رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يُشكّل سقوط حكم الأسد في الثامن من هذا الشهر حدثا فارقا في المنطقة في بعديه الداخلي والخارجي. انتهت للأبد حقبة حكم الأسد الوالد والولد الدموية بعد 55 عاماً بكل وحشيتها وجرائمها. شهد العالم إرثها وآثارها الكارثية بأقبية التعذيب وسجون المسالخ البشرية والمقابر الجماعية التي غيّبت عشرات الآلاف وأجبرت نصف الشعب على النزوح في الداخل واللجوء إلى الخارج. وحوّلت سوريا لمزرعة وإقطاعية لزمرة الأقلية والتنكيل بأغلبية الشعب. ليتنفس الشعب السوري صعداء الفرحة والحرية والنصر بهتافات غير مسبوقة في مدنه ومحافظاته-بالخروج لساحات المدن الرئيسية من ساحة الأمويين وحلب وحماة وحمص في «جمعة النصر»-الجمعة الأولى بعد سقوط نظام الأسد مطالبين بإعدام بشار الأسد.
شكّل سقوط نظام الأسد تداعيات إقليمية كبيرة-تمددت من طوفان الأقصى قبل 14 شهراً، بإنهاك إيران ومحورها: تعرض حزب الله لضربات وانتكاسات مدمرة، قضت على قياداته أبرزهم أمين عام الحزب حسن نصرالله وفرقة النخبة الرضوان، وانهكت حماس بحرب إبادة دموية طاحنة حوّلت غزة، وخاصة شمالها لمنطقة غير قابلة للحياة بتدمير ممنهج وقتل المدنيين الأبرياء. إضافة لاغتيال قيادات حماس العسكريين- يحيى السنوار ومحمد الضيف (لم تعترف حماس باغتياله) ورئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في طهران.
خرجت تركيا الداعمة للفصائل المسلحة من سقوط الأسد مستفيدة وكسبت الرهان. وحدّدت هدفها بمواجهة وهزيمة «وحدات حماية الشعب» الكردية المدعومة أمريكيا. وكان وزير الخارجية، ومدير الاستخبارات التركية أول مسؤولين أجانب يزورون دمشق، وأعادت فتح سفارتها في دمشق.
وكان ملفتاً بعد سقوط نظام الأسد، بقيادة «هيئة تحرير الشام» تعريف أبو محمد الجولاني، باسمه «أحمد حسين الشرع». وسيطرت المعارضة على المعابر، وقطعت ممر طهران بيروت إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا. ما يوقف امدادات السلاح الإيراني لحزب الله ويمنع إعادة تسليحه وبالتالي تتحجم قدراته، ما يعزز أمن إسرائيل، ويجعلها الفائز الأكبر من سقوط نظام الأسد.
وبرغم تأكيد وزير الخارجية الأمريكي بلنيكن فيما يتوقع أن تكون آخر زياراته للمنطقة، أن إسرائيل قلقة من الفراغ الذي تسبب به سقوط نظام الأسد. وعبّر بلنيكن عن تفهمه لقلق إسرائيل من تطور الأوضاع في سوريا.
وشنت إسرائيل أكثر من 500 غارة استباقية بعدوان واسع داخل سوريا على مدى أيام، استهدفت مواقع عسكرية ومختبرات ومركز بحوث، متعمدة تدمير القدرات العسكرية السورية والقواعد الجوية وصلت لتدمير حوالي 70% من سلاح الطيران والمطارات العسكرية والقواعد البحرية وسفن الأسطول البحري المتواضع بضربات استباقية من دير الزور إلى اللاذقية ومن الشمال على حدود تركيا إلى حمص والعاصمة دمشق والسويداء ودرعا. وذلك لمنع سيطرة الفصائل المسلحة والنظام الجديد على مخزون السلاح الكيماوي. ما يؤكد وجود بنك أهداف معد سلفاً منذ سنوات. وكعادة إسرائيل باستغلال الفرص احتلت مواقع الجيش السوري المنسحب في المنطقة الفاصلة على جبل الشيخ ما يجعله على بعد 30 كلم من العاصمة دمشق. وتقدمت الحكومة السورية المؤقتة بشكوى لمجلس الأمن ضد عدوان إسرائيل!
وهكذا تبرز إسرائيل الأكبر من سقوط الأسد هو الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتدى واحتل المنطقة الفاصلة على خط وقف إطلاق النار حسب اتفاقية عام 1974 بعد حرب أكتوبر 1973-بادعاء حمايتها ويدعي نتنياهو الوجود (الاحتلال الإسرائيلي) مؤقتا. وهو ما كرره مستشار الأمن الوطني ويصدقه بايدن ويدافع عنه سولفيان بأن الاحتلال مؤقت! علماً بأن إسرائيل تحتل الجولان، وأقامت 30 مستوطنة غير شرعية و5 قرى درزية في الجولان السوري المحتل منذ حرب يونيو 1967.
أكد مستشار الأمن الوطني الأمريكي جيك سوليفان من القدس المحتلة تغّير موازين القوى في الشرق الأوسط بشكل كبير خلال الخمسة عشر شهراً الماضية. وأكد أنه يجب الاستفادة من سقوط نظام الأسد في سوريا. والواقع أن إسرائيل أصبحت اليوم أقوى- بينما ضعفت قدرات إيران وحلفائها بعد تلقيهم ضربات وانتقامات قاسية. شكل سقوط نظام الأسد وإلحاق خسائر كبيرة واغتيال قادة حماس وحزب الله العسكريين والميدانيين والسياسيين وعلى رأسهم حسن نصرالله أمين عام حزب الله-وإسماعيل هنية ويحيى السنوار ضربات قاضية لإيران…
ما يقلق الغرب من سقوط النظام البائد المفاجئ والسريع في 11 يوماً بعملية «ردع العدوان» بتحالف فصائل المعارضة السورية المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام-هي تداعيات ضبابية الفراغ الأمني والسياسي. وقد عبّر الرئيس بايدن الخشية من مخاطر مما سيحدث والعمل على دعم جيران وفئات داخل سوريا مع بقاء القوات الأمريكية في الشمال الشرقي، والتعاون مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية الذين يحرسون معسكرات اعتقال مقاتلي داعش. ومطالبة الحكومة السورية القادمة التي يبدو أن أمريكا والغرب سيفتحون قنوات حوار معها برغم تصنيف «هيئة تحرير الشام» منظمة إرهابية، وزعيمها أحمد الشرع إرهابي منذ عام 2018، بشرط الانتقال السلمي للسلطة بعملية سياسية وتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري واحترام حقوق الأقليات وتدمير أسلحة الدمار الشامل وعدم السماح بعودة تنظيم داعش وألا تشكل سوريا تهديد لجيرانها (إسرائيل).
أما التداعيات الدولية فتكمن في خسارة مدوية لاستثمار روسيا (منحت الأسد وعائلته اللجوء السياسي لأسباب إنسانية) وموطئ قدمها ووجودها العسكري شرق البحر الأبيض- وبدء سحب معداتها الثقيلة من شرق سوريا- والتفاوض مع النظام الجديد للإبقاء على قاعدتيها الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس. تبقى التداعيات والتحديات الأخطر للنظام الجديد، نجاحه بكسب ثقة جميع فئات المجتمع السوري وتمثيله بحكومة تمثل جميع أطياف الشعب بما فيه الأقليات، واستتباب الأمن، والنجاح بالتعامل مع الإرث الأمني والاقتصادي والسياسي الثقيل الذي خلّفه نظام حكم الأسد. وتفويت الفرصة على المتربصين والمتآمرين لإفشال وسرقة انتصارات الثورة السورية، لمنع انزلاق سوريا الجديدة لنموذج ليمن أو وليبيا أخرى!
في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد
21
| 17 أكتوبر 2025
الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد
15
| 17 أكتوبر 2025
منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد
12
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6735
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6291
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3396
| 12 أكتوبر 2025