رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

صالحة أحمد

مساحة إعلانية

مقالات

705

صالحة أحمد

لهيب الثلاجات وما تسبب به

17 سبتمبر 2024 , 02:00ص

حين تستند أعمالنا إلى الأحداث الواقعية التي تُحيط بنا؛ لتعكس تفاصيل التفاصيل، فلا شك أنها تسعى إلى تنفيذ عملية دقيقة، هدفها الأول كشف الواقع الحقيقي والغوص في أعماقه بشكل أو بآخر، سندركه في نهاية المطاف؛ لندرك معه ما حسبناه رحل مودعا من قبل وسط مراسم سنعيشها مرة أخرى بظهور تلك الأعمال التي (ذكرتها آنفا) وتستند إلى ما يدور حولنا من (أحداث واقعية) تُعد السبب الأول وراء تلك الهزة الأرضية التي نشعر بها كلما مر بنا طيفها، ويبقى السؤال: ما هي تلك الأعمال التي أتحدث عنها؟

قبل التطرق إلى تلك الأعمال؛ لمعرفة هويتها، فلابد لنا من ذكر التالي: هناك الكثير من الأحداث التي تظهر على صفحة الحياة، غير أنها تخضع لترتيب مختلف يعتمد على صاحبها، لنجد أن ما يهم الأول لا يشغل بال الثاني، وما يقض مضجع هذا الأخير، لا يدخل في حسابات سواه وهكذا تسير الأمور، إلى أن نصل لثوابت في هذه الحياة لا يمكننا تجاوزها أبدا حتى وإن وُجد ما يشغل بالنا وللحظات ستتلاشى خجلا أمام تلك الثوابت التي قد ينشغل القلم عنها ولبرهة من الزمن، ولكنه سرعان ما سيعود إليها مهرولا فهي الأولى بدمه، وحين أقول (الأولى) فلا شك أني أتحدث عن (القضية الفلسطينية) والفصول المروعة التي تعيشها (غزة العزة)، وآه يا غزة. إن ما نسمعه ونراه من خلال ما يصلنا لا شك يؤلمنا وبشدة، فكيف هو الحال ومن يعيش؛ ليموت هناك بعد أن اشتد عليه الألم؟

يحرص الإعلام النزيه بكل أشكاله على بث الحقيقة كما هي؛ لنتلقى من الجانب الآخر ما يحدث فيه من خلال مشهد يصور مظاهر المعاناة، ضمن لوحات للحياة الواقعية وما يدور فيها، ولعل أبرز تلك الأشكال التي تترك أثرها في نفس المُتلقي (الأفلام الوثائقية)، التي تتميز بالعمق، وتساعدنا على فهم عالمنا، وعلى استيعاب دورنا فيه، فهي تلك التي تخبرنا بشيء يستحق منا معرفته فعلا.

الأعمال التي أتحدث عنها

منذ فترة ليست بالهينة عُرض الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون «لهيب الثلاجات»، وحضرته على إحدى المنصات؛ لأدرك منه جانباً من المعاناة الكبيرة التي تواجهها أسر الشهداء مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي تعمد لاحتجاز جثث الشهداء، وترفض تسليمها لذويهم لفترات طويلة قد تصل إلى أعوام، وما يؤلم حقا أن تلك الجثث لشهداء تلك الأرض التي تنتظر لحظة عودة الجميع إليها، فالطبيعي هو دفن الميت، والأصل في ذلك هو التعجيل والمبادرة، ولكن ما صوره الفيلم كشف لنا كيف يُسلب الشهيد ذاك الحق، وكيف يعاني أهله في سبيل إكرامه بدفنه سريعا، غير أنه ما لا يكون لهم؛ لأن تلك الثلاجات التي ترمز إلى البرودة الموحشة تقف فعليا بينهم وبين تحقيق تلك الغاية، التي تتجمد هي الأخرى حتى حين، فلا تجد ما يحافظ على حياتها سوى الأمل بأن يُفَرج الله الهم، ويُفرَج عن تلك الجثث الطاهرة ذات يوم.

حين حضرت ذاك الفيلم، وعشت كل تفاصيله، شعرت أن ما يحدث من حولنا (هين) وإن لم يكن كذلك منذ البداية، وكم أخجل من التفكير في تفاصيل صغائر الأمور، وهناك الكثير مما يمزق القلوب في مكان ما، وتمكن هذا الفيلم من رصده واختزاله في دقائق تعني لمن عاش معاناة رحيل من يحب دون أن يتمكن من تقبيله أو رؤيته على الأقل. لقد نجح هذا الفيلم فعلا في جذب وكسب مشاعري من خلال اللعب على أوتار تلك المعاناة التي يعيشها الحي والميت في (غزة)، ولعله ما حدث مع سواي ممن تابعه وتمكن منه، والحق أن القوة على تحمل تلك المعاناة التي جَسَدَها الفيلم ويعيشها أهل الشهداء تُقدم لنا المزيد من الدروس، التي تعلمنا معنى أن نصبر، نحتمل، ونترقب كل خير قد كتبه الله لنا وسيكون لنا ذات يوم، فالصبر الصبر لنا جميعا، وليرحم الله كل الشهداء.

مساحة إعلانية