رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رائد حمزة مقداد

مساحة إعلانية

مقالات

27

رائد حمزة مقداد

هل شيطنة زوجة الأب حقيقة أم وهم؟

14 نوفمبر 2025 , 01:13ص

في زمن تتقاذفه الصور النمطية والأحكام المسبقة، يطل علينا الإعلام بوجهه الملون، ينسج خيوطاً من الخوف والريبة حول شخصية زوجة الأب، حتى غدت في المخيلة الشعبية شبحاً مخيفاً، وشيطاناً يتربص بالأبناء. لكن، هل هذه الصورة حقيقية؟ أم أنها مجرد صناعة إعلامية غذّتها قصص درامية وأفلام تجارية تبحث عن الإثارة؟ أليس من الظلم أن نحاكم القلوب قبل أن نختبرها؟ المجتمع العربي، قديمه وحديثه، ما زال أسيراً لفكرة أن زوجة الأب خصم لدود للأبناء، وأنها لا يمكن أن تكون إلا مصدر قسوة وظلم . هذه الفكرة غذتها أعمال درامية كرست صورة المرأة الثانية كعدو، كمتسلطة، كمنزوعة الرحمة. الإعلام، في سعيه وراء الإثارة، جعل الاستثناء قاعدة، حتى ترسخت في الوعي الجمعي كحقيقة لا تقبل النقاش. لكن الحقيقة أوسع من هذه الزاوية الضيقة. فالحياة مليئة بنماذج مشرقة لزوجات آباء كنّ أمهات بكل ما تحمله الكلمة من معنى. في إحدى القرى المصرية، زوجة أب ربّت خمسة أطفال بعد وفاة أمهم، حتى صاروا يلقبونها بـ»أمي الثانية». وفي الخليج، امرأة شابة تزوجت رجلاً أرمل، فاحتضنت طفلته، ووقفت بجانبها في كل مراحل حياتها حتى يوم زفافها، وهي تقول أمام الجميع: «أنتِ ابنتي قبل أن تكوني ابنة زوجي». هذه قصص حقيقية، لكنها لا تجد طريقها إلى الشاشات. الحنان ليس معادلة بيولوجية، ولا يُقاس برباط الدم وحده. إنه منحة ربانية تُزرع في القلوب الصافية التي تعرف الله وتخشاه. كم من أمٍ حملت وأرضعت، لكنها كانت قاسية، متكبرة، نرجسية، لا ترى في أبنائها إلا امتداداً لغرورها! وكم من زوجة أبٍ لم تحمل ولم تُرضع، لكنها احتضنت الأبناء بحب صادق، حتى غدت لهم أماً وأختاً وصديقة. ليست كل أمٍ ملاكاً، كما ليست كل زوجة أبٍ شيطاناً. هناك أمهات تحولن إلى مصدر ألم لأبنائهن، بسبب نرجسيتها أو طغيانها أو شعورها بالتفوّق لجمال أو نسبٍ أو مال. هذه الأم قد تكون كالنار، تحرق كل من حولها، ثم تحرق نفسها إذا لم تجد ما تلتهمه. تخسر زوجها، تخسر أبناءها، وتترك خلفها جراحاً لا تندمل. في المقابل، هناك زوجة أب دخلت حياة أسرة مكسورة بعد موت الأم، فكانت البلسم الذي داوى الجراح، والحضن الذي أعاد للأبناء شعور الأمان. لم تطلب سوى رضا الله، ولم تنتظر شكراً من أحد. هذه المرأة تستحق أن تُرفع لها القبعة، لا أن تُشيطن في المسلسلات. المجتمع بحاجة إلى ثورة فكرية تُعيد النظر في هذه الصورة الظالمة. الإعلام مسؤول عن إعادة التوازن، عن تقديم نماذج حقيقية لزوجات آباء قدمن أروع صور الإنسانية. علينا أن نعلم أبناءنا أن الحب لا يُقاس بالدم، بل بالفعل، وأن الأمومة ليست حكراً على من أنجبت، بل هي صفة من يهب قلبه بلا مقابل. في النهاية، لنتذكر أن زوجة الأب قد تكون نوراً يبدد ظلام اليتم، ويداً حانية تمسح دموع الخوف. فلنمنحها فرصة، ولنفتح لها أبواب الثقة، لأن الحنان هدية من الله، يزرعها حيث يشاء، في قلب أمٍ أو زوجة أب أو حتى غريب لا تربطنا به صلة دم. زوجة الأب ليست شبحاً ولا شيطاناً، بل قد تكون نوراً يبدد ظلام اليتم، ويداً حانية تمسح دموع الخوف. فلنمنحها فرصة، ولنفتح لها أبواب الثقة، قبل أن نحكم عليها بأحكام جاهزة صنعتها شاشات التلفاز لا الواقع. الحنان هدية من الله، يزرعها حيث يشاء، في قلب أمٍ أو زوجة أبٍ أو حتى غريبٍ لا تربطنا به صلة دم. فلنحكم بالعدل، ولننظر بالرحمة.

مساحة إعلانية