رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يتمعن مقالنا بشكل جوهري إجمالي ما تضمنه أحدث تقرير أصدرته مؤسسة (ستاندرد أند بور) المتخصصة في مجال التقييم الائتماني. حقيقة القول، يتميز التقرير بالكثير من الواقعية فيما يخص قراءته لأداء الاقتصاد القطري. بل من الصعوبة بمكان الاختلاف مع توقعات التقرير بالنسبة لتوقعاته للنتائج الاقتصادية المتوقعة للعام 2012.
باختصار يتوقع التقرير مواصلة الاقتصاد القطري تسجيل نمو في الناتج المحلي الإجمالي لكن مع تراجع نسب النمو لأسباب يمكن تفهمها. وتشمل هذه العوامل لجوء الجهات الرسمية لقرار الحد من توسعة الطاقة الاستيعابية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال الأمر الذي يترك أثره على ديمومة مختلف العديد من القطاعات.
تشمل أهداف الخطوة العمل للاستفادة القصوى من المستوى الحالي حيث الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر في الوقت الحاضر 77 مليون طن سنويا. وحسب آخر تقرير دوري لإحصاءات الطاقة ومصدره شركة (بريتيش بتروليوم) البريطانية، تستحوذ قطر على قرابة 35 في المائة من الإنتاج العالمي لهذه السلعة.
وحسب المصدر نفسه تم تسجيل نمو قدره 10 في المائة في تجارة الغاز الطبيعي المسال في العالم في العام 2011 وقد تبين بأن قطر أسهمت بأكثر من ثلاثة أرباع الزيادة. بل أصبح الإنتاج القطري المحرك الأول لصناعة الغاز الطبيعي المسال في العالم بأسره.
تكمن مصلحة قطر بالحفاظ على مستويات أسعار الغاز عبر التأثير على متغير الإنتاج وبالتالي معادلة العرض والطلب خصوصا وأنها الرائدة في هذا المجال. بالعودة للوراء، نجحت قطر في إزاحة إندونيسيا من عرش أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال منذ العام 2007.
لا شك من شأن الحد من توسعة إنتاج الغاز التأثير على مستويات النمو الاقتصادي المحلي بالنظر لارتباط ذلك بعدة قطاعات اقتصادية مختلفة منها الإنشاء والتعمير بل البنية التحتية بشكل عام فضلا عن الخدمات. هناك علاقة بين مستويات الصرف على تطوير قطاع الغاز والحراك الاقتصادي بشكل عام. كما لا يمكن تجاهل موضوع متغير الدخل، حيث يتحول كل ريال إلى أكثر من ذلك بسبب الدوران الاقتصادي عبر تبادل العملة من يد لأخرى.
وعليه لا توجد غرابة من توقع تراجع مستوى النمو في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2012 تماما كما حدث مع 2011. فحسب إحصاءات رسمية، انخفض مستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي القطري من 16.7 في المائة في العام 2011 إلى 13.5 في المائة في 2011.
إضافة إلى ذلك، يتوقع تقرير (ستاندرد أند بور) عدم تسجيل نمو مادي في مستوى دخل الفرد على أقل لفترة زمنية بالنظر للنمو السكاني في البلاد والذي يتواكب أصلا مع توجه الحد من الاستثمار في القطاع النفطي. فحسب التقرير، من المتوقع تسجيل نسبة نمو قدرها 6 في المائة في تعداد السكان حتى العام 2015.
ومن شأن النمو السكاني غير العادي في هذا العصر الضغط على مستويات النمو فيما يخص دخل الفرد. وقد رصد تقرير المؤسسة المشار إليها دخلا سنويا قدره 104 آلاف للفرد الواحد في الوقت الحاضر. يعد هذا الرقم الأعلى على الإطلاق على مستوى العالم من دون منازع الأمر الذي يعد إنجازا ليس لقطر بل لمنظومة مجلس التعاون الخليجي.
مؤكداً يعتبر الدخل الفعلي للفرد القطري أعلى من هذا الرقم لأننا هنا نتحدث عن المتوسط بعد قسمة حجم الناتج المحلي الإجمالي على مجموع السكان. خلافا للأجانب الذين يعملون في مؤسسات القطاع العام يعمل السواد الأعظم من المواطنين في الدوائر الرسمية والتي تتميز بتقديمها رواتب ومزايا نوعية. كما يحصل الفرد القطري بين الحين والآخر على مكرمات بأمر من القيادة السياسية في البلاد.
يشكل المواطنون فيما بينهم قرابة 20 في المائة فقط من مجموع السكان. بالعودة للوراء، بلغ عدد سكان قطر بمن فيهم الأجانب والمواطنون قرابة 1.04 مليون نسمة في العام 2006 لكنه وصل لحد 1.73 مليون فرد مع نهاية العام 2011. وعليه بات الأمر مسألة وقت لا أكثر لتجاوز حجم السكان حاجز المليونين نسمة ما يعد تطورا غير عادي بالنسبة لقطر منذ منتصف التسعينيات.
ويعكس الواقع السكاني في قطر رغبة السلطات بمشاطرة الآخرين مستوى النعيم والفرص المتوافرة في البلاد. طبعا تضاف لذلك الاستثمارات القطرية في مختلف بقاع العالم والتي بدورها تساعد في تعزيز عجلة التنمية المحلية في أكثر من بلد. تشمل الاستثمارات السيادية لقطر امتلاك محلات (هارودز) الشهيرة في لندن وليس انتهاء بحصص في بنوك في البرازيل. عموما، تتميز قطر بممارسة الشفافية فيما يخص استثماراتها حول العالم سواء قطر بالنسبة لشراء الفنادق والعقارات أو امتلاك أسهم الشركات العاملة في مجال السلع الثمينة.
من جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن بعض مآخذ التقرير على أداء الاقتصاد القطري من قبيل انكشاف مالية البنوك القطرية. والإشارة هنا إلى تعزيز ظاهرة الاعتماد على التمويل الخارجي للمصارف والتي بدورها توظف جانبا من الأموال لتمويل بعض المشاريع المحلية. ويعود الأمر في جانبه لظاهرة ضعف مستويات الادخار بين المواطنين ربما لأسباب اجتماعية وثقافية في ظل بقاء معدلات الفائدة منخفضة لمستويات تاريخية الأمر الذي لا يشجع على التوفير.
وفي كل الأحوال، منحت (ستاندرد أند بور) تقييما سياديا قدره (أي وأي ناقص) لقطر مع نظرة مستقبلية مستقرة. كما تتمتع قطر بتقييم ائتماني إيجابي مماثل بطريقة أو أخرى من مؤسسة (موديز). ويلاحظ أن العامل المشترك بين كلا التقييمين الاثنين هو قدرة الدولة الحاصلة على الدرجات على الوفاء بالتزاماتها المالية دونما مشكلة.
لا شك أنه لأمر جميل نجاح قطر في تسجيل أداء اقتصادي نوعي وهو ما يضيف لرصيد كل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
العقد الاجتماعي
«بكم تعلو ومنكم تنتظر» كلمات تكتب بماء الذهب من سمو الأمير حفظه الله تعالى وسدد خطاه ووفقه لكل... اقرأ المزيد
228
| 14 ديسمبر 2025
قطر لن تدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل
-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح - دول المنطقة ليست «الممول الرسمي» لمخططات الغرب المنحاز لإسرائيل -... اقرأ المزيد
330
| 14 ديسمبر 2025
التمويل الحلال الآمن لبناء الثروة
في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص كشراراتٍ في ليلٍ طويل، يقف رائد الأعمال أمام أول سؤال... اقرأ المزيد
288
| 14 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
786
| 10 ديسمبر 2025