رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
وقفت في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً عند ذلك المصعد الصغير، أنتظر قدومه كمن ينتظر مسافراً قادماً على جمل من مكان بعيد، فمن شدة التعب والإرهاق شعرت بأني كنت أنتعل الأرصفة إلى أن وصلت إلى جهة عملي، ظللت أتأمل أرقام المصعد الحمراء وهي تضيء بين الفينة والفينة متحركة بتحرك المصعد من طابق إلى آخر .
فُتح ذلك المصعد الصغير الذي يحتوي على ثلاثة عشر زراً، وقد غطته المرايا، وعلى جوانب تلك المرايا خشب فخم يفصل ما بين المرآة والأخرى، وفي أعلى السقف هناك “ لمبة محروقة “ مرت عليها سنوات وما زالت محروقة .
دخلت المصعد وبه ثلاثة أشخاص متفاوتي الهم وأنا رابعتهم، أحمل بين يدي جهاز لاب توب أكتب به آخر مغامراتي … فكثيراً ما أضع أصابعي على لوحة المفاتيح دون أن أكتب كلمة واحدة، أشعر أحياناً بالنسيان الذي يعتري روحي، بل الضيق عندما لا أجد ما أكتبه، لطالما كنت أنا والكتابة كياناً واحداً، أشعر بها وهي تشعر بي، نعيش تحت قلم واحد ويساورنا الحنين معاً لرائحة الورق.
لم أجد صديقاً كالكتابة … حروف تحيط بي … تُمسك بيدي أينما رحلت … فهي لم تخني وأنا لم أخنها ،،،
ظللت أتأمل لوهلة بعض الوجوه المختلفة تقف وسط هذا المصعد، أحدهم قد اعتراه النعاس، فلا يعلم وجهته الحقيقية سوى أنه يحضر إلى عمله من أجل قراءة بعض الجرائد، وتتبع سطورها وقراءة كل تفاصيلها والتركيز على الصور التي تتضمنها تلك الجرائد .. لا يعرف سوى احتساء فنجان من القهوة المرة وهو يتنقل ما بين الصفحة والأخرى .. ليس لديه عمل سوى ذلك … فهو يحمل طاقة كبرى ولكنها غير مُفعلة بفعل فاعل … فقد تزاحم من لا يستحق عند طابور المناصب … فحظي بها الآخرون وهو بقي على حاله يُزاحم نفسه بنفسه عندما يجد على طاولته مجموعة من الجرائد ،، انتظر لوهلة وها هو يصل إلى طابقه … فسار مسرعاً وتسابقه خطواته ليلاحق جرائد اليوم ويطلب قهوته المفضلة ...
بينما أنا في ذلك المصعد …. تذكرت حياتي المتنقلة ما بين كتاب وآخر … فأنسى في أي صفحة تركت روحي، فأبحث عنها طويلاً ثم أجدها مُعلقة بين سطور مرصعة بكلمات الأنين والنسيان، أحياناً وأنا أقرأ على شرفة منزلي تمر الساعات وإذا بي أغرق في أعماق الكتاب، إلى أن أدرك بأنه لم يعد أحداً يسمعني فينقذني ويعيدني إلى واقعي الحقيقي .
عامل يقف بجانبي ..
قلبه ينبض بسرعة خوفاً من المسؤول … يتصبب عرقاً … حنجرته جفت … نشيج بداخله …
يُحدّق في الأرض خشية أن يُخطئ عندما يأمره المسؤول بفعل أمرٍ ما … يساوره
الرعب عندما يتذكر صرخته … خاصةً عندما يقول له : “ يا غبي ! “، لا يستطيع
العودة إلى وطنه في الوقت الراهن فصورة أطفاله الثلاثة لا تُفارق خياله … لقمة عيش … ألفين ريال في الهند تسد الجوع … وبدون تلك الصرخة الحنونة المزلزلة
لعروق جسده النحيل قد تحرمه من ذلك المبلغ الزهيد !
وأجد مشكلة يا رفيق … والمشكلة الكبرى عندما يتم نسيان ما قاله سيدنا عمر بن
الخطاب رضي الله عنه حينما قال حروفاً تزن قنطارا من ذهب: “ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً “ … ولذلك لا تحزن يا رفيق وإن كان ذلك مشكلة … لأن المشكلة الحقيقية تكمن عندما لا يسمع همك أحد لأنك فقير … لأنك مسكين … لأنك لست بصاحب منصب حتى تُحترم .. أو تُرحم من قبل البعض … خرج العامل من المصعد دون أن أنتبه في أي طابق نزل … وكل ما عرفته أنه يعمل عند مسؤول قلبه حجر …
وأخيراً بقيت في ذلك المصعد برفقة إحداهن وهي تنظر إلي بنظرة غضب لا سلام ولا حديث يُذكر مع ارتباك ملامحها بشدة وسطوة عينيها الناتئة، مجرد همسات تُسمع “ حسبي الله ونعم الوكيل“ تتردد هذه الجملة على شفاهها… لقد أثرت ذات يوم غضبها وغيظها .. بعد أن خطت يداي كلمات في إحدى المقالات سممت جسدها … حكيت حكايات قد أيقظتها من غفلتها … فحركت ما هو ساكن .. فيُخيل إليّ أني نثرت شيئاً من الأحجار متفاوتة الحجم في الماء العكر … متفاوتة كتفاوت الكلمات والفقرات التي كتبتها فاستشاطت ساخطةً .. وظنّت أن ما كتبته موجه حرفياً لها … إلى أن آمنت بالمثل القائل: “ اللي على راسه بطحة يحسس عليها “ … وذهبت ذات يوم إلى أحدهم تجادله فيما كتبت وتشتكي إليه…. وانتحبت باكيةً من فعلتي وظلمي وجوري لها عندما قلت كلمة حق وسط زمن جائر … فقول الحق هو ظلم من وجهة نظرها … وفي نهاية الأمر وُضعت في موضع الخطأ وهي في موضع الصواب … فتهانينا يا عزيزتي فقد نجحتي في “ العيارة “ بامتياز … واعذريني ثم اعذريني فقد تحملت وزراً لم أرتكبه وتم إنصافك بلؤمك …. بعدها وصلت إلى طابقها الموقر صاحبة المنصب والجاه “ بنت الحمولة “، تسير ببطء شديد وتجرُ خلفها ذيلها.
أخيراً حان دوري للوصول إلى الطابق الذي يقطن فيه مكتبي … قلمي الآن مُسدل للقاع فليس لدي سوى تأمل شاشة الكمبيوتر من الصباح الباكر وحتى الثانية ظهراً دون أن أحرك ساكناً، وقلبي يُرتل آيات الصبر والسكينة بعد أن ابتلاني الله بمدير جائر ليس لديه من يردعه ووزير طيب ونقاوة قلبه قد تأخذنا في رحلة حول العالم !
مجموعة ورق متناثرة على طاولتي … منها أوراق متعلقة بعملي تتجاذبها وريقات صغيرة نثر عليها قلمي بقايا حروفي … وورقة أخرى وجدتها جانباً مكتوب عليها كلمات للراحل غازي القصيبي رحمه الله مضمونها : “ لا جدوى من الحوار مع أصحاب نظرية المؤامرة … أو قصيدة النثر “ .
مشهد من وحي الخيال … قامت بتأليفه حروفي الثائرة المشاكسة المتهورة … ومن إخراج أوراقي التي تطايرت في مهب الريح …
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13638
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1800
| 21 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17 عاماً إلى أسمى آفاق الإنجاز، حين حجزوا مقعدهم بين عمالقة كرة القدم العالمية، متأهلين إلى ربع نهائي كأس العالم في قطر 2025. لم يكن هذا التأهل مجرد نتيجة، بل سيمفونية من الإرادة والانضباط والإبداع، أبدعها أسود الأطلس في كل حركة، وفي كل لمسة للكرة. المغرب قدم عرضاً كروياً يعكس التميز الفني الراقي والجاهزية الذهنية للاعبين الصغار، الذين جمعوا بين براعة الأداء وروح التحدي، ليحولوا الملعب إلى مسرح للإصرار والابتكار. كل هجمة كانت تحفة فنية تروي قصة عزيمتهم، وكل هدف كان شاهداً على موهبة نادرة وذكاء تكتيكي بالغ، مؤكدين أن الكرة المغربية لا تعرف حدوداً، وأن مستقبلها مزدهر بالنجوم الذين يشقون طريقهم نحو المجد بخطوات ثابتة وواثقة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة في تطوير الفئات العمرية، حيث استثمر الاتحاد المغربي لكرة القدم في صقل مهارات اللاعبين منذ الصغر، ليصبحوا اليوم قادرين على مواجهة أقوى المنتخبات العالمية ورفع اسم بلادهم عالياً في سماء البطولة. وليس الفوز وحده، بل القدرة على فرض أسلوب اللعب وإدارة اللحظات الحرجة والتحلي بالهدوء أمام الضغوط، ويجعل هذا التأهل لحظة فارقة تُخلّد في التاريخ الرياضي المغربي. أسود الأطلس الصغار اليوم ليسوا لاعبين فحسب، بل رموز لإصرار أمة وعزيمة شعب، حاملين معهم آمال ملايين المغاربة الذين تابعوا كل لحظة من مغامرتهم بفخر لا ينضب. واليوم، يبقى السؤال الأعمق: هل سيستطيع هؤلاء الأبطال أن يحولوا التحديات القادمة إلى ملحمة تاريخية تخلّد اسم الكرة المغربية؟ كل المؤشرات تقول نعم، فهم بالفعل قادرون على تحويل المستحيل إلى حقيقة، وإثبات أن كرة القدم المغربية قادرة على صناعة المعجزات. كلمة أخيرة: المغرب ليس مجرد منتخب، بل ظاهرة تتألق بالفخر والإبداع، وبرهان حي على أن الإرادة تصنع التاريخ، وأن أسود الأطلس يسيرون نحو المجد الذي يليق بعظمة إرادتهم ومهارتهم.
1176
| 20 نوفمبر 2025