رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في زمنٍ سريعٍ يركض بنا دون توقف، نعتقد أحيانًا أن ما نقوله أو نفعله يمرّ بلا أثر. غير أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير؛ فالكلمة أو الموقف البسيط قد يتحولان إلى نقطة ضوء في قلب إنسان، يغيّران مساره ويمنحانه أملًا جديدًا. أثرٌ قد يبدو عابرًا في لحظته، لكنه يبقى محفورًا في الذاكرة والوجدان لسنوات طويلة.
الكلمات ليست أصواتًا عابرة، بل بذور تُزرع في القلوب. كلمة مثل «أؤمن بك» قد تمنح إنسانًا القدرة على النهوض من كبوته، وقد تفتح أمامه طريقًا لم يكن يراه. الكلمة الطيبة لا تحتاج إلى جهد، لكنها تصنع المعجزات. ولعلّ أجمل توصيف لذلك ما جاء في القرآن الكريم حين شبّهها الله بالشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا تنحني ولا تذبل، بل تبقى تمنح الحياة وتفيض بالخير.
حين يحرص الإنسان على ترك أثر طيب، فإنه في الحقيقة لا يغيّر حياة الآخرين فقط، بل يُعيد تشكيل حياته هو أيضًا. من يساعد غيره، يشعر برضا داخلي يجعله أكثر هدوءًا وثقةً بنفسه. الأثر الطيب يصبح مرآة ينعكس فيها الخير على صاحبها أولًا، فينمو بداخله الشعور بالقيمة والمعنى.
الإنسان الذي يتعمّد نشر الخير في محيطه يكتسب صفات جديدة بمرور الوقت: يصبح أكثر صبرًا، وأكثر تسامحًا، وأقرب إلى التواضع. فهو يدرك أن أفعاله مهما بدت صغيرة قد تغيّر مصائر، فيتعلّم أن يتحكم في غضبه، ويزن كلماته، ويختار أفعاله بوعي أكبر. هذا التحوّل لا يحدث فجأة، لكنه تراكم طبيعي لسنوات من الممارسة والنية الصافية.
من يترك بصمة طيبة يتغيّر تلقائيًا في طريقة تعامله مع الآخرين. يصبح أكثر ميلًا إلى الإنصات بدلًا من الجدل، وأكثر تعاطفًا بدلًا من الانتقاد. الأثر الطيب يفتح أمام صاحبه أبوابًا من العلاقات الإنسانية الحقيقية، لأنه يتعامل بصدق ورغبة في الإعطاء لا في الأخذ. ومع الوقت، يجد أن احترام الناس له وحبهم هو نتيجة طبيعية لرحلته في صنع الخير.
القلوب التي تنبض بالعطاء لا تبحث عن مقابل. حين تمتد يد لإنقاذ متعثر أو لرفع كربة عن محتاج، فإن الأثر يتجاوز اللحظة ذاتها. من أنقذته اليوم قد يصبح غدًا عونًا لغيره، وهكذا يتسلسل الخير. وهذا ما أكده الرسول صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة». فالطيبة لا تذهب سدى، بل تبقى رصيدًا من الرحمة يعود لصاحبه يومًا ما.
ليس التأثير دائمًا في الكلام، بل أحيانًا في الصمت والابتسامة وطريقة التعامل. قد تُعيد نظرة احترام أو ابتسامة صادقة بناء إنسان هشّ فقد ثقته بالعالم. المواقف الصغيرة، كالصبر على خطأ، أو احتواء ضعف، قد تكون أقوى من خطابات طويلة. إنها لغة إنسانية يفهمها كل قلب،وتترك أثرًا أبقى من أي حديث.
الأثر الطيب لا يتوقف عند حدود الشخص الذي نُسدي له معروفًا. بل ينتقل كعدوى إيجابية، فيُلهم من نساعده ليساعد غيره. هكذا يولد «التأثير المتسلسل»: سلسلة من الخير قد تبدأ بابتسامة في لحظة عابرة، لكنها تتحول إلى حركة إنسانية لا نعرف إلى أين تصل. وربما يكون ما فعلناه بذرة تثمر قادة ومصلحين وكتّابًا ملهمين بعد سنوات.
الناس ينسون الكلمات أحيانًا، لكنهم لا ينسون الشعور الذي تركته بداخلهم. الأمان، الدعم، والاحتواء، تبقى محفورة في الذاكرة مهما تقادم الزمن. ولعل أصدق ما قيل: «قد تنسى الناس ما قلت، لكنهم لن ينسوا كيف جعلتهم يشعرون». هذه المشاعر هي الأثر الحقيقي الذي لا يُمحى.
فى النهاية.. لا يحتاج المرء إلى ثروة أو شهرة ليترك أثرًا خالدًا. الأمر أبسط من ذلك: كلمة صادقة، موقف كريم، أو حتى صمت حانٍ. كل إنسان قادر على أن يكون بداية لدوائر من الخير تمتد بعده. حين تُضيء قلبًا واحدًا، فأنت تفتح نافذة لعالم أكثر دفئًا وإنسانية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• ناشطة اجتماعية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3465
| 04 نوفمبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2580
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2121
| 03 نوفمبر 2025