطلب الوعي في الفروقات التي ينظر من خلالها الثقافة، لأنك قد تكون عملياً لدرجة تعميمك للمفهوم على كل الفئات بدون وضع الفروقات العمرية والتصنيفية في عين الاعتبار.
وإن ظلت الثقافة محصورة على النظرة العملية، فلا بد أن تبنى من خلالها الحكمة العملية بحسب ما وصفه أرسطو، حيث فسرها على أنها تمكن البشر من إيجاد طرائق مناسبة للفعل في سياقات محددة. دعنا لا نحد من هذا التعريف على أنه احتكار للثقافة على قدر تبني المفهوم للسياقات المحددة التي تعكس وجودك من ضمن مجتمع، كما تعكس سياقات المجتمع من ضمن هويتها الخاصة. لذلك هي مجال كامل من الممارسات والتي تعني بشكل رئيسي المحافظة على الجماعات الاجتماعية. وأضع على كلمة المحافظة عدة خطوط حمراء كدليل على أهميتها ودلالاتها في التأكيد على أهمية الجماعة الاجتماعية والتي لها دور رئيسي (عملي) وناعم (اجتماعي) في ترسيخ وتثبت وتجديد وتأصيل الممارسات، التمثيلات والتشكيل المطلوب للمفهوم.
كما يجب أن نستيقن بأن كل شيء يعتبر ثقافة، ولا حصر للمفهوم على مؤسسة عن أخرى، لأن جميع المؤسسات تعتبر ثقافية بطريقة ما وبأسلوبها المحدد. إنما هي سلوكيات، قيم، معايير، قدرات وإمكانيات ممكن أن تكون تمثلات في أبسط الممارسات إلى أكثرها تعقدا من الناحية العملية. فالقهوة على سبيل المثال ليست ثقافة ولكن طريقة شربها وطرق إعدادها تعتبر ثقافة، العمل كوظيفة ليس ثقافة ولكن تمثلاتك في العمل من ملبس تقليدي وهوية خاصة تحملها معك يعتبر ثقافة، وقس هذه الأمثلة على مستويات ابداعية أخرى وفنية وأدبية ومسرحية وتقليدية بوصفها واقعاً مادياً وتجربة معيشة في نفس الوقت، فهي ازدواجية من الصعب التضييق عليها حتى لا تخلق شعوراً مصطنعاً أكثر ميولاً للجمود للمفهوم خاصة عندما ينعكس عليك أنت أولاً وعلى المجتمع الذي أنت فيه.
لذلك الثقافة تظل انعكاسات لكل شيء، هي تعريف سائب أحيانا كثيرة ولكن يظل الخطأ موجودا ومستمرا في تثبيط المفهوم على ان يظل حكراً في تعريفه الوظيفي.
أكاد أجزم بأن ما بات حديث المجالس الخليجية والعربية اليوم بعد تفجر أحداث غزة المؤلمة والهجوم الإسرائيلي الآثم... اقرأ المزيد
129
| 29 سبتمبر 2025
في العصر الرقميّ الحاليّ، لم تعد هوية الأطفال والمراهقين تتشكل فقط من خلال الأسرة والمدرسة والبيئة المحيط بهم،... اقرأ المزيد
306
| 29 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من... اقرأ المزيد
3006
| 29 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
3513
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
3003
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2961
| 25 سبتمبر 2025