رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

1302

سعدية مفرح

رحلتي لم تبدأ من مطار!

16 يونيو 2025 , 02:00ص

كل شيء بدأ هناك، في تلك الزاوية الحميمة التي لا تُقاس باتساعها، بل بما احتوته من بذور الأحلام الأولى. لم تكن تلك المساحة التي بدأت منها واسعة بالمعنى الفيزيائي، لكنها كانت رحبة بما يكفي لتحتضن بداياتي، وهادئة بما يتيح لي أن أُصغي لصوتي الداخلي قبل ضجيج العالم. لم تكن مجرد مكان للإقامة العابرة، بل كانت عالمي الأول، منبع التأمل، ومختبر التساؤلات الكبرى.

في تلك البقعة المألوفة، فهمت أن الجغرافيا الحقيقية لا تُقاس بخطوط العرض والطول، ولا تحددها خرائط المدن والدول، بل تبدأ من الداخل، من الذات حين تُوقظ وعيها، وتفتح نوافذها على الآخر المختلف. تعلّمت أن المسافة بيني وبين أبعد نقطة في هذا العالم يمكن أن تنكمش إلى لحظة تأمل، أو إلى سطر في كتاب، أو إلى صوت عابر يوقظ في القلب دهشة.

كنت أطلّ على هذا العالم لا من نافذة تطل على منظر مدهش، بل من نافذة الروح التي ترى ما لا يُرى. لم أكن بحاجة إلى أفق واسع كي أرى العالم، كنت بحاجة إلى خيال متّقد، وإلى فضول لا يشبع. كنت أقرأ، وأحلم، وأتخيل، وأصغي، وأجمع ما يعبر أمامي من ملامح وصور وعبارات، كما يجمع المسافر شتات طرقه في حقيبة صغيرة.

رحلتي لم تبدأ من مطار، ولم أكن أحتاج إلى حقيبة ثقيلة. بدأت من الداخل، من سؤال بسيط: من أنا؟ وامتد السؤال ليصير: ماذا أرى حين أفتح عيني؟ من هو هذا الآخر؟ ولماذا يُدهشني؟ كنت لا أبحث عن إجابات جاهزة، بل عن فهم أعمق، عن مساحة إنسانية مشتركة تربطني بالعالم. وكلما ازداد هذا الفهم، اتسعت مساحتي، وكبرت خارطتي التي لا تُرسم على الورق، بل تُخطّ بالقلب.

حين خرجت من مساحتي، خرجت بأفكاري أولاً، ثم بتجربتي ومشاعري. كل لقاء جديد كان بمثابة عبور نحو ضفة مختلفة من الذات. كل حوار صادق كان بمثابة لغة جديدة تُضاف إلى معجم القلب. حتى الخيبات، تلك التي تؤلم ولا تُنسى، كانت دروسًا في تضاريس الروح، وفي خرائط العاطفة، وفي مواسم النفس الداخلية.

شيئًا فشيئًا، أدركت أن الانتماء ليس إلى مكان بعينه، بل إلى أثر يتركه المكان فيك. كل موضع وطأته قدماي، ولو بالصدفة، فتح داخلي نافذة جديدة، وزرع بذرة تأمل. لم تكن المساحة الضيقة عائقًا، بل كانت حافزًا لتوسيع المخيلة، ولإعادة تعريف معنى الرحابة. ومن هناك، أيقنت أن المعنى لا يُمنح، بل يُكتشف بالتجربة، وبالاصطدام، وبالحنين إلى المجهول.

الآخر لم يكن نقيضًا، بل امتدادًا. كان مرآتي التي أتعرف عبرها على ملامحي من زوايا جديدة. لم أكن أقترب منه لأذوب فيه، بل لأزداد وعيًا بنفسي من خلاله. وكلما تعمقت في هذا الوعي، ازداد يقيني بأن الذات ليست قيدًا، بل مفتاحًا؛ وأن المساحة التي بدأت منها ليست حدودًا، بل نقطة انطلاق تتجدد كلما قرأت كتابًا، أو أنصتُ لوجهٍ جديد، أو تذكرت لحظةً نائمة في الذاكرة.

واليوم، حين أستعيد تلك البداية، لا أراها بعين الحنين، بل بعين الامتنان. لقد منحتني تلك المساحة الصغيرة أعظم امتياز: أن أُبصر ما وراء الجدران، أن أُدرك أن العالم لا يحتاج إلى خطوات كثيرة كي يُستكشف، بل إلى قلب منفتح، وروح يقظة. فالعالم، بكل تنوعه وتناقضه، لم يعد مجرد أماكن تُزار، بل صار شعورًا يُعاش، وانتماءً يُصاغ، وخريطة نابضة تُرسَم من الذات وإليها.

وفي كل مرة أُصغي فيها لحكاية جديدة، أو أكتب فكرةً تطرق الباب من بلا موعد، أشعر أن نقطة جديدة تُضاف إلى خريطتي الخاصة، تلك التي لا تحدها الحدود ولا تُقيدها السياسة، بل تنبض بالصدق، وتُرسم بنبض الإنسان. وهكذا، تستمر الرحلة.

اقرأ المزيد

alsharq سقوط غرناطة من جديد!

إن تأملت حوادث التاريخ، ستجدها تتكرر بنفس السيناريوهات تقريباً، أو أحياناً بشكل تكاد تكون طبق الأصل من بعضها... اقرأ المزيد

210

| 02 أكتوبر 2025

alsharq خطة ترامب.. أسئلة تنتظر أجوبة

اعذروني ولكني أبدو متخوفة جدا من خطة ترامب بشأن غزة حتى وإن مالت الدول العربية ودول العالم ككل... اقرأ المزيد

126

| 02 أكتوبر 2025

alsharq بين جذور المجالس وتيارات الشاشات

في قطر، كما في غيرها من مجتمعات الخليج، لم تكن الهوية يوماً مجرد رواية موروثة، بل كانت دومًا... اقرأ المزيد

138

| 02 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية