رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. عبدالله العمادي

د. عـبــدالله العـمـادي

 

مساحة إعلانية

مقالات

1563

د. عبدالله العمادي

العدل أساس الملك

17 أكتوبر 2024 , 02:00ص

العدل هو الأساس المتين لبقاء واستمرار أي نظام، سياسيا كان أم اجتماعيا أم إداريا أم غيرها من أنظمة الحياة المختلفة. العدل هو أساس الملك، وهو أساس استمرار أي مؤسسة حياتية. مؤسسة الحكم ومؤسسة البيت ومؤسسة المال ومؤسسة العلم وغيرها من مؤسسات المجتمع، كبيرها وصغيرها.

 مما لفت نظر الكثيرين في خطاب سمو الأمير – حفظه الله – في افتتاح دور الانعقاد السنوي الثالث والخمسين لمجلس الشورى، مصطلح العدل والمساواة في الجزئية المتعلقة بتعديلات دستورية مقترحة، من أجل ضمان تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات. فقد أكد سموه أن: «المساواة أمام القانون وفي القانون، أساس الدولة الحديثة، وأيضاً واجب شرعي وأخلاقي ودستوري. إنه العدل الذي أمرنا الله به، ولا نقبل بغيره».

 جاءت رغبة سموه في إجراء تلك التعديلات استشعاراً لمبدأ الأمانة المطلوبة في الحاكم، وضرورة النظر المستمر في القوانين والتشريعات بعد دراستها وتطبيقها، واستخلاص ما يدعو للتغيير أو التعزيز والتثبيت. إن آية الأمانات التي استشهد بها سمو الأمير- حفظه الله - دليل على حرص سموه أن يكون أداء الأمانات والحكم بالعدل منهجاً متبعاً في الدولة على جميع المستويات، ذلك أن مراجعة القوانين والتشريعات بين الحين والحين، ودراسة سلبياتها وإيجابياتها، هي من فعل الأمانة المطلوبة في ولي الأمر، أو في كل من يتولى أمانة ومسؤولية ما (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به  إن الله كان سميعا بصيرا).

 الإمام الماوردي، أشهر من كتب في السياسة الشرعية، يذكر في كتاب أدب الدنيا والدين بأن «ممّا تصلح به حال الدنيا، قاعدة العدل الشامل، الذي يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النسل، ويأمن به السلطان.. وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور..». وقد وضع قواعد ستة في نظريته في الإصلاح الحضاري وبناء الدولة، هي لا غنى لأي ولي أمر أمين مؤمن مؤتمن عنها، وكان العدل من القواعد الأولى.

 العدل الشامل الذي تتكافأ فيه الفرص وتتعادل معه الحقوق، فيأخذ كل ذي حق حقه، بعد أن يكون الجميع أمام القانون سواء، لا فرق ولا تمييز بين هذا وذاك، فإن نتائج العدل المطبق بين الجميع دون أدنى شك باهرة بارزة، تتمثل في ذلكم التآلف والود الذي ينشأ بالضرورة بين الناس، ينطلقون في أعمالهم بهمة ونشاط وإبداع وتنافس شريف، من أجل زيادة الإنتاج وعمارة البلاد.

ولما كان الظلم والجور - كما يقول الماوردي - نقيض العدل، فإنه ليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والجور، لأن الظلم يقتل الانتماء ويفسد الأذواق ويغيّب الإبداع وتُهدر بسببه الطاقات والمواهب، فيكون نتاج ذلك، تخلف وتدهور وتأخر..

  من هنا أجد دعوة سموه للتعديلات الدستورية التي تحدث عنها، تأتي انطلاقاً من هذا المبدأ الذي ذكره الماوردي، وهو عدم الوقوع في دائرة الظلم والجور بأي صورة من الصور، وضمان الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تلك الدائرة المظلمة، وبالطبع لا يتم ذلك إلا بالعدالة والمساواة بين المواطنين جميعهم. وإن عرض تلك التعديلات لاستفتاء عام، إنما دليل حرص سموه على أهمية مشاركة الجميع فيما يعود بالنفع العام على البلاد والعباد، ومعاونة مؤسسة الحكم على ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين، بل جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة. هذه من ناحية.

 من ناحية أخرى، لا شك أن تجربة الشورى بالانتخاب أفرزت بعض الأمور كان المجتمع قبل الدولة في غنى عنها، وكادت التجربة أن تعصف بتماسك هذا المجتمع الصغير المعروف بوحدته وتآلفه، وخاصة أنه واجه تحديات تاريخية كثيرة زادته صلابة وقوة وتماسكا.

 نعم لا شيء يدعـو للتغيير إن كان ضرره في الوقت الراهن أكبر من نفعه، كما تقول القاعدة الفقهية (درء المفسدة مقدّم على جلب المنفعة)، وهذا يمكن أن يقال عن نظام عضوية الشورى مدار حديثنا. فإن كان التغيير يجلب ضرراً ويؤثر على وحدة وترابط المجتمع، فالتريث هاهنا مطلوب.

 مجلس الشورى منذ أن تأسس، ونظام التعيين هو المتبع فيه. وإن مجتمعاً متماسكاً وصغيراً مثل مجتمعنا، أجدُ التعيين هو النظام الأنسب لاعتبار جغرافي وديمغرافي في الوقت نفسه. فلسنا في تلك المساحات الشاسعة من الأرض أو الملايين العديدة من البشر حتى لا يعرف قاطنو شمالها قاطني جنوبها، أو شرقها وغربها، فكلنا في قطر أهل، كما قال سموه.. هكذا بكل ما تحمل الجملة من سهولة ووضوح في اللفظ والمعنى.

 مبدعونا وخبراؤنا ومفكرونا معروفون. الجميع يعرف الجميع، وإنّ اختيار الكفاءات والقدرات لمجلس تشريعي مثل الشورى، أمر يمكن إنجازه سريعاً دون كثير إجراءات وتجهيزات ومصروفات. وشخصياً أميل وأؤيد نظام التعيين الذي يختار العلم والخبرة والكفاءة والفاعلية والأمانة، من كل القطاعات والمجالات، وهي المعايير الأساسية المطلوب توافرها في عضو مجلس تشريعي كمجلس الشورى. سائلاً الله عز وجل في الختام، أن يوفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه، فإنه سبحانه كفيلٌ بكل جميل، وهو دوماً حسبنا ونعم الوكيل.

مساحة إعلانية