رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

162

هديل رشاد

1878.. الفَيصَل

17 ديسمبر 2025 , 12:12ص

في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تستعيد دولة قطر لحظة مفصلية في تاريخها الحديث؛ ففي 18 ديسمبر 1878 تولّى المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني الحكم، ليبدأ عهد توحيد البلاد تحت قيادة واحدة، وترسيخ ملامح الدولة الحديثة. كان هذا التاريخ نقطة الانطلاق لمشروع تأسيسي واضح المعالم، صاغ الهُوية الوطنية، ورسّخ قيم الاستقلال والسيادة، ومهّد لمسيرة الدولة بثبات وثقة، بعد أن جاء امتدادًا لأول اعتراف دولي بالدولة القطرية المستقلة عبر اتفاقية 1868 التي وقّعها الشيخ محمد بن ثاني مع السلطات البريطانية في الخليج، والتي اعترف بموجبها بسيادة قطر.

وحين ننظر إلى قطر في بدايات نشأتها، نجد دولة صغيرة في جغرافيتها، كبيرة في إرادتها. ففي زمن المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، كانت التحديات وجودية: تثبيت أركان الدولة، حماية الاستقلال، وبناء مجتمع متماسك في محيط إقليمي معقّد.

وقد استطاع المؤسس، بحكمة القائد وبُعد نظره، أن يرسخ قواعد الدولة على قيم السيادة والكرامة والشورى والالتفاف حول القرار الوطني. لم تكن تلك القيم شعارات، بل أسسًا صلبة صمدت أمام التحولات. فإذا ما قارنَّا بين قطر الأمس وقطر اليوم، فلن تكون المقارنة على مستوى الإمكانات فحسب، بل في نوعية الدور؛ فالدولة التي كانت تسعى لتأمين بقائها، أصبحت اليوم لاعبا استراتيجيا مؤثرا في محيطها الإقليمي والدولي. ولم يكن هذا التحول مفاجئا، بل نتاج رؤية طويلة الأمد بذر المؤسس بذورها، عندما ركز على تعزيز الداخل، وتكريس أهمية الإنسان والاستثمار فيه، قبل الانفتاح على العالم ومد جسور العلاقات الدبلوماسية.

ومع مطلع الألفية الجديدة، دخلت دولة قطر مرحلة جديدة من البناء المؤسسي قاد شرارتها صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حيث توسعت الاستثمارات في التعليم والصحة والبنية التحتية والاقتصاد، غير أن النقلة الأبرز تجلت في عهد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، الذي قاد الدولة في مرحلة اتسمت بتحديات متسارعة إقليميا ودوليا، وحوّل تلك التحديات إلى فرص لإعادة تعريف الدور القطري، فمنذ تولي حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مقاليد الحكم، ضخ سموه حراكا واضحا في مفاصل الدولة، قائما على الديناميكية وسرعة القرار والرهان على الكفاءات الوطنية.

فقد شهدت دولة قطر في عهد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تسارعاً في مشاريع التنمية، وتكريساً لاقتصاد متنوع يستند إلى المعرفة والاستدامة، ويضع الإنسان في صلب الأولويات. لم تعد التنمية مفهوما نظريا، بل ممارسة يومية انعكست في جودة الخدمات، وتطوير التشريعات، وتمكين الشباب.

وعلى المستوى السياسي، برزت قطر كدولة ذات صوت مستقل لا يساوم على قراره ولا يتخلى عن مبادئه، فلعبت أدوارًا محورية في الوساطة وحل النزاعات، وقدمت نموذجًا لدبلوماسية نشطة ومتوازنة وإنسانية، جعلت منها طرفًا مشهودًا له بالحياد وموثوقًا في ملفات معقدة. ولم يكن هذا الحضور بعيدًا عن الداخل، بل تعبيرًا عن دولة واثقة من استقرارها وتماسك جبهتها الوطنية.

أما اقتصادياً، فقد تجاوزت قطر مرحلة الاعتماد الأحادي، واتجهت نحو تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار والصناعات المعرفية. ورغم الأزمات العالمية، أثبت الاقتصاد القطري مرونته وقدرته على التكيف، مدعومًا بسياسات مالية حصيفة ورؤية واضحة للمستقبل.

واجتماعياً، حافظت الدولة على توازن دقيق بين التحديث والحفاظ على الهوية، فالانفتاح لم يكن على حساب القيم، والتطوير لم يأتِ على حساب التماسك المجتمعي. وهنا تتجلى مرة أخرى روح المؤسس التي ترى في المجتمع المتماسك حجر الأساس لأي نهضة حقيقية.

وقبل الختام علينا أن نعرِّج على شعار اليوم الوطني لهذا العام "بكم تعلو ومنكم ننتظر"، شعار لا يُقرأ بمعزل عن منظومة الحكم التي تُدار بها البلاد، بل باعتباره تجسيدًا لعلاقة تقوم على الثقة والمسؤولية المشتركة بين القيادة والشعب؛ فالدولة التي وفرت البيئة والاستقرار والفرص، تنتظر من مواطنيها المشاركة الفاعلة والإبداع والالتزام. والعلو هنا ليس موقعًا جغرافيًا أو تصنيفًا دوليًا، بل مستوى وعي ونضج تجربة وقدرة على الاستمرار، وتقديم الغالي والنفيس لتبقى راية قطر عالية خفّاقة.

ختاماً...

وفي كل ثامن عشر من ديسمبر، تعلن قطر استمرارية مشروعها الوطني، وتبرهن للقاصي والداني أن مستقبلها يُكتب بإرادة أبنائها، فالدول لا تُقاس بحجمها الجغرافي، بل بصلابة رؤيتها، وبحكمة قيادتها، وولاء شعبها، ومنذ التأسيس وحتى اليوم، أثبتت قطر أن الثبات على المبادئ والانحياز للإنسان هو الطريق الأصدق لبناء دولة تستحق مكانها بين الأمم.

مساحة إعلانية